سائقو عربات الخيول يرزحون تحت الشمس في فيينا

فيينا - فيما ترزح مناطق واسعة من أوروبا تحت موجة قيظ استثنائية، يبدي سائقو عربات الخيل السياحية التقليدية في فيينا قلقا على المستقبل، في ظل تصاعد الضغوط من مجموعات الرفق بالحيوان الرافضة لـ“تعذيب” الخيول.
ومنذ نحو أسبوع، تواجه القارة الأوروبية موجة حر قاسية وحرائق أودت بحياة نحو 500 شخص في إسبانيا وأزيد من 1063 في البرتغال.
وفي إسطبل إحدى الشركات الرائدة في هذا المجال في العاصمة النمساوية، يشرح سائق الخيل ماركو بولاندت عن طريقة تكيف الحيوانات مع الحر المتزايد وعن أوقات الاستراحة التي تحصل عليها.
وينادي نشطاء يمينون بخفض عتبة الحرارة القصوى التي يُسمح بتشغيل الخيول عندها، من 35 درجة مئوية حاليا إلى 30، لكنّ سائقي الخيول وأصحاب الشركات التي يعملون فيها يعتبرون أن السير بهذا المطلب قد يقضي على مهنتهم المتوارثة منذ قرون.
لا يزال حوالي ثلاثمئة جواد تجر عربات في وسط فيينا ومواقع سياحية أخرى ما يوفر الآلاف من فرص العمل
وقال بولاندت “يمكننا جميعا العيش مع درجة حرارة 35، لكن النزول إلى مستوى أدنى من ذلك ليس جيدا للخيول، كما سيترتب علينا مناقشة التبعات الاقتصادية لمثل هذا القرار”.
وأشار الشاب البالغ 28 عاما المتحدر من فيينا إلى أن الخيول المدربة على جر العربات تحتاج إلى هذا النشاط، فيما يحتاج سائقوها إلى المردود المالي المتأتي من ذلك.
وخلال الأيام الأكثر حرّا، يتأكد سائقو عربات الخيل من أن حيواناتهم تشرب كميات كافية من المياه، مع اختيار مواقع في الظل خلال فترات بعد الظهر عند انتظار الزبائن.
وأكد بولاندت أن “المناخ يتغير وحرارة الطقس آخذة في الازدياد”، مضيفا “وبطبيعة الحال الوضع يتغير إذ كان ممنوعا علينا تشغيل الخيول لسبعة أيام سنويا أو لثلاثين يوما في السنة”.
بولاندت الذي عمل في مجال الطهي وبدأ تقديم الطعام لزبائن عربات الخيول السياحية قبل خمس سنوات، يدير موقعا إلكترونيا لإعلام الناس بالخيول وبمهنة جرّ العربات السياحية. كما يدير جولات على الإسطبل للزبائن الراغبين في الاطلاع على الحياة في هذه المواقع.
ولا يزال حوالي ثلاثمئة جواد تجر عربات في أنحاء فيينا، خصوصا في وسط المدينة ومواقع سياحية أخرى، ما يوفر الآلاف من فرص العمل، بحسب بولاندت.
وقال سائق الخيل “أدركت أن أحدا لا يمكنه أن يشرح للناس طريقة عمل الأمور”، متحدثا عن القواعد المتشددة والكشوفات البيطرية الدورية التي يتعين القيام بها للحفاظ على سلامة الخيل.
وتلقى هذا النشاط الاقتصادي ضربة قوية بفعل تدابير الإغلاق منذ بدء جائحة كوفيد - 19 سنة 2020، لكنه بدأ بالتعافي بسرعة هذا العام.
إلا أن الناشطين المدافعين عن حقوق الحيوانات يقولون إن الخيول تعاني بشدة من هذا الوضع خصوصا خلال فترات الحر الشديد.
وقال الناشط في جمعية “أسوسييشن أغاينست أنيمل فاكتوريز” ديفيد فينزل “هذا العمل يرتبط بوضوح بتعذيب الحيوانات. الخيول تعمل أحيانا تحت الشمس في ظل حرارة تبلغ 34.5 درجة مئوية”.
وأضاف “هي تتعرض للضجيج والدخان والازدحامات المرورية وللإجهاد بطبيعة الحال”.
وكان مسؤولون في بلدية فيينا يعتزمون في يونيو الماضي تشديد التشريعات المعمول بها في هذا الإطار، لكنهم قرروا في نهاية المطاف تأجيل العمل بتخفيض درجة الحرارة القصوى التي يُسمح بتشغيل الخيول عندها، بانتظار إجراء دراسة في هذا الصدد العام المقبل.
لذا يمكن أن تستمر عربات الخيول السياحية بالعمل إلا في حال تخطت الحرارة 35 درجة مئوية، وهو مستوى يُتوقع بلوغه هذا الأسبوع. ويقول العلماء إن موجات الحر باتت ظاهرة أكثر تواترا وشدّة جراء التغير المناخي.
وشهدت فرنسا وبريطانيا موجات حر غير مسبوقة في الأيام الأخيرة، فيما استعرت حرائق غابات في أرجاء مختلفة من جنوب غرب أوروبا ملتهمة مساحات حرجية واسعة.
ويتوقع الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية بيتيري تالاس أن تستمر تداعيات موجة الحر الشديد التي تضرب القارة الأوروبية حتى عام 2060 على الأقل.
وحذر تالاس خلال مؤتمر صحافي للأمم المتحدة مؤخرا من الأضرار التي قد تلحق بصحة الفرد والاقتصاد والإنتاج الزراعي والسياحة على خلفية هذه التغيرات المناخية.
وأعلن أنّ المسار السلبي لحالة الطقس عالميا “سيستمر حتى عام 2060” وذلك بغض النظر عن أي نجاحات تحقق في جهود التخفيف من الآثار السلبية للتغير المناخي.
وفي هذا الشأن حذر تالاس من أن موجات الحر “ربما سيكون لها تأثير مشابه لجائحة كورونا”، متوقعا أن “تتسبب في سقوط وفيات”.
وأردف “نتوقع أن نشهد زيادة في الوفيات بين كبار السن والمرضى، فهذه الفئات كانت الأكثر عرضة لخطر فايروس كورونا وهي اليوم من أكثر الفئات ضعفا أمام موجات الحر”.