زيارة ماكرون إلى الجزائر أرضت فرنسا ولم تخدم خطط تبون

الانتقادات تنهال على الرئيس الفرنسي من قبل الطبقة السياسية الفرنسية بعد إعلان تشكيل لجنة المؤرخين.
الأحد 2022/08/28
الجزائر فشلت في تحقيق ما تريد من زيارة ماكرون

وهران (الجزائر) - اختتم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السبت زيارة استغرقت ثلاثة أيام إلى الجزائر بلقاء مع رياضيين وموسيقيين في وهران قبل أن يعود إلى عاصمة البلاد من أجل تكريس إحياء العلاقات الثنائية بين البلدين رسميا.

وقال مراقبون إن الزيارة لم تحقق ما أرادت الجزائر منها ولا كذلك فرنسا، مشيرين إلى أن الرئيس ماكرون اضطر لإطلاق تصريحات مجاملة لبحث الصداقة التاريخية وموضوع الذاكرة، وما اقتراح لجنة مشتركة لفتح ملفات الذاكرة إلا حيلة ذكية لإبعاد الموضوع عنه، وهو يعرف أن الموقف من التاريخ لا تحسمه لجنة، وهو يحتاج فقط إلى استعداد فرنسي للاعتذار.

وأضاف المراقبون أن الجزائر كانت تتوقع مواقف فرنسية قوية إلى جانبها في موضوع خلافها مع إسبانيا والمغرب وإطلاق تصريحات يفهم منها دعم لموقف الجزائر. لكن ذلك لم يحصل لأن ماكرون يعرف أن المغرب لن يسكت على أي تصريح أو خطوة تمس من وحدة أراضيه مثلما حصل الجمعة بعد استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لزعيم بوليساريو إبراهيم غالي.

واعتبروا أن الزيارة سعت لتجنب الخلافات وحصر الحديث في موضوع الشراكة، والتي تعني تمكين فرنسا مما تحتاجه بما في ذلك موضوع الغاز من دون أن تحصل الجزائر على مقابل مباشر في موضوع الصحراء الذي تلقت فيه ضربات قوية في السنوات الأخيرة مع اعتراف واشنطن ومدريد وألمانيا بمقاربة الحكم الذاتي المغربية كأساس للحل.

الجزائر كانت تتوقع مواقف فرنسية قوية إلى جانبها في موضوع خلافها مع إسبانيا والمغرب، لكن ذلك لم يحصل

ويتمسك المغرب بمقترح منح الصحراء المتنازع عليها حكما ذاتيا تحت سيادته “في إطار وحدته الترابية” كحل وحيد لإنهاء النزاع القائم منذ العام 1975 مع جبهة بوليساريو التي تطالب باستقلال الإقليم مدعومة من الجارة الجزائر.

وتؤكد الرباط أن هذا المشروع “فرصة حقيقية من شأنها أن تساعد على انطلاق مفاوضات، بهدف التوصل إلى حل نهائي لهذا الخلاف على أساس إجراءات توافقية، تنسجم مع الأهداف والمبادئ التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة”.

وزار ماكرون ميناء وهران وحصن وكنيسة سانتا كروز على مرتفعات المدينة المطلة على البحر المتوسط، ثم انتقل إلى أستوديو تسجيل الأغاني خلال سنوات ثمانينات وتسعينات القرن العشرين “ديسكو مغرب” الذي تخصص في موسيقى الراي التي انتشرت في العالم بفضل مطربين مثل الشاب خالد. كما حضر عرضا للرقص.

ووصل الرئيس الفرنسي مساء الجمعة إلى وهران المدينة المعروفة بانفتاحها في غرب البلاد، وتناول العشاء مع الكاتب كمال داود وشخصيات أخرى من وهران.

وكان قبل مغادرته العاصمة الجزائرية التقى رجال أعمال وجمعيات شباب طرحوا عليه أسئلة عن مشاكل التأشيرة وتراجع اللغة الفرنسية في الجزائر، والنزاع حول ملفات الذاكرة بين البلدين.

ودام الاحتلال الفرنسي للجزائر 132 سنة من 1830 إلى أن نالت استقلالها في 1962 بعد ثماني سنوات من حرب طاحنة.

وبعد أشهر من الأزمة الدبلوماسية المرتبطة بهذا الماضي المؤلم، أعلن الرئيسان الفرنسي والجزائري عبدالمجيد تبون منذ اليوم الأول للزيارة الخميس عن ديناميكية جديدة في العلاقة بين البلدين.

وانتهت الزيارة بالتوقيع الرسمي على إعلان مشترك، وهي نقطة أضيفت في اللحظة الأخيرة إلى برنامج الرئيس ماكرون. ويتعلق الأمر بحسب الرئاسة الفرنسية باتفاق “شراكة متجددة وملموسة وطموحة”.

واعتبر ماكرون في تصريح الجمعة أن العلاقات مع الجزائر “قصة لم تكن بسيطة أبدا، لكنها قصة احترام وصداقة ونريدها أن تبقى كذلك، وأجرؤ على القول إنها قصة حبّ”. وأشار إلى شراكة تم إنجازها “في خضم الحماسة الحالية” بعد اللقاءات المتعددة التي جرت الخميس مع تبون ووزرائه.

وأكد أنه سيعمل على “شراكة جديدة من أجل الشباب ومن خلالهم” تشمل قبول ثمانية آلاف طالب جزائري إضافي للدراسة في فرنسا ليرتفع إجمالي عدد الطلبة الجزائريين المقبولين سنويا إلى 38 ألفا.

كما دافع بقوة عن فكرة تسهيل حصول بعض الفئات من الجزائريين على تأشيرات فرنسية من أجل المساهمة في ظهور “جيل فرنسي - جزائري جديد في الاقتصاد والفنون والسينما وغيرها”.

وبالإضافة إلى ملف الذاكرة حول الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830 - 1962)، تسببت قضية التأشيرات في تعكير العلاقات بين البلدين، بعد أن خفضت باريس بنسبة 50 في المئة عدد تلك الممنوحة للجزائر، مشيرة إلى عدم تعاون هذا البلد في استرجاع مواطنيه المطرودين من فرنسا.

وقال ماكرون إنه ناقش هذه المسألة خلال اللقاء مع تبون “مطولاً” وتم تكليف الوزراء بمتابعته بهدف محاربة الهجرة غير النظامية وفي الوقت نفسه تسهيل الإجراءات بالنسبة إلى “مزدوجي الجنسية والفنانين والمقاولين والسياسيين الذين يعززون العلاقات الثنائية”.

حالة ذهول تنتاب الوفد المرافق
حالة ذهول تنتاب الوفد المرافق

وتم الإعلان عن تشكيل لجنة مشتركة من المؤرخين الفرنسيين والجزائريين “للنظر معًا في هذه الفترة التاريخية” من بداية الاستعمار وحتى نهاية حرب الاستقلال “بدون محظورات”.

وانهالت الانتقادات الغاضبة على الرئيس الفرنسي من قبل الطبقة السياسية الفرنسية من اليسار إلى اليمين المتطرف، بعد إعلان تشكيل لجنة المؤرخين، ما يدل على أن الجروح لم تندمل في المجتمع الفرنسي.

وكتب زعيم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور على تويتر أن إيمانويل ماكرون قال في 2017 إن “الاستعمار هو أول جريمة ضد الإنسانية” و”في عام 2021 تساءل عن وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار”. ورأى أن “ضعف تعامل رئيس الجمهورية (مع الملف) يهين الذاكرة الجريحة”.

وأما النائب عن التجمع الوطني (يمين قومي) توماس ميناجيه فقد رأى أن “الرئيس خلد إلى النوم” بإعلانه عن اللجنة المشتركة، مؤكدا أنه على الجزائر الكف عن “استخدام الماضي حتى لا تقيم صداقة ودبلوماسية حقيقية”.

وفي الجزائر أيضًا لم تكن الزيارة محل إجماع، فقد كان العديد من الجزائريين ينتظرون اعتذارًا رسميًا من الرئيس الفرنسي عن الاستعمار وعن تصريحاته في خريف 2021 عندما شكك في وجود أمة جزائرية قبل الغزو الفرنسي في يونيو 1830.

وكتبت صحيفة “لوسوار دالجيري” الناطقة بالفرنسية في عددها السبت أن “التاريخ لا يمكن أن يكتب بالأكاذيب”. وأضافت “من أكبر الأكاذيب أن نقول إن الجزائر من صنع فرنسا؟ كنا ننتظر أن يمحو ماكرون هذه الكذبة الفاضحة خلال هذه الزيارة”.

ورأت أن ماكرون يفتقر إلى “الشجاعة من أجل الاعتراف بأخطائه وأخطاء بلاده”.

أما صحيفة الشروق فاعتبرت أن مبادرة ماكرون وتصريحاته ما هي سوى “خطوة إلى الوراء على طريق الذاكرة”، بما انه لم يقدم أي جديد بالمقارنة مع أسلافه.

6