زهرة الياسمين في شبرا بلولة المصرية مهددة بالذبول

تجارة الياسمين تضررت بسبب الاضطرابات المرتبطة بجائحة كورونا والحرب في أوكرانيا والتغييرات المناخية.
الأربعاء 2022/08/31
هل تصبح القرية بلا رائحة

شبرا بلولة (مصر) - تفوح رائحة الياسمين في أجواء قرية شبرا بلولة على دلتا النيل في مصر، والتي تعد إلى جانب الهند أكبر منتجي هذه الزهرة العطرة في العالم.

وتشكل الزهرة الفواحة النشاط الاقتصادي الرئيسي للقرية ومصدر دخلها، ويعمل بها معظم السكان البالغ عددهم حوالي 15 ألف نسمة خلال موسم الحصاد بين يونيو وسبتمبر.

وتتميز زهرة الياسمين برائحتها القوية والنفاذة التي تفوح بعد غروب الشمس، خاصة في الأيام التي يوشك فيها القمر على الاكتمال، وتزهر شجرة الياسمين في الصيف أو الربيع بعد ستة أشهر من زراعتها، ويدخل الياسمين في العديد من التركيبات الدوائية لعلاج العديد من الأمراض، كأمراض الكبد وآلام البطن، كما يستخدم لصنع أدوية مهدئة وفي علاج السرطان.

وفي حقول على تخوم القرية، يسير العمال بمحاذاة صفوف من الأشجار خلال الليل البارد نسبيا قبل شروق الشمس على ضوء كشافات الرأس لقطف الزهور وجمعها في سلال.

◙ زهرة الياسمين تتميز برائحتها القوية والنفاذة التي تفوح بعد غروب الشمس، خاصة في الأيام التي يوشك فيها القمر على الاكتمال

وتقول إيمان مهنّا، المزارعة المصرية الشابة التي تحمل مصباحاً على رأسها وتبدأ في جمع زهور الياسمين التي تفوح رائحتها على بعد كيلومترات "نحن نجمع الياسمين منذ الطفولة، ويبدأ الجني من منتصف الليل وحتى الثامنة أو التاسعة من صباح اليوم التالي (..) حسب الرزق". ويمتد موسم الياسمين من شهر يونيو حتى نوفمبر.

وتوضح مهنّا بعد أن استبدلت المصباح بقبعة لحمايتها من أشعة شمس الصباح "جمع الياسمين مهمة تحتاج إلى تركيز شديد. نجمع الزهور المتفتحة 'النوارة'. أما المغلقة أو 'البلح'، فتترك لليوم التالي".

وتجري معالجة الأزهار في مكان قريب لاستخراج زيت عطري مُركز يمكن تصديره إلى أوروبا وأماكن أخرى لاستخدامه في العطور. ويقول عاطف بدر المهندس بمصنع "فخري للزيوت العطرية" إن أهالي القرية يعمل أغلبهم بزراعة الياسمين وجمعه واستخلاص الزيت منه، وتقوم شركات متخصصة بتصديره إلى فرنسا ودول أوروبا لاستخدامه في تصنيع العطور.

ويضيف أن سر ارتباط القرية بزراعة وتصنيع الياسمين بدأ قبل قرن من الزمان، عندما قام أحد كبار ملاك الأراضي باستيراد زهرة الياسمين من فرنسا لزراعتها بمصر، واكتشف أن أراضي القرية هي الأنسب والأجود وتتوفر فيها كل الشروط اللازمة للزراعة، وبدأ بالفعل بزراعتها على مساحات شاسعة، ثم قام بإنشاء مصنع مع شريكة فرنسية تدعى سيسيل يوسف، ليتولى المصنع استخلاص عجينة الياسمين وتصديرها لفرنسا تحديدا، ومع مرور الوقت انتشرت هذه الزراعة بالقرية وزاد المحصول بوفرة كبيرة، واحتاج الأمر إلى مصنع جديد يستوعب المحصول الإضافي والزائد.

تجارة كاسدة
أنامل متخصصة في جني الوردة البيضاء 

لكنه استدرك قائلا إن تجارة الياسمين تضررت بسبب الاضطرابات المرتبطة بجائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، مما قلل الطلب وأضاف مزيدا من الأعباء على سلاسل الإمداد.

ويتم تصدير قرابة مئة في المئة من إنتاج مصر من الياسمين، إلا أن جائحة كورونا أثّرت سلبا على تصدير العجينة العطرية الذي تراجع إلى النصف تقريبا، وبالتالي انخفضت عمليات الشراء من المزارعين.

وقال عبده بدر وهو وسيط بين المزارعين والمصانع، إن درجات الحرارة المرتفعة هذا الصيف سلطت الضوء أيضا على الخطر المحتمل الناجم عن تغير المناخ على زهرة الياسمين الهشة، حيث يجب قطفها قبل شروق الشمس لأن الياسمين يجف بسبب الحرارة.

يتم تصدير قرابة مئة في المئة من إنتاج مصر من الياسمين، إلا أن جائحة كورونا أثّرت سلبا على تصدير العجينة العطرية الذي تراجع إلى النصف تقريبا

وتزيد موجة الجفاف التي تزحف على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من المخاطر التي تهدد شجرة الياسمين المستهلكة للمياه، حيث يستهلك الفدان من الياسمين الذي يروى ثلاث مرات في الشهر ما بين 450 و500 متر مكعب من المياه في المرة الواحدة.

وتبلغ تكلفة زراعة هكتار (حوالي 2.5 فدان) الياسمين في السنة نحو 6500 دولار، بما في ذلك مصاريف الحصاد، ما يجعل المزارعين أقل المستفيدين من منتج تباع العطور المصنعة منه بأسعار مرتفعة جداً في كل أنحاء العالم.

وتقول وفاء التي تقطن بشبرا بلولة "لم أجمع الياسمين هذا العام.. عمري ستون عاماً، هل من العدل أن أقف أجمع ساعات تحت الشمس من أجل 20 أو 30 جنيها (حوالي دولارين)؟".

وتضيف "قف دقيقتين تحت الشمس فتعرف كم يساوي الجمع.. كل شيء مرتفع الثمن اليوم، ولا يبقى شيء للمزارع". ورغم ذلك، يجد المزارعون في جمع الياسمين، خصوصاً قبل شروق الشمس، متعة كبيرة، وتقول مهنّا "حلاوة الجني أننا نكون موجودين كلنا هنا ونأخذ في الحكي والسمر".

تجارة كاسدة رغم وفرة الإنتاج
تجارة كاسدة رغم وفرة الإنتاج

18