زيارة الفصائل الفلسطينية إلى القاهرة تتحول إلى طقس سياسي بارد

الدعوات التي تلقاها قادة الفصائل الفلسطينية للذهاب إلى القاهرة بهدف التشاور حول التصعيد الفلسطيني لم تعد ذات أهمية فلسطينيا وإقليميا. الجميع صار يعرف أنها لقاءات لتسجيل الحضور، فقط لأن مصر تريد أن تمنع أي تصعيد غير محسوب قد يؤثر على تعهداتها في مجال السلام.
القاهرة - تحولت زيارات الفصائل الفلسطينية إلى القاهرة إلى طقس سياسي بارد، لا أحد يتوقع منها الخروج بنتائج يمكن أن تغير المشهد الفلسطيني أو تجذب الانتباه إليها، وصارت الزيارات ترتبط بحدوث تصعيد في الأراضي المحتلة مطلوب التفكير في آلية للتعامل معه لتوفير أعلى درجة من ضبط النفس، ومن ثم لم يعد ملفا المصالحة وإنهاء الانقسام بين الفصائل مطروحين بحيوية، إذ ظهرت ملفات تمثل تحديا كبيرا.
وما أن وجهت مصر دعوة لحركتي الجهاد الإسلامي وحماس لزيارتها والتباحث حول التصعيد الإسرائيلي الأخير في الأراضي المحتلة حتى داهم الشارع الفلسطيني تطوران مهمان يؤكدان عمق التغيرات في المنطقة وأن التحولات الإقليمية تسير بوتيرة لا تصلح الطريقة الفلسطينية التقليدية في التعامل معها.
قام رئيس تشاد بزيارة إلى إسرائيل وافتتح سفارة لبلاده في تل أبيب، وزار وزير خارجية إسرائيل السودان وفتحت لقاءاته مع كبار المسؤولين في الخرطوم الباب أمام التطبيع.
أدانت حركات حماس والجهاد والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في بيانات منفصلة، الجمعة، إعلان الخرطوم التوجه نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لأنهم لا يملكون سوى هذه الوسيلة بعد أن أسهمت خلافاتهم بدور سلبي في تشتيت الجهود الداعمة لقضيتهم، ما يقلل من أهمية اللقاءات المنتظرة في القاهرة، لأن القضايا المطلوب التفاهم حولها تشعبت من التصعيد الإسرائيلي المعتاد إلى تسارع خطوات التطبيع مع إسرائيل، وبينهما التسخين مع إيران وما يحمله من تداعيات على الساحة الفلسطينية.
لم تعد زيارات الفصائل الفلسطينية إلى القاهرة تحظى باهتمام كبير لأن نتيجتها تكاد تكون معروفة وبياناتها متشابهة
وذكر المتحدث باسم حركة الجهاد داود شهاب، الجمعة، أن زيارة وفد الحركة إلى القاهرة غير مرتبط بشكل أساسي بالتطورات الأمنية الجارية في الساحة الفلسطينية، وأن الوفد الذي يرأسه زياد النخالة سيلتقي عددا من المسؤولين المصريين، على رأسهم رئيس جهاز المخابرات اللواء عباس كامل وسيناقش قضايا مختلفة ويبحث التطورات الجارية معهم، في رسالة تدل على ديناميكية الحركة في التعامل مع المعطيات.
وأكد المتحدث باسم حركة حماس حازم قاسم إن زيارة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية والوفد المرافق له تهدف إلى وضع مصر “في صورة العدوان الإسرائيلي المستمر على المقدّسات الإسلامية والمسيحية والجرائم في الضفة الغربية”.
وقال قاسم إن الزيارة “تأتي في إطار التواصل المستمر بين الحركة والقاهرة لبحث القضايا ذات الاهتمام المشترك”.
ويشير التباين النسبي السابق إلى أن اهتمامات حماس لا تزال منصبة على استمرار سيطرتها على مفاتيح الحل والعقد في غزة، ويوحي خطاب الجهاد باتساع مروحته السياسية، وأن الحركة رقم مهم في بعض المعادلات الإقليمية يفوق أهمية حماس بسبب التقاطعات الخارجية الكبيرة للجهاد مع إيران مقارنة بحماس.
وتعتقد مصر في أهمية الحركة السياسية لوقف التصعيد على الساحة الفلسطينية خوفا من تبعاته على منطقة تئن من الصراعات، وتحولت إلى بؤرة قابلة للانفجار في أيّ لحظة بعد صعود اليمين المتطرف وتبني ممارسات استفزازية في الأراضي المحتلة.
وكانت أهمية التحركات المصرية في مثل هذه المواقف تأتي من قدرتها على العودة إلى الهدوء والحد من فرص الحرب عبر تقريب المسافات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والتوصل إلى صيغة وسط تحقق لكل طرف الحد الأدنى من أهدافه.
وبدأت هذه المعادلة تتغير، ولم تعد زيارات الفصائل الفلسطينية تحظى باهتمام كبير من الدوائر السياسية المراقبة، لأن نتيجتها تكاد تكون معروفة (صفر)، والبيانات الصادرة عن الاجتماعات الثنائية والجماعية تتشابه في نمطيتها.
وأصبح الكثير من القوى الفلسطينية ومصر التي درجت على جمع الفصائل من حين إلى آخر والمجتمعين العربي والدولي، على يقين من أن حديث المصالحة فقد بريقه ولم يعد ذا بال أو يحظى بأولوية مع التطورات المتسارعة، إذ تجاوزته الأحداث لأن كل الأطراف الفلسطينية أظهرت تشددا في انتماءاتها الحركية على توجهاتها الوطنية.
وأدى الوصول إلى هذه الحالة أن يكون التباحث حول التفاهم بين الفصائل مسألة غاية في الصعوبة، فالحركات التي تذهب وتجيء إلى القاهرة لا تستطيع حل إشكالياتها الداخلية ولن تتمكن من تسوية خلافاتها مع الآخر سواء أكان فلسطينيا أو إسرائيليا.
وتفرض التطورات الإقليمية الخاصة بملفي التطبيع وآليات التعامل مع إيران نفسها على زيارة وفدي حماس والجهاد للقاهرة هذه المرة، ففكرة لجم التصعيد ومنع إطلاق الصواريخ وعدم الانجرار وراء تحركات الحكومة اليمينية حاضرة على الطاولة.
وتتمسك القاهرة بالورقة الفلسطينية حفاظا على مصالحها الإستراتيجية، فأيّ تصعيد يمكن أن يجرّ عليها متاعب تحتاج جهودا مضنية لوقفها، ورغبة في تنبيه القوى الفلسطينية لما يجري في المنطقة، فظهور قضايا على يمين القضية الأم ويسارها يحد من قدرة الفصائل على التعامل معها وقياداتها تحكمها هذه الحالة المزرية.
وقال الباحث في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية أحمد فؤاد أنور إن حضور وفد الجهاد هذه المرة له علاقة بإيران التي زادت إسرائيل من استهدافها، وخطابها لا يخلو من رغبة لتوجيه ضربة موجعة لها قد تؤدي إلى جر الأذرع التابعة لطهران في المنطقة للتضامن معها، في مقدمتها حركة الجهاد التي تملك مخزونا تسليحيا يمكن أن يمثل رصيدا لإيران إذا توسعت أطر المواجهة.
ولفت أنور في تصريح لـ”العرب” إلى أن القاهرة تريد الاطلاع على موقف الحركة إذا تطورت الأمور في اتجاه الحرب، والتأكيد على عدم سحب غزة لهذا المستنقع وتفويت الفرصة على إسرائيل لتدمير البنية الأساسية في القطاع، ما يفضي إلى نتائج سلبية على مصر بحكم الجغرافيا السياسية التي تمثلها غزة لها.
وأوضح أن اللقاءات مع حماس ستتطرق إلى هذا المحدد الخطير، فلا شيء يمكن أن يقال حول المصالحة الفلسطينية أو وقف التصعيد في هذه الأجواء، لكن القاهرة تخشى حدوث انفلات يخلط الأوراق، وعلى حماس التي تهيمن على غزة مراعاة أن الأوضاع على وشك الانفجار وألا تمنح الحكومة اليمينية المتطرفة ذريعة تجعلها تتمادى في انتهاكاتها أو توسع ضرباتها.
لذلك فحوارات الفصائل الفلسطينية في القاهرة أو غيرها حول المصالحة والانتخابات والاستعداد للسلام تحولت إلى عناوين ماضوية أشبه بطبخة منزوعة الدسم لا أحد يسعى لتذوق طعمها مع وجود عمليات موازية تؤثر على مصير القضية الفلسطينية.