سباق بين أوروبا وأميركا على الكفاءات الخضراء

أوروبا لا تزال في حاجة للصين من أجل استيراد مكونات التكنولوجيا الخضراء.
الثلاثاء 2023/08/22
أوروبا أولى بمنتجاتها الخضراء

بروكسل - قرعت حزمة الدعم الأميركية الضخمة البالغة 369 مليار دولار التي حددها قانون الرئيس جو بايدن لخفض التضخم أجراس الإنذار في جميع أنحاء أوروبا عند الكشف عنها قبل سنة. ويرجع ذلك إلى سبب منطقي، حيث كانت القارة تكافح بالفعل الرياح الاقتصادية المعاكسة بسبب الوباء وحرب أوكرانيا.

وتوقع الكثيرون أن تكون هذه هي القطرة التي تفيض الكأس، فهي دعوة جذابة من شأنها استمالة شركات التكنولوجيا النظيفة في أوروبا المتطلعة إلى الحوافز الضريبية الأميركية، بما يُجرّد أوروبا من الوظائف المستقبلية والابتكار والاستثمار.

لكن سيناريو الكارثة المتوقع لم يحدث حتى بعد مرور عام من القانون.

أوروبا خصصت 37 في المائة من صندوق التعافي بعد كورونا الذي تبلغ قيمته 800 مليار يورو لدعم المشاريع الصديقة للبيئة

وقال نيكلاس بواتييه وهو من مركز بروغل الأوروبي المستقل للأبحاث المتخصّص في الأبحاث السياسية المعنية بالشؤون الاقتصادية الدولية ومقره بروكسل “لاح في الأفق الرعب من أن قانون خفض التضخم سيكون الضربة الأخيرة لاقتصاد الاتحاد الأوروبي بعد الوباء وغزو أوكرانيا”.

ويرى أن المخاوف لم تكن واقعية، حيث لا تعكس البيانات حتى الآن أي انجراف كبير في الاستثمار من أوروبا إلى الولايات المتحدة بسبب القانون المذكور.

ويرى مايكل كيرن في مقال في موقع أويل برايس أن الاتحاد الأوروبي عندما شعر بالمنافسة الوشيكة لعب أوراقه بذكاء. وسمح في مارس للدول الأعضاء بتوفير خيارات تضاهي الإعانات الأميركية. وهدفت هذه الخطوة إلى التأكد من أن الشركات الأوروبية لن ترى أي ميزة كبيرة في الانتقال إلى الولايات المتحدة.

وهذا فعلا ما حدث حيث لم تضع الشركات الكبرى مثل تيسين كروب رهاناتها على الجانب الآخر من المحيط. وتضخ المجموعة الألمانية العملاقة حوالي 3 مليارات يورو في مصنع صلب أخضر في دويسبورغ، وحشدت أكثر من ثلثي هذا المبلغ بفضل دعم الدولة.

وتجدر الإشارة إلى المنظور الأوسع لهذه القصة، حيث خصص الاتحاد الأوروبي بالفعل 37 في المئة من صندوق التعافي في مرحلة ما بعد جائحة كورونا الذي تبلغ قيمته 800 مليار يورو لدعم المشاريع الصديقة للبيئة.

 ويعني هذا أن النظير الأوروبي للقانون الأميركي لمكافحة التضخم كان في طور الإعداد بالفعل حتى قبل أن يقدّم بايدن رؤيته المتمحورة حول المناخ.

لكن مسار الاتحاد الأوروبي لا يخلو من العقبات.

ولاقى صندوق السيادة الأوروبي المقترح الهادف إلى دعم التحول الأخضر في المنطقة نهاية مبكرة، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى تردد الدول في إنهاك محافظها، خاصة في ظل شبح زيادة أسعار الطاقة والتحديات مثل حرب أوكرانيا.

وفي حين تبقى مساعي الاتحاد الأوروبي جديرة بالثناء، يبدو أنها تفيد اللاعبين الكبار وتهمّش الشركات الصغيرة التي تواجه مصاعب التغلب على متاهة التمويل.

قبل سنة قرعت حزمة الدعم الأميركية الضخمة البالغة 369 مليار دولار التي حددها قانون الرئيس جو بايدن لخفض التضخم أجراس الإنذار في جميع أنحاء أوروبا

ويبدو نموذج الولايات المتحدة، بوعده الممتد لعشر سنوات من تخفيضات تكاليف الإنتاج، أكثر إغراء في المقابل.

ومن المفارقات أن إطار عمل المساعدات الحكومية المريح في الاتحاد الأوروبي، الهادف إلى تحقيق تكافؤ في الفرص مع الولايات المتحدة، هو الذي زعزع توازن سوق الاتحاد الأوروبي. وبينما يمكن أن تضخ القوى الاقتصادية مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا الأموال بسهولة لدعم الشركات، لا تستطيع نظيراتها الأقل ثراءً مواكبتها. ويهدد هذا التفاوت بإحداث صدع في السوق الموحدة التي يعمل الاتحاد الأوروبي على رعايتها.

كما لا تزال أوروبا مرتبطة بالصين التي تحتاج إليها لاستيراد مكونات التكنولوجيا الخضراء المحورية، مما يضع القارة في سباق مع الزمن.

ويسعى المشرعون في الاتحاد الأوروبي للتقدم في الإجراءات الحاسمة مثل المواد الخام الحرجة ومبادرات الصناعة الصفرية الصافية. وستنتقل الشعلة في حال تعثرها إلى مجلس برلماني جديد بعد أبريل 2024، بما يؤجل اتخاذ القرارات إلى سنة 2025.

وبحسب كيرن “هزّ القانون الأميركي لخفض التضخم أوروبا، لكن ليس بالطرق التي كانت تخشاها في البداية. ويبقى أن نرى ما إذا كانت الإجراءات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي مستدامة. ولكن يبدو في الوقت الحالي أن القارة العجوز ليست مستعدة للتنحي عن السباق بعد”.

16