سبع سنوات على حدث البوعزيزي: هل كانت ثورات اقتصادية أم سياسية

الثلاثاء 2017/12/19
عثرات اليوم لا تبرئ أنظمة الأمس

تونس- 17 ديسمبر 2010 يوم صنعته أزمات محلية وإقليمية ودولية، وهيأت له تشابكات اقتصادية وسياسية، وذلك قبل أن يضرم صاحب عربة الخضار في محافظة سيدي بوزيد التونسية النار في جسده، ويشعل ما بات يعرف بثورات الربيع العربي.

السردية التاريخية الظاهرة تقول في قراءتها السطحية والمبسطة، إن الفتيل الذي أشعله البوعزيزي في تونس انتقل نحو مصر ثم ليبيا واليمن فنجح في إسقاط أنظمة هذه البلدان بكيفيات مختلفة. ومازال هذا الفتيل مشتعلا في سوريا، وبصورة أكثر تراجيدية، نظرا لتشابك وتضارب المصالح الإقليمية والدولية، بل هناك من المحللين من يعتقد بأن الكبوات التي شهدتها هذه البلدان تسببت في التأثير سلبا وبصورة غير مباشرة على الحالة السورية.

أما حقائق ثورات الربيع العربي في جوهرها، فمازالت تتجلى في أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية ترتبط ارتباطا وثيقا بالوضع الدولي، ذلك أن البداية الفعلية لهذا الربيع كما يؤكد الخبراء الاقتصاديون، انطلقت من الانهيارات المالية الكبرى التي شهدها العالم سنة 2008 وتفاعلت معها أنظمة هذه البلدان بتجاهل، وبطرق أقل ما يقال فيها أنها تفتقر إلى الواقعية وتجانب الصواب والمعالجة المنطقية والعلمية.

ففي تونس استمر زين العابدين بن علي في إنكار تأثر بلاده بالأزمة الاقتصادية العالمية رغم الارتفاع الملحوظ لمعدل النمو في عهده، وفي سوريا تحدث بشار الأسد وبمكابرة عن الخصوصية السورية في الوقت الذي كانت فيه منطقة الجزيرة على الفرات، والمعروفة بخصوبة أراضيها، بلا مطر ولا إنتاج. أما في مصر فاعتبر حسني مبارك أن مهمة السياسي هي توفير الخبز والفول من دون مشروع يحاصر الزيادة المفرطة للسكان، متجاهلا أنه استلم الحكم عام 1981 ولم يكن تعداد سكان مصر آنذاك يتجاوز الـ45 مليون نسمة وصار ضعف هذا الرقم حين ترك الحكم، أما الآن فيقترب من 99 مليون نسمة.

السردية التاريخية الظاهرة تقول في قراءتها السطحية والمبسطة، إن الفتيل الذي أشعله البوعزيزي في تونس انتقل نحو مصر ثم ليبيا واليمن فنجح في إسقاط أنظمة هذه البلدان بكيفيات مختلفة

الآن وبعد مرور 7 سنوات على هذه التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية، يمكن لنا التحدث عن عملية جرد مشروعة بعد كل هذا الزلزال الذي ضرب المنطقة والعالم، وأفرز واقعا مازال يتعامل معه المراقبون بحذر شديد.

هل أن سبع سنوات كافية للتقييم وإطلاق الأحكام، خصوصا إذا علمنا بأن أعظم الثورات في التاريخ لم تؤت أكلها إلا بعد عقود من الزمن تتمكن فيها القيادات من وضع الخطط والبرامج، وتستوعب فيها الشعوب ثقافة جديدة وسلوكا مغايرا للذي كان سائدا؟ أم أننا في زمن يختصر فيه كل شيء، حتى الزمن نفسه.. والنتائج بدأت بالتوضح.

على المستوى السياسي، لا يمكننا إنكار بعض الإنجازات وإن كانت بسيطة وغير ظاهرة بشكل واضح وسط تقلبات إقليمية ودولية وتنامي آفتي التطرف والإرهاب اللتين استهدفتا ومازالتا تستهدفان النموذجين الوحيدين لما يمكن تسميته بـ“النجاح النسبي للربيع العربي” وهما تونس ومصر.

ويمكن القول إن الحريات هي الغنيمة الأبرز للثورة التونسية، إذ تتصدر تونس اليوم قائمة البلدان العربية التي تصان فيها الحريات وينشط فيها الإعلام دون وصاية أو قيود، لكن بعد ربيعها تتصدر أيضا قائمة البلدان التي تصدر الإرهابيين ويعاني شعبها، كما تبين استطلاعات الرأي، من ارتفاع حدة التوتر والضغط النفسي بسبب الظروف المعيشية الصعبة وزيادة منسوب العنف الاجتماعي.

الأمر لا يختلف عن مصر التي تتصدى لمستحقات أكثر حجما بحكم ثقلها الديموغرافي والسياسي، وأكبر المشكلات التي تواجهها مصر بعد ربيعها هي العصابات الإرهابية التي تستهدف مؤسسات الدولة بالإضافة إلى الأعباء الاقتصادية في بلد يضم ما يقارب الـ100 مليون ساكن. ويمكن الحديث في مصر عما سماه منتقدون بمقايضة الحريات بالاستقرار الأمني على خلفية التصدي المصري للجماعات الإسلامية، وما استدعاه ذلك من تدابير أمنية ورقابية صارمة.

أما ليبيا ما بعد القذافي، فتعاني تصدعا سياسيا مازال يهدد وحدتها الوطنية ونسيجها الاجتماعي، بالإضافة إلى العصابات الإرهابية التي جعلت من التراب الليبي مستقرا لها ومنطلقا نحو عمليات تخريبية في الداخل والخارج مما يهدد أمن الجارين مصر وتونس. فعدم الاستقرار الأمني والتهديدات الإرهابية تنتقل بنفس الطريقة التي انتقلت فيها عدوى الربيع العربي.

وفي اليمن انقلب الحوثيون على الدولة لإجهاض حلم اليمنيين بربيع يليق بهم. كل هذه المشكلات التي تتخبط فيها دول الربيع العربي لا يعني أن حالها في السابق كان أفضل مما هو عليه اليوم، وإنما هي مستحقات ينبغي مواجهتها ولا يمكن فصلها بأي حال من الأحوال عن الأوضاع الإقليمية والدولية.

اقرأ أيضا:

أعمق من ثورة جياع

أعقد من فورة شعارات سياسية

12