سئمت تكاليف الحياة

العمر المديد قد يرى فيه البعض نعمة، ولكن غالبا ما يكون نقمة على صاحبه، ليس فقط لما يرافقه من أمراض مزمنة، وضعف بالذاكرة، وارتعاش بالأطراف؛ فالمعمرون غالبا ما يشعرون أنهم أصبحوا عبئا على من حولهم، ما لم ينته بهم الأمر نزلاء في بيوت للعجزة المسنين، ينتظرون ملاك الموت، الذي تأخرت زيارته إليهم.
هذا ما حدث لشاعرنا زهير بن أبي سلمى الذي عاش إلى أن وصل سن الثمانين، في عصر كان من يصل فيه إلى سن الخمسين يعتبر معمرا.
ورغم ثرائه ومجالسته الملوك وشيوخ القبائل، ورغم مكانته عندهم وحظوته، إلا أنه سئم الحياة وتكاليفها، فـ”من يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم”.
تذكرت زهير بن أبي سلمى وقصيدته، التي بقيت عالقة في ذهني منذ أكثر من خمسين عاما، وأنا اليوم على مشارف السبعين. كيف لا يسأم الحياة من أصبح عربة قديمة، ما إن يصان عطب فيها، حتى يبرز عطب آخر.
زهير عاش بعد أن بلغ الثمانين عشرين عاما أخرى، قبل أن يرأف به ملاك الموت. فماذا لو عاش حتى بلغ مئة وخمسين عاما؟
الكابوس، ولن أقول الحلم البشري، أصبح على بعد بضع حبات، يتناولها المرء، لتجدد خلاياه وتعيد إليه شبابه.
منذ أيام تحدث العلماء عن تقنيات يمكن أن تطيل عمر الإنسان إلى 140 وحتى 150 عاما. اليوم يتحدثون عما هو أبعد من ذلك. يتحدثون عن عودة الشيخ إلى صباه، شكلا ومضمونا.
هذا الإنجاز أصبح ممكنا بتناول “حبة شباب” تكبر على إثرها دون أن تعاني أي أعراض جانبية، ودون أن تخشى الشلل الرعاش أو ضعف البصر أو الزهايمر (خرف الشيخوخة).
العربة البشرية لن تحتاج بعد اليوم إلى صيانة وقطع غيار.
هذا ما يزعم علماء من جامعة هارفارد الأميركية التوصل إليه، وهو زعم يكفي أن يكون صادرا عن جامعة تحتل المركز الأول في العالم، كل عام، ليكتسب مصداقية كبيرة.
ما قاله العلماء في هارفارد، نقلته عنهم صحيفة ديلي ميل البريطانية، مؤكدة تحقيق تقدم حقيقي في تجديد الشباب، وعكس عملية الشيخوخة. كل ما هو مطلوب أن نتناول “حبة شباب” تحتوي ستة مركبات كيميائية، لم يجر الإفصاح عنها بعد.
ويؤكد العلماء أن تأثير الحبة المجددة للخلايا يدوم عدة سنوات.
الاختبارات أجريت حتى الآن على فئران التجارب وعلى خلايا بشرية وكانت ممتازة. وسوف تختبر على الإنسان مطلع العام المقبل.
أخيرا، دواء يمكن أن يحول خلال أسبوع واحد الخلايا الهرمة إلى خلايا شابة.
ماذا لو تحول هذا الكلام إلى حقيقة واقعة؟ أي أثر اجتماعي واقتصادي ونفسي سيتركه على العالم؟ ماذا سيحل بصناديق الضمان الاجتماعي؟ وبأي سن يحال الفرد عندها على التقاعد؟ وما هو مصير المصحات ودور رعاية المسنين؟
وهل سنجد بين البشر من يردد ما قاله شاعر نجد يوما: سئمت تكاليف الحياة.
ألف سؤال وسؤال سيطرح، إذا صدقت ادعاءات علماء هارفارد.