زيارة بلينكن إلى أفريقيا لتعزيز مكافحة الإرهاب غير مجدية

أبوجا - أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جولة استمرت أسبوعا في أربع دول أفريقية بهدف تعزيز العلاقة بين الولايات المتحدة وأفريقيا، لكن مراقبين يعتقدون أن هذه العلاقة تتضاءل مقابل زيادة نفوذ الصين وروسيا.
وكانت دولة الرأس الأخضر محطة بلينكن الأولى، وهي جزيرة صغيرة في غرب أفريقيا، حيث قابل رئيس الوزراء أوليسيس كوريا إي سيلفا وجدد تأكيد تفاني الولايات المتحدة في تعميق تعاونها مع أفريقيا وتوسيعه. وواصل بلينكن رحلته الدبلوماسية نحو ساحل العاج ونيجيريا، واختتمها في أنغولا.
ووصف بلينكن في جولته الولايات المتحدة بالحليف الاقتصادي والأمني الحاسم لأفريقيا، خاصة في مرحلة التحديات الإقليمية والعالمية. لكن المحللين يقولون إن السياسة الخارجية الأميركية تجاه أفريقيا تشير إلى أن القارة لم تعد أولوية مقارنة بالقضايا الأخرى.
وتعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بدعم الديمقراطية في أفريقيا، وأعلن تأييده لمقعد دائم للاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين خلال قمة جمعت قادة الولايات المتحدة وأفريقيا في واشنطن خلال نوفمبر 2022. كما وعد بايدن بزيارة القارة، لكن هذا لم يتحقق لأن واشنطن كانت مشغولة بمجموعة من التحديات العالمية، مثل الحرب في غزة والحرب الروسية – الأوكرانية.
ورد بلينكن على أسئلة حول زيارة بايدن التي لم تحدث خلال مقابلة في نيجيريا، ودافع عن الرئيس قائلا إن “الأمر عكس ذلك تماما. يريد الرئيس بشدة أن يأتي إلى أفريقيا. وزار القارة 17 مسؤولا على مستوى مجلس الوزراء أو على مستوى الإدارات منذ قمة قادة أفريقيا".
تعهد وزير الخارجية أنتوني بلينكن في أبيدجان بتقديم 45 مليون دولار لتعزيز الأمن على طول ساحل غرب أفريقيا. ويوسع هذا الالتزام تمويل برنامج مستمر في المنطقة، ليصل المجموع إلى 300 مليون دولار. ومدح بلينكن الجيش الإيفواري لجهوده في مكافحة التمرد والجماعات المسلحة، معترفا بصعوبة موقع المنطقة الواقعة بين مالي وبوركينا فاسو والنقاط العنيفة الساخنة في منطقة الساحل.
تحولات
جاء في تقرير نشرته خدمة إنتر برس، أن الولايات المتحدة بذلت لأكثر من عقدين جهودا متواصلة لتعزيز الأمن والديمقراطية، وخاصة في منطقة الساحل. لكن الإرهاب لا يزال مستمرا رغم هذه الاستثمارات. وتشهد المنطقة انقلابات متكررة، تشكل تهديدا مستمرا لاستقرار القارة. وشهد العام الماضي، اقتلاع ضباط عسكريين ساخطين دربتهم الولايات المتحدة رئيس جمهورية النيجر محمد بازوم (وهو حليف مهم لواشنطن) من السلطة.
ووجه هذا الانقلاب ضربة كبيرة للديمقراطية المتنامية في النيجر، حيث صعد الرئيس بازوم إلى السلطة نتيجة لأول انتخابات ديمقراطية في البلاد. ومثّل ذلك انتكاسة للمساعي الأميركية الطويلة الأمد لتعزيز الديمقراطية في منطقة الساحل. وبرر مدبرو الانقلاب تحركهم في مواجهتهم للضغوط الدولية، مدعين عجز الرئيس بازوم عن التصدي الفعال لخطر التمرد في البلاد، على الرغم من الاستثمارات الكبيرة التي قدّمتها الولايات المتحدة على مستوى الأمن الإقليمي.
وخصصت الولايات المتحدة منذ 2012، أكثر من 500 مليون دولار من المساعدات الأمنية للنيجر، مما يجعلها المتلقي الرئيسي للمساعدات العسكرية الأميركية في غرب أفريقيا وثاني أعلى متلق في أفريقيا جنوب الصحراء. وتنشر الولايات المتحدة قوات على الأرض، وتدير قاعدة للطائرات دون طيار في أفريقيا جنوب الصحراء، وهي منشأة بقيمة 100 مليون دولار في أغاديز.
◙ الخبراء يُرجعون التمرد في أفريقيا جنوب الصحراء إلى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على ليبيا وتسبب في انتشار الأسلحة والجماعات العنيفة
ورغم هذه التطورات، أدت عمليات مكافحة التمرد التي يمولها دافعو الضرائب، إلى ظهور جماعات منشقة مرتبطة بالتشدد الجهادي، مما تسبب في ضائقة في القرى والبلدات. ويُرجع الخبراء التمرد في أفريقيا جنوب الصحراء إلى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لليبيا، حيث لم يحقق الاستقرار في البلاد وتسبب في انتشار الأسلحة والجماعات العنيفة في جميع أنحاء المنطقة حين فر المقاتلون الأجانب، وخاصة المتمردون الطوارق الموالون للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، من البلاد بعد مقتله.
ويشير تقرير صدر مؤخرا، عن مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية، وهو مؤسسة بحثية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية، إلى أن منطقة الساحل شهدت أكبر زيادة في أحداث العنف المرتبطة بالإسلاميين المتشددين، خلال العام الماضي مقارنة بأي منطقة أخرى في أفريقيا، حيث سجّلت 2737 حادثا عنيفا. ويشير التقرير إلى ارتفاع الهجمات المرتبطة بالجماعات الإسلامية المتشددة في منطقة الساحل بنسبة 3500 في المئة منذ 2016. وقالت زينب دابو، المحللة السياسية المقيمة في نيجيريا،”لو لم تزعزع الولايات المتحدة استقرار ليبيا، لما كانت نيجيريا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو في حالة من الفوضى”.
وأضافت “مع استيلاء الجيش على السلطة في غرب أفريقيا، وانعدام الثقة العام في الغرب، جاء بلينكن لتقديم حزمة لا تقاوم من الوعود في محاولة لإبقاء بلاده مهمة في المشهد، خاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث توسّع روسيا نفوذها”.
ويشكل نفوذ روسيا المتوسع في أفريقيا سببا للقلق في الولايات المتحدة. واشتد التنافس بين البلدين بشكل كبير بعد غزو روسيا لأوكرانيا في 2022. وبررت روسيا تحركاتها، مشيرة إلى توسع الناتو بقيادة الولايات المتحدة في أوكرانيا، وهو ما اعتبرته تهديدا. وعلى الرغم من امتناع الولايات المتحدة عن التدخل المباشر في الصراع، إلا أنها قدمت مساعدات مالية وعسكرية كبيرة لأوكرانيا.
وتتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا في أفريقيا في نفس الوقت. ويبرز هذا بينما يتخلى مدبرو الانقلاب، الذين خضع العديد منهم لتدريب عسكري في الولايات المتحدة، عن الغرب للحصول على الدعم العسكري من مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة المدعومة من روسيا في جهودهم لمكافحة الإرهاب. كما تسعى روسيا لكسب النفوذ في أفريقيا وتحدي هيمنة الدولار من خلال مجموعة البريكس.
صراع نفوذ
بينما تفكر إدارة بايدن في تصنيف مجموعة فاغنر الروسية منظمة إرهابية بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان، كانت الولايات المتحدة نفسها تتجنب أفعالها السيئة في أفريقيا دائما. وشهدت الشراكات العسكرية الأميركية في القارة انتهاكات لحقوق الإنسان، مما عزز انعدام الثقة في النفوذ الغربي. وفي نيجيريا التي وعد فيها بلينكن بدعم تحسين الأمن، ضربت غارة جوية أميركية نيجيرية خلال 2017 مخيما للاجئين في ران، قرب الحدود الكاميرونية، مسفرة عن مقتل 115 شخصا على الأقل. ولم يحاسب أحد على المجزرة حتى اليوم، ولم ينل الضحايا العدالة.
وشنّ الجيش الأميركي العديد من الغارات الجوية ضد حركة الشباب الإسلامية الجهادية في الصومال لأكثر من عقد. وكانت الخسائر في صفوف المدنيين حتمية، وبلا أمل في تحقيق العدالة. وانتقدت منظمة العفو الدولية في 2020، القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) لقتلها امرأة وطفلا في غارة جوية في الصومال. وعلى الرغم من اتصال عائلات ضحايا هذه الغارة بالبعثة الأميركية في الصومال، أكّدت منظمة العفو الدولية أن الموظفين الدبلوماسيين الأميركيين وأفريكوم لم يتواصلوا معهم لتقديم تعويضات.
◙ الولايات المتحدة عليها تجاوز مجرد الدعوة إلى الديمقراطية، وأن تواكب جهود الصين وروسيا من خلال نشر الموارد المالية والتنموية
يرى فرانك تيتي، وهو محام وناشط في مجال حقوق الإنسان في أبوجا بنيجيريا، أن زيارة بلينكن تتزامن مع فترة يعتبر فيها نفوذ الولايات المتحدة في أدنى مستوياته في خضم التدافع الأخير على أفريقيا. وأكد تيتي أن على الولايات المتحدة تجاوز مجرد الدعوة إلى الديمقراطية، وأن تواكب جهود الصين وروسيا من خلال نشر الموارد المالية والتنموية.
وشهد الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في أفريقيا زيادة كبيرة منذ 2003، حيث ارتفع من 74.8 مليون دولار في 2003 إلى 5.4 مليار دولار في 2018. وعلى الرغم من انخفاضه إلى 2.7 مليار دولار في 2019، إلا أن الاتجاه انعكس على الرغم من التحديات التي فرضتها جائحة كوفيد – 19، قبل عودته إلى 4.2 مليار دولار في 2020. لكن المخاوف تنتشر بشأن استثمارات الصين في البنية التحتية وأكثرمن 170 مليار دولار من القروض في أفريقيا. وتعتبر هذه التحركات استغلالية لتوقعها الموارد الطبيعية في المقابل.
وأشاد بلينكن خلال اجتماع مع الرئيس الأنغولي جواولورينسو، بالتقدم المحرز في أحد أهم استثمارات الولايات المتحدة في أفريقيا. ويكمن في بناء ممر لوبيتو، وهو خط سكة حديد حيوي لصادرات المعادن من حزام النحاس في وسط أفريقيا. لكن هذه التطورات غير كافية بالنسبة لتيتي الذي يرى عزم الولايات المتحدة على احتواء نفوذ روسيا والصين في أفريقيا.