سالي عازر تكسر الاحتكار الذكوري للكنائس اللوثرية في الأراضي المقدسة

القدس - بعد زمن طويل من المنع، لم تعد رؤية قيادات نسائية في الكنائس أمرا غير مألوف في أجزاء كثيرة من العالم المسيحي، كذلك هو الحال بالنسبة لرسامة المرأة، حيث شهدت الأراضي المقدسة في فلسطين رسامة امرأة من المنطقة لتكون أول “قسيسة” لوثرية في المنطقة.
وتجلس الفلسطينية سالي عازر أمام مذبح الكنيسة اللوثرية في القدس القديمة بعد ترسيمها “قسيسة”، في خطوة نادرة تأمل من خلالها أن تفتح الباب أمام النساء لشغل مواقع مؤثرة في مناحي الحياة الدينية والسياسية.
وتقول عازر التي أصبحت أول فلسطينية تُرسم في الأراضي المقدسة بينما ترتدي الزي الكهنوتي إنها “لحظة لا توصف”.
وتضيف القسيسة التي تم ترسيمها في يناير المنقضي “هذا شيء غير عادي… كانت لحظة خاصة، أقدر الدعم الكبير الذي حظيت به من الجميع في أنحاء العالم”.
القسيسة تسعى إلى إلهام النساء على مستوى العالم وحثهن على الوصول إلى مناصب عليا داخل الأحزاب السياسية وفي الحكومات
جرت المراسم على بعد أمتار عدة من كنيسة القيامة التي تعتبر أكثر المواقع قداسة في الدين المسيحي، وحيث يعتقد أن المسيح صلب ودفن وقام من بين الأموات.
تقول عازر إنها أمضت سنوات “تستعد لذلك اليوم (يوم ترسيمها)”، مستلهمة من نساء العهد القديم رغبتهن في “تغيير شيء ما في المجتمع”.
والكنيسة اللوثرية هي جزء من الحركة البروتستانتية التي تسمح للنساء بالوصول إلى رتبة قسيسة، على عكس الطائفتين الكاثوليكية والأرثوذكسية.
وتوجد في فلسطين كنيستان فقط يترأسهما مطارنة فلسطينيون، وهما الكنيسة الإنجيلية اللوثرية، والكنيسة الأسقفية، من أصل 13 كنيسة يترأسها مطارنة وبطاركة أجانب.
وبترسيمها قسيسة، بإمكان سالي عازر مستقبلا أن تصبح مطرانة، فالقسيس هو راعي كنيسة محلية، بينما يقوم المطران برعاية كل الكنائس بشكل إقليمي.
ولدى القسيس أو القسيسة قائمة طويلة من الواجبات والمهام في الكنيسة، أبرزها رعاية الكنيسة، وممارسة الأسرار المقدسة، وهي المعمودية (تعميد الأطفال)، وسر العشاء الربّاني (القربان)، والتعليم والوعظ، والقيام بإجراءات الزواج الكنسي بين أفراد الرعية.
وتفخر عازر بنشأتها في القدس وتلقيها تعليمها في مدرسة ألمانية للإناث المسيحيات والمسلمات. وهي ابنة المطران سني إبراهيم عازر، مطران الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأرض المقدسة.
وتنوّه “لا أريد أن أكون الوحيدة أو الأولى والأخيرة التي تم ترسيمها. آمل أن تدرس نساء أخريات علم اللاهوت ويتم ترسيمهن”.
ووفقا للقسيسة الفلسطينية، فإن عدد المؤمنين اللوثريين في جميع أنحاء الأراضي المقدسة والأردن لا يزيد عن 3 آلاف.
وتحذر عازر من أن المجتمع المسيحي في القدس “يتناقص عدده كل يوم”. وتعزو ذلك إلى “الوضع السياسي والكثير من شبابنا يدرسون في الخارج ولا يعودون”.
لكن عازر التي تبلغ من العمر 26 سنة ودرست في ألمانيا، خالفت التوقعات وعادت إلى القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل في العام 1967.
تقع البلدة القديمة في القدس الشرقية، ويقول رؤساء الكنيسة إن المسيحيين كانوا في العام 2021 “هدفا لهجمات متكررة ومستمرة من الجماعات المتطرفة”.
القسيسة عازر تعهدت بإظهار "أهميتها" ليس على مستوى الدين المسيحي فقط، وإنما لدى المسلمين واليهود أيضا
يُذكر أن الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية التي تتبع روما، أي ما يُعرف بالكنائس التقليدية، تعارض الكهنوت للمرأة، وتعتبر أن الكاهن هو رجل دين مكلف بحمل رسالة السيد المسيح، وبذلك يقتصر الكهنوت على الذكور، لكن الكنائس الإنجيلية التي تتبع بريطانيا واللوثرية التي تتبع ألمانيا أقرت منذ سنوات أن المرأة يمكن أن تكون قسيسة ومطرانة أيضا، وناشدت منذ العام 2010 الكنيسة الإنجيلية بمصر تعديل دستور كنائسهم للسماح برسامة المرأة “قسا” بعد تقديم تقرير واف بالجوانب الكتابية واللاهوتية والثقافية والمجتمعية.
وعملت الكنائس الإنجيلية في سوريا ولبنان بالقرار، وتم تنصيب ثلاث نساء في لبنان وامرأة في سوريا خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، وهو ما يعد علامة فارقة في كنيسة المشرق في السنوات الماضية وخطوة نحو تمكين المرأة من مناصب دينية.
خارج أبواب الكنيسة اللوثرية في القدس القديمة، تقول عازر إنها تسعى إلى إلهام النساء على مستوى العالم، وحثهن على الوصول إلى مناصب عليا داخل الأحزاب السياسية وفي الحكومات.
وتبدو عازر فخورة بترسيمها، ليس فقط لكونها سيدة وإنما لأنها شابة أيضا.
وتقول “أعتقد أن الأمر لا يتعلق فقط بكوني امرأة، بل بكوني شابة أيضا، أريد جلب أصوات الشباب وتشجيعهم”.

كما تؤمن الشابة الفلسطينية بأن الرجال والنساء “جميعا متساوون بطريقة ما، الأمر يتعلق باختلاف وجهات النظر”.
وتشدد “يمكنني أن أفعل كل شيء، كل شيء مثل أي قس آخر”.
ورغم مواجهة خطوة ترسيمها لمعارضة البعض، تعهدت القسيسة عازر بإظهار “أهميتها” ليس على مستوى الدين المسيحي فقط، وإنما لدى المسلمين واليهود أيضا.
ولا تزال الموروثات المجتمعية والدينية المترسبة في اللاشعور خلال القرون الماضية على كل الأصعدة الدينية والمجتمعية، تؤثر في أراء شريحة واسعة من المسيحيين، وجعلت النساء قبل الرجال يرفضن أن تُرسم المرأة شيخا أو قسيسا.
ويقر المسيحيون بأن السيد المسيح هو رأس الكنيسة كلها، والكاهن هو نائب ووكيل عنه ويستمد خدمته الكهنوتية منه، لهذا لا تصلح المرأة أن تحمل خدمة الكهنوت لتصبح الرأس في قيادة الكنيسة التي هي جماعة المؤمنين والذين هم أعضاء في جسد المسيح، متعدية الترتيب الإلهي منذ بدء الخليقة.
ويتحجج المعارضون لقيادة المرأة أيضا بأن المسيح لم يتخذ تلاميذ له من النساء، ورغم المكانة العظيمة لمريم العذراء في المسيحية، إلا أنها لم تصل إلى رتبة كهنوتية.