زوبعة تهز الأوساط الطبية: لا أضرار من اللحوم الحمراء

باحثون يسعون إلى تطوير التوصيات الغذائية النابعة في نظرهم عن "التيّار القديم" الذي يعتبر أن كلّ خفض للحوم، مهما كان ضئيلا وغير مؤكد، يعود بالنفع على المجتمع.
الأربعاء 2019/10/02
لا حرمان من أكل اللحوم الحمراء بعد اليوم

جددت مجموعة من الباحثين الخلافات حول فوائد اللحوم الحمراء ومضارّها، مقدمين إرشادات جديدة تقوّض ما ذهبت إليه الدراسات السابقة الداعية إلى الحد من أكل اللحوم لأنها تسبب الإصابة بالسرطان والأمراض القلبية.

أوتاوا- توصي العديد من الدول بالحدّ من استهلاك اللحوم الحمراء ومشتقاتها للوقاية من السرطان وأمراض القلب. لكن، خلصت العشرات من الدراسات التي أجراها باحثون مستقلّون إلى أن احتمال الإصابة بهذه الأمراض منخفض، وتبقى الأدلة التي تربط هذه الأغذية بالمشاكل الصحية غير مؤكدة. وخلق هذا التضارب زوبعة في الأوساط العلمية.

في إرشادات جديدة، نصحت لجنة تتكون من باحثين ينتمون إلى 7 دول “الراشدين بمواصلة استهلاك اللحوم الحمراء دون تغيير الكمية التي يعتمدونها حاليا”، وتتراوح هذه الكمية من 3 إلى 4 وجبات أسبوعيا في أميركا وأوروبا. واعتمدت نفس الإرشادات في ما يتعلق باستهلاك مشتقات اللحوم الحمراء. ونشرت هذه التوصيات الاثنين في مجلة “حوليات الطب الباطني”، التابعة لكلية الأطباء الأميركية.

عملت المجموعة على إعادة تحليل الدراسات المتعلّقة باللحوم الحمراء ومشتقاتها. وتعتقد أنها تظهر مضرّة في تقليل استهلاك اللحوم الحمراء التي يمكن أن تخفض من معدلات وفيات السرطان بـ7 لكل ألف شخص، رغم أنه يعتبر انخفاضا بسيطا. بالإضافة إلى ذلك، يرى الباحثون أن الأدلة التي تربط هذه اللحوم بأمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري قليلة.

ووصف الباحثون درجة اليقين بـ“الضعيفة” وحتّى “الضعيفة جدّا” في ما يخصّ الرابط بين اللحوم وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري.

وقال الطبيب برادلي جونستون الأستاذ المحاضر في علم الأوبئة في جامعة دالهاوسي الكندية ومدير مجموعة “نوتريريكس” التي صاغت هذه الإرشادات “تنخفض مخاطر الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والسكري قليلا، لكن الأدلة غير مؤكدة. قد يقف استهلاك اللحوم وراء تقليل المخاطر، ولكنّ الأمر يبقى مجرد احتمال”.

ويسعى الباحثون من خلال هذا التحليل الجديد إلى تطوير التوصيات الغذائية النابعة في نظرهم عن “التيّار القديم” الذي يعتبر أن كلّ خفض، مهما كان ضئيلا وغير مؤكد، يعود بالنفع على المجتمع، بغضّ النظر عن المذاقات الشخصية.

وأضاف جونستون “يمكن للناس أن يقرروا تخفيض استهلاكهم لهذه اللحوم أو الحدّ منه كيفما شاؤوا.. لكن توصيتنا تشير إلى أنّ مواصلة الاستهلاك تبقى أفضل خيار، نظرا إلى انخفاض المخاطر المسجلة بسبب الاستهلاك وعدم وجود أدلة قاطعة تربطه بالأمراض”.

استنكر البعض التوجيهات المذكورة التي شدّد عليها جونستون باعتبارها غير مسؤولة، ولم يكن خبراء الصحة العامة ومنظمات مكافحة السرطان راضين عن الادعاءات التي نشرت في المجلة الاثنين. لم تشكك هذه المجموعات في طبيعة النتائج الإحصائية، ولكنّها عارضت الاستنتاجات التي خلصت إليها المجموعة المسيرة للبحث: على الرغم من أن نسبة الحد من المخاطر منخفضة، يعتبر التأثير ملموسا على مستوى السكان.

لجنة تتكون من باحثين ينصحون "الراشدين بمواصلة استهلاك اللحوم الحمراء دون تغيير الكمية التي يعتمدونها حاليا"، وتتراوح هذه الكمية من 3 إلى 4 وجبات أسبوعيا في أميركا وأوروبا

وأشار الصندوق العالمي للأبحاث المرتبطة بالسرطان إلى أنه لن يغيّر تعليماته. وقالت المديرة الإستراتيجية لعلم وبائيات التغذية في جمعية السرطان الأميركية، مارجي ماكولوغ، إن الأمر يشبه التعليمات التي توصي بارتداء الخوذة عند امتطاء الدراجة. يعشق بعض الراكبين الإحساس الذي ينتج عن تطاير شعرهم في مهب الريح عند ركوب الدراجات، ولكن “يتفق الجميع على ضرورة ارتداء الخوذة، لأن التوصيات تعتمد على تأثيرها على جميع السكان”.

يتحدّى الخبراء التابعون لكلية الصحة العامة في جامعة هارفارد واضعي المبادئ التوجيهية الجديدة الذين ادعوا أن الأدلة الموجودة قليلة. تقوم معظم الدراسات الغذائية على المراقبة، فهي تتابع الأفراد وتسجّل ما يستهلكونه. في حين لن تجد هذه الطريقة رابطا سببيا بين استهلاك اللحوم الحمراء والأمراض، مقارنة بما يسمّى الدراسات “العشوائية”، إلا أنها الأفضل في هذا المجال.

إذا طبّق نفس النهج على استهلاك الفواكه والخضروات أو النشاط البدني أو التلوث، لن تدعم أيّ من التوجيهات التي تشدد على أهمية هذه العناصر بأدلة قوية. لذلك توصي مجموعة الصحة العامة الفرنسية بتخفيض استهلاك مشتقات اللحوم إلى 150 غراما في الأسبوع واللحوم إلى 500 غرام (دون احتساب لحوم الدواجن).

تصنّف الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية اللحوم الحمراء على أنها “مسرطنة بشرية محتملة” ومشتقاتها ضمن الأغذية “المسرطنة”.

بالنسبة إلى المخهتصّ في عالم الأوبئة، جون إيانيديس، وهو أستاذ بجامعة ستانفورد وناقد بارز لعدد من الدراسات الغذائية “حولت الطريقة، التي اعتمدها علماء الأوبئة للترويج لوجود الأطعمة المفيدة والمضرة لسنوات، اهتمامنا عن رسائل أبسط وأكثر أهمية، مثل الحاجة إلى تناول الطعام باعتدال وتجنّب تكديس الوزن الزائد في الجسم”. وقال “يجب أن نكون أكثر صراحة عندما تكون جودة الأدلة ضعيفة”.

24