زيادة في الإصابات الجديدة بالسل على مستوى العالم

خبراء ألمان يوضحون فرص القضاء على المرض.
الخميس 2023/03/23
دون لقاح لن تمم السيطرة على المرض

يؤكد خبراء الصحة في ألمانيا تزايد عدد الإصابات بمرض السل على مستوى العالم، ويشيرون إلى أن حالة المريض تصبح سيئة بشكل خاص إذا جمع بين السل والإصابة بفايروس نقص المناعة البشرية المسبب لمرض الإيدز. ويرى الخبراء أنه من دون لقاح لن يتم التمكن من السيطرة على المرض، رغم كثرة استخدام لقاح "بي سي جي" المستعمل منذ عشرينات القرن الماضي. ويتم في الوقت الحالي تجريب لقاحات أخرى.

برلين - يوافق غدا الجمعة اليوم العالمي لمكافحة مرض السل. ومن الملاحظ أن هناك زيادة في الإصابات الجديدة بالسل على مستوى العالم. وقد بلغ عدد الأشخاص الذين يموتون سنويا جراء الإصابة بهذه العدوى البكتيرية نحو 1.5 مليون شخص. ورغم ندرة المرض في ألمانيا، فإن خبراء ألمان يرون أن هناك حاجة ماسة إلى إيجاد لقاح فعال، مشيرين إلى أن هناك العديد من المستحضرات التي يجري تجريبها لهذا الغرض.

وكان معهد روبرت كوخ في ألمانيا سجل في العام الماضي 4076 حالة إصابة بالمرض، وهو ما يعادل 4.9 حالة إصابة جديدة لكل 100 ألف نسمة، مقابل 4.7 حالة في عام 2021، ووصل عدد وفيات مرض السل في 2022 إلى 116 حالة.

من جانبه، يقول كريستوف لانجه المدير الطبي في مركز بورستل البحثي بألمانيا “لا يوجد مرض آخر يعكس الظروف الاجتماعية بمثل هذا القدر القوي”، ويتضح ذلك من خلال نظرة إلى منطقة البلطيق في الماضي القريب، إذ وصل معدل الإصابة في إستونيا في عام 2000 (قبل فترة قصيرة من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004) إلى 65 حالة إصابة جديدة لكل 100 ألف نسمة، وفي عام 2021 وصل إلى 9 حالات، وفي ليتوانيا انخفض المعدل في نفس الفترة الزمنية من 95 إلى 16 حالة، ووصل التراجع في الدولتين إلى أكثر من 80 في المئة.

◙ منظمة الصحة تستهدف تخفيض معدل الإصابة بالسل في عام 2035 بنسبة 90 في المئة مقارنة بعام 2015

ووصل المعدل في مجمل المنطقة الاقتصادية الأوروبية، التي تشمل الاتحاد الأوروبي إلى جانب ليشتنشتاين والنرويج وإيسلندا، إلى أقل من 10 لكل 100 ألف نسمة في عام 2019، ويرى لانجه أنه “إذا استمر هذا الاتجاه فسيتم القضاء على مرض السل في المنطقة الاقتصادية الأوروبية إلى حد بعيد بحلول عام 2040”.

ويقول الطبيب رالف أوتو – كناب من اللجنة المركزية الألمانية لمكافحة السل في برلين إن “مرض السل يعتبر المرض المعدي البكتيري صاحب أكبر عدد من حالات الوفيات على مستوى العالم”، مشيرا إلى أن نحو 1.6 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم توفوا بالسل في عام 2021، وهو عدد يتجاوز ما سُجل في السنوات الماضية.

وكانت منظمة الصحة العالمية أعلنت أنها تستهدف تخفيض معدل الإصابة بالسل في عام 2035 بنسبة 90 في المئة مقارنة بعام 2015، وتخفيض معدل الوفيات بنسبة 95 في المئة. غير أن عبء المرض عالميا ازداد مؤخرا. ووفقا لبيانات المنظمة وصل المعدل العالمي في عام 2021 إلى 134 حالة إصابة لكل 100 ألف نسمة بما يعادل 10.6 مليون حالة. ووصل معدل الإصابة في أفريقيا في عام 2021 إلى 212 حالة وفي شرق آسيا إلى 234 حالة.

وتصبح حالة المريض سيئة بشكل خاص إذا جمع بين السل والإصابة بفايروس نقص المناعة البشرية “إتش آي في” المسبب لمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، وهذا ما يحدث في أفريقيا مع نحو 20 في المئة من الـ2.5 مليون شخص المصابين بالسل هناك. وهذا هو سبب أن علاج فايروس “إتش آي في” تحديدا هو الذي يساعد في مكافحة السل، ويقول لانجه إن نسبة مرضى فايروس “إتش آي في” المصابين بالسل على مستوى العالم انخفضت بمقدار يزيد عن الثلثين بعد أن أصبحت علاجات فايروس “إتش آي في” المضادة للفايروسات القهقرية متاحة في الدول الفقيرة “وكان هذا هو الإجراء الأكثر فاعلية في السيطرة على مرض السل في السنوات العشر الأخيرة”.

ويقول أوتو – كناب إن “العلاج يستغرق فترة طويلة للغاية. ويتوقف عدد كبير جدا من المرضى عن تناول الأدوية عندما يشعرون بتحسن”، ورأى أن هذا الأمر قد يكون مفهوما في ضوء الآثار الجانبية التي تتسم بالخطورة في الغالب. غير أنه حذر من أن التوقف عن تناول الأدوية لا يمنع الشفاء فحسب بل يهيئ لظهور مسببات مرض مقاومة لا تفلح معها بعض الأدوية.

وذكر أن القضاء على مسببات المرض المقاومة للأدوية تستغرق ما بين 18 و24 شهرا. ويساور الخبراء قلق بسبب التطور السريع لمسببات المرض المقاومة للأدوية، وتشير تقديرات إلى أن عدد الأشخاص الذين يحملون هذا النوع من مسببات المرض يبلغ 450 ألف شخص على مستوى العالم، ويوضح لانجه أن 300 ألف شخص من هؤلاء لم يتم علاجهم.

ويؤكد لانجه في ضوء الوضع العالمي أنه “من دون لقاح لن نتمكن من السيطرة على الموقف”، ويرى أنه على الرغم من كثرة استخدام لقاح “بي سي جي” المستخدم منذ العشرينات في مناطق الخطر فإن الحماية التطعيمية محدودة. ويتم في الوقت الحالي تجريب لقاحات أخرى ومنها مستحضر “في بي أم 1002” الذي يحتوي على بكتيريا “بي إس جي” تم إضعافها وتعديلها وراثيا بحيث يمكن لجهاز المناعة أن يتعرف عليها بشكل أفضل.

◙ على الرغم من كثرة استخدام لقاح "بي سي جي" المستخدم منذ العشرينات في مناطق الخطر فإن الحماية التطعيمية محدودة

وهناك ثلاث دراسات سريرية تختبر حاليا مدى جودة الحماية التي يوفرها اللقاح فعليا في سيناريوهات مختلفة. وتختبر إحدى هذه الدراسات في خمس دول أفريقية جنوب منطقة الصحراء الكبرى مدى جودة الحماية التي يوفرها اللقاح للأطفال حديثي الولادة الذين تزيد أعمارهم عن ثلاثة أعوام، مقارنة بمستحضر “بي سي جي”. بينما يتم إجراء الدراستين الأخريين في الهند حيث يعيش أكثر من 25 في المئة من كل مرضى السل في العالم. وتهدف الهند إلى القضاء على السل بحلول عام 2025.

وتقارن إحدى الدراستين مستحضر “في بي أم 1002” مع مستحضر جديد بمشاركة 12 ألف شخص يعيشون في منازلهم مع مصابين بالسل ومن ثم فإنهم عرضة لخطر العدوى. وأخذ جزء منهم لقاح “في بي أم 1002”، فيما أخذ جزء آخر لقاح “إيموفاك ـ أم آي بي” الذي طورته شركة هندية، بينما بقي جزء ثالث دون أخذ تطعيم. ومن المتوقع ظهور النتائج في نهاية هذا العام أو بداية العام المقبل. وتجرب الدراسة الأخرى لقاح “في بي أم 1002” على 2000 شخص كان قد سبق علاجهم من السل بنجاح حيث تختبر الدراسة ما إذا كان من الممكن للقاح أن يمنع حدوث انتكاسة عند هؤلاء.

وفي السياق ذاته تقوم شركة بيونتيك الألمانية بأبحاث لإنتاج لقاح مضاد للسل. ومن المنتظر أن تبدأ دراسة سريرية في ألمانيا ستختبر فيها في البداية سلامة مستحضر "بي تي إن 164" الذي يعمل بالحمض الريبوزي وجرعته المثلى على نحو 100 شخص، وستظهر نتائج الدراسة في نهاية 2025. ورغم الإفادة التي يوفرها تقدم الطب في مكافحة السل، فإن أخصائي المناعة الألماني شتيفان كاوفمان يرى أن تحسن الظروف المعيشية ربما كان أكثر أهمية، وقال “القضايا الاجتماعية في غاية الأهمية لكن حلها قد يكون أصعب من حل القضايا الطبية”.

15