"زهرة النيل" جميلة تفتك بأنهار العراق

يعاني العراق من الجفاف ونقص المياه جراء بناء السدود في دول الجوار، وزادت نبتة زهرة النيل من حدة الأزمة بعد أن انتشرت في أنهار البلاد، وعجز المزارعون عن اقتلاع جذورها بمفردهم في غياب الدعم الحكومي، الأمر الذي أصبح يهدد مصدر رزقهم من الزراعة وصيد السمك.
البدعة (العراق) - للوهلة الأولى يمكن للمرء أن يُذهل بتلك الزهور الأرجوانية وأوراقها الخضراء الكبيرة الزاهية التي تطفو على سطح المياه، لكن بطول جذورها الغارقة عميقاً في نهر الفرات، تهدد “زهرة النيل” العراق، ولقبه المعروف منذ القدم باسم “بلاد الرافدين”.
وتعتبر زهرة النيل من أخطر النباتات ضررا على الإنسان وبيئته في العالم، حيث تمتص كل زهرة يوميا ما بين أربعة إلى خمسة لترات من الماء، ويمكنها أن تجفف موارد المياه في واحد من الدول الأكثر حرّا في العالم.
ولا توفر هذه الزهرة شيئا، من أهوار المياه المدرجة على لائحة التراث العالمي لليونسكو، إلى الأسماك والصيادين والمزارعين وحتى مياه الشرب. وفي زمن وباء كورونا، والحظر التام في العراق، لم يتبق الكثير من الأيدي العاملة لمحاولة وقف انتشارها.
وازدادت خطورة هذه النبتة السامة مع اتساع رقعة انتشارها في السنوات الأخيرة بشكل كبير، إذ تتكاثر في اليوم الواحد 11 مرة، الأمر الذي يتعذر معه استئصالها ومكافحتها، ما يؤدي إلى انتشارها الكثيف في مختلف المسطحات المائية؛ لذلك يؤكد جلاب الشريفي أن “الصيادين فقدوا مصادر رزقهم” في جنوب العراق الزراعي الذي يرزح تحت وطأة الجفاف المتزايد والسدود المبنية في تركيا وإيران المجاورتين.
سميت زهرة النيل لأنها تكثر فوق نهر النيل، وقد دخلت مصر في زمن محمد علي باشا، الذي أدخلها بوصفها نبات زينة، كونها تحمل زهرة جميلة بنفسجية اللون.
ولأن المظاهر خدّاعة فإن زهرة النيل الأنيقة التي تم إدخالها إلى العراق قبل نحو 20 عاما كنبات زينة، بعدما انتشرت في كل مكان في العالم تقريبا، تختنق تحتها كل حياة.وهذه النبتة التي تعود أصولها إلى أميركا الجنوبية أثرت سلبا على عدة أنظمة بيئية، من نيجيريا إلى سريلانكا مرورا بكينيا وجنوب غرب فرنسا أيضا.
وتشكل أوراق هذه النبتة، المدرجة منذ عام 2016 في قائمة المفوضية الأوروبية للنبات المجتاح الذي يجب السيطرة عليه، طبقة معتمة على سطح الماء، ما يقلل من كمية الأكسجين التي تصل إلى مختلف الأنواع التي تعيش في المياه، حتى اختفائها بالكامل.
ولا تتأثر الثروة السمكية فقط، ولا المياه التي تفقد كذلك معظم مكوناتها، وإنما أيضا الإنشاءات المحيطة التي تضعفها هذه الزهرة، إذ أن مئة متر مربع من زهرة النيل تزن أكثر من خمسة أطنان!
ففي قرية البدعة يبدو الجسر الممتد على نهر الفرات وكأنه بناء غريب على حقل أخضر هائل.
يقول شيخ إحدى عشائر القرية ويدعى جليل العبودي، إنه “إذا استمرت زهرة النيل في النمو، فسوف ينهار الجسر وسد البدعة” وتُحْرم عدة مناطق من المياه، بدءًا من محافظة ذي قار وصولا إلى البصرة على امتداد مئات الكيلومترات.
ومع انعدام الخدمات العامة، يرى العبودي بالفعل أسوأ سيناريو، بين إهمال البنية التحتية وغياب السياسة البيئية في بلد دخل أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث.
فأوّلًا سيدفع قطاع الزراعة الذي يشكل مصدر دخل لواحد من بين ثلاثة عراقيين ثمنا باهظا، وفق العبودي. وبعد ذلك، قد تختفي مياه الشرب، وخصوصا أن تلوث المياه في صيف عام 2018 قد سمم نحو مئة ألف شخص في محافظة البصرة.
ويشير الشيخ إلى أن “تقاعس وزارة الموارد المائية وحقيقة عدم وجود أي تجديد على الإطلاق، أديا إلى تضرر حتى في احتياطيات مياه الشرب”.
وقامت الوزارة بتنظيف قنوات الري، حسب قول صالح هادي المسؤول عن الدراسات في دائرة الزراعة بذي قار؛ فقد نظف موظفو الوزارة عدة قنوات إذ أن زهرة النيل تجذب الحيوانات الخطرة، كـ”الثعابين والزواحف” وليس فقط البعوض الحامل للفايروس، بحسب هادي.
لكن رد فعل الحكومة لا يرقى إلى حالة الطوارئ، حسب قول المزارع أحمد ياسر من مدينة الكوت، كبرى مدن محافظة واسط شرق بغداد.
ويؤكد ياسر أن “آثار نبتة زهرة النيل بدت واضحة مع كل موسم زراعي صيفي، حيث هناك انخفاض في إنتاج الخضر والمحاصيل الصيفية بنسبة تزيد على الثلث” بسبب نقص مياه الري.
خلال السنوات الأخيرة، كان المزارعون والمتطوعون المحليون يصطفون مع كل بداية ربيع على ضفاف نهر الفرات لاقتلاع جذور النبتة الطويلة التي تجعل من الأنهار العراقية تبدو وكأنها حدائق يابانية.
وهذا العام أيضا، استجاب الناشط وعضو الجمعيات الفلاحية محمد كويش للدعوة في الكوت رغم الحظر.
يقول كويش “عملنا على تحوير القوارب لتكون ملائمة للعمل وبتكلفة 800 دولار من تبرعات الفلاحين” لإزالة الجذور، إذ أن لا معالجة كيميائية ممكنة بحسب الخبراء، لأنها قد تدمر النظام البيئي بأكمله.
ويلفت كويش إلى أن “هذه الحملات بدائية ولا ترتقي إلى حجم الأضرار التي يعاني منها الفلاح”.
ويرى الخبراء أنه رغم مخاطر زهرة النيل إلا أن طرق المعالجة ممكنة وعديدة، فبالنظر إلى احتواء هذه النبتة على نسبة عالية من البروتين الخام يمكن توظيفها في توفير علف حيواني، والاستفادة من الأعشاب المجففة للنبتة في توليد الطاقة خاصة إنتاج البيوغاز عن طريق التخمير اللاهوائي للأعشاب.
وفي العراق يمكن استخدام زهرة النيل في تغذية المواشي وفي مقدمتها الجاموس الذي يستهلك كميات كبيرة من الأعلاف، وهي تجربة نجحت في الولايات المتحدة الأميركية عام 1975 إذ استخدمت الجواميس في القضاء على الكثير من النباتات المائية في الأنهار والمستنقعات.
وأثبتت دراسة تطبيقية استمرت أربع سنوات قدرة الجواميس على القضاء على هذه الزنابق العملاقة الضارة، ويمكن تطبيق ذلك على بيئة الأهوار التي تشتهر بتربية الجواميس والمواشي الأخرى.