سبل الرزق تضيق على سكان غزة

صيادو القطاع يصنعون مراكب من أبواب الثلاجات.
الثلاثاء 2025/03/11
الحاجة أمّ الاختراع

في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة، خاصة الصيادين الذين فقدوا مصادر رزقهم جراء الحصار والقصف الإسرائيلي، ابتكر هؤلاء الصيادون حلولاً بديلة لمواصلة ممارسة مهنتهم؛ حيث لجأ العديد منهم إلى صناعة مراكب بحرية باستخدام أبواب الثلاجات القديمة.

غزة (الأراضي الفلسطينية) - بعد أن دمر الجيش الإسرائيلي قاربه لجأ خالد حبيب إلى الابتكار، فحول باب ثلاجة قديمًا إلى لوح عائم يستخدمه للصيد في ميناء غزة.

لم ينجُ ميناء غزة، كغيره من مناطق القطاع ومنشآته، من القصف الإسرائيلي المدمر خلال أكثر من خمسة عشر شهرا من الحرب، والتي فقد خلالها الصيادون سبل عيشهم، مثلهم مثل معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة.

يقول حبيب “الوضع صعب جدًا، لم تتبقَّ قوارب صيد، جميع القوارب مدمرة ومكدسة على الشاطئ، ومعاناة الناس كبيرة.”

ويضيف أن الجيش الإسرائيلي “دمر جميع قوارب الصيادين، افتعلوا إبادة.”

أمام هذه الصعوبات قرر حبيب أن يجرب صنع قارب من باب ثلاجة حشاه بالفلين لكي يطفو، وغطى سطحه بالخشب والجانب السفلي بالنايلون لحمايته من الماء.

القصف طال قطاع الصيد من القوارب إلى المعدات وحتى مصانع الثلج التي كان الصيادون يعتمدون عليها في حفظ الأسماك

على القارب المسطح الذي صنعه يقف حبيب على اللوح الخشبي ويجدف وهو واقف. ولصيد السمك، صنع أقفاصًا من الأسلاك لأن شِباك الصيد لم تعد متوفرة، ويستخدم لجذب السمك قطع خبز وعجينة يثبتها على فتحات القفص.

قالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إن “متوسط الصيد اليومي في غزة انخفض بين أكتوبر 2023 وأبريل 2024 إلى 7.3 في المئة فقط من مستويات 2022، وهو ما تسبب في خسارة إنتاجية قدرها 17.5 مليون دولار.”

ويقول حبيب إنه “حتى مع وجود هدنة، إذا خرجنا من الميناء، الزوارق الإسرائيلية تطلق علينا النار… أصيب عدد من الصيادين عندما دخلوا البحر… لا نستطيع الدخول لمسافة كبيرة.”

ويضيف “كمية السمك التي أصيدها قليلة، تكفي لاستهلاك عائلتي، وأحيانًا أبيع القليل في السوق التي قلما يوجد فيها باعة أو متسوقون، على عكس الحركة والنشاط اللذين كانا سائدين قبل الحرب.”

ويقول “على الرغم من صيدي المحدود، فإنني أحاول مساعدة الآخرين عبر بيع البعض منه ‘بسعر منخفض’ بالرغم من ارتفاع الأسعار.”

الحفاظ على التوازن
الحفاظ على التوازن

ولاقت فكرة حبيب استحسانًا لدى الكثير من الصيادين -وخاصة الجيل الأصغر سنا- الذين صنعوا ألواحًا عائمة مماثلة. ويمكن للوح العائم حمل ثلاثة أشخاص، وأحيانًا يضع عليه كرسيًا إذا أراد أن يستريح من الوقوف أثناء الصيد.

ويبدو حبيب سعيدًا وهو يتابع الشباب والأطفال وهم يسبحون ويحاولون ركوب اللوح العائم والحفاظ على توازنهم. ويقول “لو أنشأنا جيلًا جديدًا يتعلم السباحة، وصنعنا له قوارب من أبواب الثلاجات، فسيتعلم الجميع السباحة والتجديف وخوض غمار البحر، وهذا أفضل لهم.”

وتستمر معاناة الصيادين الذين يشكل البحر مصدر رزقهم الوحيد. عدنان الأقرع صياد من دير البلح وسط قطاع غزة، يعيل أسرة مكونة من 13 فردًا. ورث هذه المهنة عن والده وأجداده، ويمتلك ثلاثة قوارب صغيرة يعتمد عليها في إعالة أسرته. ومع ذلك جعلت قيود الاحتلال على الصيد من العمل في البحر خطرًا يوميًا يهدد حياته وحياة أبنائه.

في حديثه لمراسل “وفا” قال الأقرع “كنا نحاول الصيد على بعد بضعة أمتار فقط من الشاطئ، ولكن حتى هذا كان يشكل خطرًا كبيرًا. فالاحتلال لا يريد لنا أن نعيش، ويفرض علينا حصارًا بحريًا خانقًا، ويمنعنا من الصيد، وعندما نحاول العمل في أقرب نقطة إلى الشاطئ، نصبح أهدافًا مباشرة لنيرانه.”

ولم يكن مجدي الأقرع، ابن عم عدنان، في وضع أفضل، فقد تعرضت أربعة قوارب يمتلكها للقصف والتدمير الكامل، ما جعله يفقد مصدر رزقه الوحيد.

وقال الأقرع “في لحظات قليلة خسرنا كل شيء. استهدف الاحتلال قواربنا وأحرقها بالكامل. بل لم يكتفِ بذلك، ودمر الشباك والمعدات التي نعتمد عليها في عملنا اليومي. كيف سنعيش الآن؟ ومن أين سنحصل على قوت أطفالنا؟”

صيد بلا قوارب
صيد بلا قوارب

وأضاف “أعيل أسرة كبيرة مكونة من 60 فردًا، تضم إخوتي وأولادهم، واليوم لم يعد لدينا أي دخل. كنا نعيش من الصيد، لكنه لم يعد خيارًا متاحًا. نعتمد الآن على التكايا والمساعدات الإنسانية، لكن إلى متى؟”

وفي مقابلة مع نقيب الصيادين في قطاع غزة نزار عياش أوضح حجم الدمار الذي لحق بقطاع الصيد، مشيرًا إلى أن الاحتلال لم يكتفِ باستهداف الأفراد، بل عمد إلى تدمير البنية التحتية بشكل كامل.

وقال عياش “تم تدمير جميع موانئ الصيد في قطاع غزة، ولم يعد هناك أي مكان يمكن للصيادين العمل منه. القصف طال كل شيء، من القوارب إلى المعدات وحتى مصانع الثلج التي كنا نعتمد عليها لحفظ الأسماك.”

وتابع “دمر الاحتلال 144 غرفة معدات، و300 قارب صغير (حسكة)، و80 قاربًا كبيرًا (لنش)”.

وقال عياش “لقد تم تدمير مصانع الثلج بالكامل، اثنان في ميناء غزة ومصنع وحيد في ميناء خان يونس. هذه المصانع كانت أساسية لحفظ الأسماك وضمان عدم تلفها، والآن لم يعد هناك بديل للصيادين.” وأضاف “كما تم استهداف أنظمة الطاقة الشمسية التي كانت توفر الكهرباء لموانئ الصيد، وتدمير مصادر المياه التي كانت تزود الصيادين باحتياجاتهم الأساسية. الاحتلال تعمد شلّ القطاع بشكل كامل، حتى لا تكون هناك أي فرصة لاستعادة الصيادين مهنتهم.”

وأشار إلى استهداف مشروع “مطبخ زوجات الصيادين”، الذي تم تمويله من الحكومة الإسبانية عبر المركز الفلسطيني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما زاد من معاناة الأسر التي كانت تعتمد عليه كمصدر دخل إضافي.

Thumbnail
16