سباق مع الزمن في البحث عن الناجين من الزلزال

قصص مؤلمة من تحت الأنقاض تجمع الشعبين التركي والسوري.
الخميس 2023/02/09
زلزال أشد من الحرب

إذا فرقت السياسة الشعبين السوري والتركي، فإن المعاناة تجمعهما وتجمع حولهما العالم بعد تعرضهما لزلزال مدمّر فجر الاثنين الماضي في جنوب شرق تركيا وسوريا المجاورة خلّف الآلاف من الضحايا والمفقودين، ومازالت فرق الإنقاذ تسابق الزمن بحثا عن الأحياء رغم سوء الأحوال الجوية.

أنقرة/دمشق- بدأ الوقت يضيق أمام رجال الإنقاذ في محاولتهم العثور على ناجين في تركيا وسوريا بعد مرور أيام على الزلزال المروع الذي يواصل عدد ضحاياه الارتفاع.

وفي أجواء البرد القارس، يواصل رجال الإغاثة سباقهم مع الزمن لمحاولة إنقاذ الناجين من الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجات وضرب فجر الاثنين جنوب شرق تركيا وسوريا المجاورة.

ويؤدي سوء الأحوال الجوية إلى تعقيد عمليات الإنقاذ، علما وأن 23 مليون شخص “قد يكونون تضرروا جراء الزلزال بمن فيهم حوالي خمسة ملايين في حالة ضعف” بحسب منظمة الصحة العالمية.

أنطاكية انتهت

يزدحم الطريق المؤدي إلى مدينة أنطاكية التركية في محافظة هاتاي بشاحنات الإغاثة ومعدات البناء وسيارات الإسعاف إلى جانب السيارات الخاصة لأفراد فارين.

المدينة مدمرة بالكامل وغارقة في سحابة كثيفة من الغبار بسبب الآليات التي تعمل على إزالة الأنقاض . وعلى مد النظر، مبان منهارة كليا أو جزئيا، ويقول السكان “أنطاكية انتهت”.

وفي غازي عنتاب القريبة جدا من مركز الزلزال قالت سيدة من السكان إنها فقدت الأمل في العثور على خالتها -العالقة تحت الأنقاض- على قيد الحياة، مضيفة “فات الأوان. الآن نحن ننتظر موتانا”.

صورة

ووسط حالة من الصمت والذهول يقضي عدد من كبار السن في مدينة أضنة ليلهم على الأراضي الخشبية والأرائك المتهالكة في مدرسة تحولت إلى مأوى.

وكان هؤلاء الأشخاص قد غادروا منازلهم دون أن يأخذوا أي شيء معهم وتوجهوا إلى المدرسة سيرا على الأقدام بمساعدة الأقارب أو الجيران الأصغر سنا للنجاة. ورغم أن منازلهم باتت غير مستقرة جراء الزلازل فقد عاد أبناؤهم وأحفادهم إليها لجلب الضروريات التي غالبا ما تتمثل في الأغطية وعبوات الأدوية.

وفي هذه المدينة الواقعة جنوب تركيا، جلس المسنون الذين ارتدوا قبعات من الصوف في قاعة بالمدرسة. ورغم برودة الطقس إلا أن الوضع كان أفضل مقارنة بغيرهم ممن يخيمون حول النيران أو يجلسون في سياراتهم بالخارج. وتذكر كثيرون تجاربهم السابقة مع الزلازل في هذا البلد الذي يقع فوق خط صدع في القشرة الأرضية.

وكان كمال (86 عاما) وابنته البالغة من العمر 60 عاما يترنحان ويتشبثان ببعضهما البعض أثناء خروجهما من منزلهما المتداعي واستطاعا بصعوبة الوصول إلى المدرسة سيرا على الأقدام.

وروى كمال وقد رفع ساقيه على كرسي آخر ووضعهما تحت غطاء ليشعر بالدفء “لم أكن خائفا على نفسي، كنت قلقا على بناتي الثلاث وأطفالهن”.

وقالت إحدى بناته وتدعى إليفيه إنها عادت إلى شقتهم لجلب الأدوية التي وصفها الأطباء له لعلاج أمراض القلب والظهر والدم التي يعاني منها. وأضافت “اعتقدت أنني سأموت”.

وكانت إليفيه (73 عاما) في التاسعة والأربعين من عمرها عندما نجت من كارثة زلزال 1999 في إزميت، والذي أوقع أكثر من 17 ألف قتيل. وقالت إن هذه المرة لم يكن الحال أسهل.

وأضافت وهي تحيط نفسها بعدد من الأغطية على المنصة الخشبية بالقاعة مع حفيدتها نعيمة البالغة من العمر 15 عاما “ارتجفنا وبكينا، أنا وابنتي وحفيدتي”.

وقال قوجة خليل بوداك، وهو في الثمانينات من عمره، إنه نجا من زلزال وهو في سن الثامنة وكان محظوظا لنجاته من الزلزال الجديد الذي وقع عندما كان يزور ابنه في أضنة.

وأضاف بوداك الذي كان محاطا بزوجته وأبنائه “حاولت التشبث بالخزانة، كانت تهتز… قال ابني ‘أبي لا تخاف’، وسارعنا إلى ارتداء ملابسنا والخروج  من المنزل”.

وفر رجل يبلغ من العمر 62 عاما ويرتدي بدلة رياضية رمادية اللون مع زوجته التي كانت تضع وشاحا حول رأسها. وقال “عندما حدث الزلزال واجهت صعوبة في الوقوف”.

وكانت المباني السكنية من حولهم تتصدع بل وانهارت أثناء سيرهم معا إلى المدرسة التي قالوا إنها كانت تعاني نقصا في العمالة على الرغم من الجهود الجبارة التي بذلها المتطوعون الشباب.

مهمة صعبة

صورة

في سوريا يُتوقع أن يرتفع عدد القتلى بشكل كبير إذ مازال المئات من الأشخاص عالقين تحت الأنقاض بحسب منظمة “الخوذ البيضاء” التي تمثل الدفاع المدني في مناطق تابعة للمعارضة السورية.

وتحدث أحمد الطويل من قرية معراته، وهو أحد أقارب الضحايا من مدينة حارم في محافظة إدلب المتضررة بشدة، قائلا “تلقيت أنباء عن اختفاء ابن عمي في الزلزال، لذا جئنا للبحث عنه ومساعدة رجال الإنقاذ على البحث عنه”.

وتابع “توجد أكثر من 150 أسرة تحت الأنقاض. وفرق الإنقاذ تقوم بكل ما في وسعها. لقد تطوعت أنا وأصدقائي الآن لمساعدة رجال الإنقاذ. الوضع كارثي للغاية، كارثي حقا”.

وتحدث إبراهيم العجم، وهو متطوع من منظمة الخوذ البيضاء، عن الصعوبات قائلا إن “العمل لا يزال جاريا، رغم الصعوبات الناجمة عن توابع الزلزال المتكررة وانخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر”. وتابع “الكثير من المباني دُمرت”، مضيفا أن “فرق الإنقاذ تحاول بكل ما تمتلك من وسائل انتشال الضحايا من تحت الأنقاض”.

وفي مدينة صوران بشمال سوريا سقط محمود بريمو على ركبتيه أمام أنقاض منزله،  قائلا، “سنوات من الحرب لم تدمرنا بهذه الطريقة”، مضيفا “خسرنا كل شيء في لحظة. دُمرنا بالكامل”.

23

مليون شخص قد تضرروا جراء الزلزال منهم حوالي خمسة ملايين في حالة ضعف

في بلدة جنديرس في شمال سوريا، انتشل سكان ورجال إنقاذ رضيعة ولدت بأعجوبة تحت الركام، وبقيت متصلة عبر حبل الصرة بوالدتها التي قتلت بعدما دمر الزلزال منزل العائلة.

وأبصرت الصغيرة النور يتيمة، بينما قتل والدها عبدالله المليحان ووالدتها عفراء مع أشقائها الأربعة، إضافة إلى عمتها.

ولا تسعف الكلمات خليل السوادي، قريب العائلة الذي قال “كنا نبحث عن أبوردينة (خليل) وعائلته، وجدنا أولاً شقيقته ثم عثرنا على أم ردينة وكان هو قربها”.

ويضيف “سمعنا صوتاً عندما كنّا نحفر، سبحان الله (…)، أزحنا التراب لنجد الطفلة مع حبل الصرة، قطعناه وأخذها ابن عمي إلى المستشفى”.

وفي مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر مجموعة من الرجال فوق ركام مبنى مدمّر بينما يهرول رجل من خلف جرافة صفراء وهو يحمل الرضيعة عارية إلا من طبقة من الغبار الممزوج بالدماء غطت جسدها الهزيل الذي تدلى منه حبل الصرة.

ووسط درجات حرارة متدنية يعلو صوت رجل في خلفية الفيديو يطلب إحضار سيارة لنقلها إلى المستشفى بينما يركض رجل آخر فوق الركام ويرمي بطانية ملونة للفّها.

وتمكن رجال الإنقاذ وسكان من إخراج جثث العائلة بعد ساعات من البحث والعمل المضني بإمكانيات ضئيلة، فيما تتلقى الرضيعة العناية الطبية في حاضنة داخل مستشفى جيهان بمدينة عفرين في أقصى شمال محافظة حلب.

وعند وصولها إلى المستشفى عانت الطفلة من برودة شديدة في أطرافها وحرارة داخلية منخفضة، بعدما أمضت ساعات تحت الأنقاض عقب ولادتها، وفق تقدير الطبيب المعالج.

ويقول أخصائي الأطفال هاني معروف الذي يتابع وضعها الصحي “أجرينا لها إسعافات أولية وأعطيناها الكالسيوم عبر الحقن الوريدي لأنها بقيت لساعات دون رضاعة”.

ويضيف “حالتها العامة مستقرة لكن ثمة كدمات شديدة على جسمها”، مرجحا أن تكون تلقتها وهي في رحم والدتها. ويتوقع أن تكون الولادة قد تمّت بعد قرابة سبع ساعات من حصول الزلزال.

ويوضح معروف أن وزنها يتجاوز ثلاثة كيلوغرامات، وهو الوزن الطبيعي لطفل حديث الولادة، ما يعني أن أمها كانت قد اقتربت من موعد ولادتها.

حلب تدفن موتاها

صورة

منذ حصول الزلزال تنتظر أم إبراهيم (56 عاماً) أن تسمع خبراً عن أبنائها السبعة. تجلس في سيارة قرب المبنى الذي كانوا يقطنون فيه، وتقول “أنتظر منذ صباح الاثنين، منذ أن انتهت الهزة”.

وتضيف “نمت داخل السيارة في انتظار أبنائي، أنتظر أي خبر عنهم، لم آكل ولم أشرب. هل من الممكن أن أتناول الطعام وأبنائي جياع تحت الأرض”، قبل أن تنهار باكية.

وتمسك أم إبراهيم مسبحة بيدها دون أن تتوقف عن تلاوة الأدعية، وتجفف دموعها بمنديل من قماش، وتنظر إلى المنزل المهدم، وتقول “لا أتمنى لأحد أن يعيش ما أعيشه”.

ورغم البرد القارس ينهمك سكان وفرق إغاثة وجنود في البحث عن ناجين حتى أنهم يضطرون أحيانا إلى النبش بأيديهم. وفوق أحد الأبنية المنهارة في حي بستان القصر، يصرخ أحدهم عبر فوهة صغيرة لأحد العالقين تحت سقف مبنى طالبا منه تحديد وجهة الضوء، ليتمكنوا من رصد مكانه.

وما زالت عائلة زوجة محمود العلي (27 عاماً) عالقة تحت الأنقاض في الحي، وليس معروفا ما إذا كان أفرادها الأربعة في عداد الأحياء أم ماتوا.

ويقول العلي “لم يجدوا الوقت الكافي للخروج”، حاول الاتصال بهم علّهم على قيد الحياة. وفي البداية سمع صوت الهاتف قبل أن يتوقف تماماً عن الرنين، ربما جراء انتهاء الشحن.

15