سالفيني ينافس البابا في الخطاب الديني للفوز بـ"روح البلاد"

نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماثيو سالفيني يقول إنه يشعر بأنه أب لـ60 مليون إيطالي.
السبت 2019/06/22
تحويل مسارات المعركة مع البابا

أهداف اليمين المتطرف في أوروبا، يلخصها بشكل أوضح زعيم حزب رابطة الشمال اليميني المتطرف الإيطالي ماثيو سالفيني الذي يشغل في الوقت نفسه خطة نائب لرئيس الوزراء في بلده. وتحركات سالفيني الأخيرة خرجت بشكل علني من منافسة الأحزاب والسياسات التقليدية في القارة الأوروبية إلى مزاحمة المؤسسة الدينية من خلال منافسة البابا فرنسيس وذلك بتقديم صورة عن نفسه توحي بأنه الأب الروحي للكاثوليكيين الإيطاليين. وبهذا الخلط يبرز أن المزج بين السياسي والديني لم يعد حكرا على الجماعات والتيارات الإسلامية بل صار من أهم سمات اليمين المتطرف الأوروبي.

روما – خلال تجمع في بلدة فولينيو وسط إيطاليا، توجه نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماثيو سالفيني إلى الحاضرين، قائلا إنه يشعر بأنه أب لـ”60 مليون إيطالي”، في خطاب علق عليه رئيس بلدية ميلانو الليبرالي، جيوسيبي سالا بقوله إن سالفيني “لم يكن يتحدث كسياسي، بل كان يتوجه إلى مستمعيه كزعيم ديني”؛ وهو أمر تؤكده تصريحات كثيرة عكست كيف أن المزج بين السياسي والديني لم يعد حكرا على الجماعات والتيارات الإسلامية بل أصبح من أهم سمات اليمين المتطرف الأوروبي.

منذ أن أظهرت استطلاعات الرأي فوز حزب رابطة اليمين الإيطالي في أواخر شهر مايو الماضي بأكثر من 43 بالمئة من الأصوات في الانتخابات الأوروبية، تحدّثت أغلب التقارير الأوروبية عن أن رئيس الحزب اليميني المتطرف ماثيو سالفيني سيكون له تأثير كبير في توجهات أوروبا وأن القارة الأوروبية قد تنزلق في المستقبل القريب نحو طريق اليمين المتطرف وأفكاره

الحديث عن طموحات حزب رابطة اليمين المتطرف الإيطالي السياسية والحالمة بجعل أوروبا رهن توجهاته الشعبوية، لا يعد شيئا جديدا، لكن سالفيني الذي يشغل -إلى جانب زعامته للحزب- منصبَيْ نائب لرئيس الوزراء جوزيبي كونتي ووزير للداخلية، حوّل نسق خطواته لخوض معارك أخرى ليست سياسية بقدر ما هي أيديولوجية وهدفها الاستحواذ أيضا على الدين.

ومؤخرا صار سالفيني يلتحف بالخطاب الديني بشكل يؤشر على أنه يريد مزاحمة البابا فرنسيس في مكانته الروحية التي يتمتع بها بين الإيطاليين بشكل خاص والمسيحيين بشكل عام.

تختلف تصورات سالفيني عن تلك التي تظهرها المؤسسة البابوبة في ما يخص أهم الملفات المعقدة التي تراهن عليها الأحزاب الشعبوية والمتمثلة دون شك في أزمة الهجرة، والتي يدعمها البابا فرنسيس كأهم رمز ديني كاثوليكي.

معركة مكشوفة

المعركة المكشوفة التي يخوضها سالفيني مع البابوية ترجمتها تحركاته الأخيرة، ما يجعل من مسألة الخلط بين الدين والسياسة محل مبحث متجدد في العالم، حيث لم يعد يقتصر هذا الفعل السياسي على التيارات والجماعات الإسلامية. هذا الملـمح المازج بين السياسة والدين، عادت إليه مجلة “فورين بوليسي” الأميركية في تحليل للصحافية الإيطالية آنا مومبيلانو، ذكّرت فيه أن سالفيني إثر سطوع نجمه ضمّن خطابه رموزا دينية كاثوليكية، مثل مريم العذراء، وحاول تصوير نفسه كشخصية شبه باباوية. وأصبح كالبابا المزيف، ليرى البعض وجوب إضافته إلى لائحة شخصيات تواجدت في فترات مختلفة من تاريخ الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.

لكن سالفيني يواجه منافسا حقيقيا وهو البابا نفسه، حيث يتبنى البابا فرنسيس مواقف مؤيدة للهجرة، في تناقض مباشر مع رهاب رابطة الشمال الصريح تجاه الأجانب. وكان قد وجه رسائل يبدو المقصود منها سالفيني واستيلاؤه على الرموز الدينية، وإن كان ذلك بطريقة غير مباشرة. ولا يعتبر البابا وسالفيني مجرد زعيمين بارزين غير متفقين على بعض القضايا، أو ربما يكرهان بعضهما البعض. ففي إيطاليا تجسّد الشخصيتان رأيين متضادين حول الحضارة الغربية وقيمها؛ إنهما يقاتلان للفوز بروح إيطاليا.

البابا فرنسيس يتبنى مواقف مؤيدة للهجرة
البابا فرنسيس يتبنى مواقف مؤيدة للهجرة

وعلى عكس سالفيني التقى البابا خلال زيارته لرومانيا أفرادا من غجر روما الذين يشكلون أقلية مهمشة في البلاد. ودعا الغجر إلى تولي “دورهم الرئيسي”، دون “الخوف من مشاركة وإظهار الميزات الخاصة التي تشكّل ثقافتهم”. وأضاف أن هناك مواطنين من الدرجة الثانية، وهم أولئك الذين يحتقرون الآخر على أساس عرقي. وتناقضت كلماته مع خطابات سالفيني المناهضة للغجر. في المقابل وظّف سالفيني -منذ بروزه سياسيا- المواقف المناهضة للغجر كعناصر رئيسية في دعايته، وتعهد بطرد أكبر عدد ممكن منهم، معبرا عن “خيبة أمله” من البعض منهم كانوا إيطاليين.

بعد بضعة أيام من لقاء البابا مع الغجر، خرق الكاردينال كونراد كرايوسكي، وكيل الصدقات البابوي الذي تتمثل مهمته في توزيع أموال البابا الخيرية، القانون ليعيد التيار الكهربائي إلى المئات من المهاجرين القابعين في أحد مباني منطقة فايا دي سانتا كروس بروما. وقال إنه تدخل لمساعدة سكان المبنى الذين قضوا أسبوعا كاملا دون كهرباء ومياه ساخنة، حيث تخلفت العائلات عن دفع معلوم الفواتير.

ونقلت مجلة فورين بوليسي عن محللة سياسية بجريدة إيل فوغليو قولها “لم يكن بإمكان كراجيوس أن يتصرف دون موافقة ضمنية من البابا، وكانت الرسالة واضحة: نحن ندافع عن الفقراء، عكس ما تفعلون. لذا، لا تتجرأوا على الاقتباس من الكتاب المقدس”.

وفي هذه الحادثة أشار سالفيني إلى أنه كان يتوقع أن يدفع مساعد البابا معلوم فواتير الكهرباء. وعلى عكس المؤسسة البابوية، فإن نائب رئيس الوزراء الإيطالي لم يتوان في توجيه انتقاداته اللاذعة للبابا فرنسيس، حيث قال في 18 مايو خلال استقباله البرلماني الهولندي اليميني المتطرف خيرت فيلدرز والزعيمة اليمينية الفرنسية مارين لوبان، قبل انتخابات الاتحاد الأوروبي “أوجه كلمتي هذه للبابا فرنسيس، الذي قال إننا بحاجة إلى خفض عدد الوفيات في البحر المتوسط. تخفض حكومتنا عدد القتلى في البحر المتوسط إلى الصفر، بكل فخر وروح مسيحية”.

انتقادات متبادلة

في اللحظة التي ذكر فيها سالفيني اسم البابا فرنسيس، عبّر الجمهور الحاضر الذي يجمع مؤيدي الرابطة المتشددين عن استيائه من ذلك.

وتميزت مواقف البابا بانتقاداته لمواقف حزب رابطة اليمين الإيطالي تجاه طالبي اللجوء، وخاصة مع حملة القمع التي تشنها الحكومة على سفن الإنقاذ، والتي أثارت انتقادات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

لكن البابا لم يذكر سالفيني أو ائتلافه الحاكم مباشرة، مفضلا التصريحات الضمنية مثل “نسمع نداء أشخاص يبحثون عن الأمل، ولا يعرفون أي موانئ سترحب بهم في أوروبا التي تفتح موانئها أمام السفن التي تحمل أسلحة متطورة ومكلفة قادرة على إنتاج أشكال الدمار التي لا تستثني حتى الأطفال”.

آنا مومبيلانو: سالفيني ضمّن خطابه رموزا دينية كاثوليكية
آنا مومبيلانو: سالفيني ضمّن خطابه رموزا دينية كاثوليكية

المعركة الجديدة التي حوّلت رجل السياسة إلى رجل دين، لا تعتبر وليدة اليوم، بل لها تداعيات سابقة، حيث هاجم سالفيني قبل بضع سنوات البابا عندما ارتدى قميصا فيه إشارة إلى البابا بنديكت السادس عشر الذي استقال من منصبه كبابا الفاتيكان، وهو الأكثر شعبية بين الكاثوليك المحافظين. وفي مناسبة أخرى، تحدث في مقابلة تلفزيونية قائلا “دعه يقلق على النفوس، أنا قلق على الإيطاليين المحتاجين”.

كما أظهر وزير الداخلية مؤخرا مؤشرات على تدينه الكاثوليكي، حيث قبّل مسبحته في أحد التجمعات، ولوح بالكتاب المقدس. وعندما حصد حزبه أعلى نسبة سجلها في تاريخه خلال الاستطلاعات (34 بالمئة في الانتخابات الأوروبية الأخيرة)، أهدى سالفيني النتيجة لمريم العذراء و”قلبها الطاهر”، مستخدما مصطلحات ذات طابع التديّن.

يعرض سالفيني بفخر صورة المسيح وقارورة ماء من نهر بو، في إشارة إلى ماضي حزبه المعارض لإيطاليا اللاتينية؛ إذ أراد المتشددون في البداية الانفصال وإنشاء دولة جديدة تسمى بادانيا، ثم خففوا من حدة موقفهم، مطالبين بالاستقلال الضريبي في الشمال الأكثر ثراء، لينقل سالفيني الحزب إلى المستوى الوطني، وحوله إلى قوة قومية يمينية منذ أن أصبح زعيما له في 2013.

وأشار بعض المحللين إلى أن طرق إبراز ماثيو سالفيني لمعتقداته الدينية  تنبع من ثلاثة دوافع؛ أولا، كردة فعل على هجمات البابا فرنسيس، حيث قال عالم الاجتماع بجامعة بولونيا والمؤلف المشارك لكتاب “رابطة سالفيني”، داريو تورتو، إن ما ثيو سالفيني يحاول تجميل صورته لجذب الناخبين المعتدلين الأكبر سنا من الذين اعتادوا التصويت لصالح رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني. ويضيف داريو “إن صورة سالفيني كانت تخيف هذه الفئة، مما دفعه إلى اللجوء إلى عنصر مألوف، مثل الدين. ثالثا، يحاول سالفيني استقطاب الرجعيين المتشددين، الذين لا يمثلون عددا مهما وكبيرا ولكنهم مهمون من الناحية الإحصائية.

7