زلازل سياسية تعوق عملية ترميم الآثار السورية

نداء عاجل لليونسكو لإنقاذ تراث إنساني من الدمار.
السبت 2023/06/10
مغلقة في وجه السياح

تعاني مواقع أثرية سورية كثيرة من تداعيات الحرب ليزيد الزلزال الأخير الذي حل بسوريا وتركيا من حجم الأضرار، خاصة في القلاع والكنائس والمتاحف، وتتعطل عملية الترميم بسبب عدم تدخل المنظمات الدولية المعنية بالآثار، وخاصة منظمة اليونسكو، لاسيما وأن الحكومة السورية عاجزة بمفردها عن القيام بهذه المهمة وهي التي تعيش حصارا اقتصاديا دوليا.

دمشق - أربعة أشهر مضت على الزلزال الذي ضرب سوريا ودمر البشر والحجر، وطوال هذه المدة تركت الأوابد الأثرية المسجلة على قائمة التراث العالمي دون تدخل من منظمات معنية بالآثار، وسط ضعف إمكانات الحكومة السورية في التدخل، وترميم ما تم تدميره جراء الزلزال.

بدأ فصل الصيف، وهو موسم السياحة الذي ستشهده سوريا خلال العام الجاري، والعديد من المواقع الأثرية في المناطق التي ضربها الزلزال مغلقة، وأبرزها قلعة حلب وقلاع الساحل السوري.

يصف معاون مدير الآثار والمتاحف السورية همام سعد الأضرار التي تعرضت لها المواقع الأثرية بين “متوسطة وخفيفة ولم تكن هناك أضرار جسيمة، فالزلزال أدى إلى أضرار في العديد من المواقع، وخاصة في محافظات حلب وإدلب وحماة واللاذقية، والتي شهدت أعمالا عسكرية خلال السنوات العشر الماضية”.

من أبرز أضرار قلعة حلب كانت في مدخل القلعة القوس الوتري والسور الدفاعي وقاعة العرش والجامع الكبير

ويضيف “المتاحف والمساجد داخل المدن تأثرت، ومنها مبنى متحف اللاذقية، والعديد من الجوامع والكنائس التاريخية داخل مدن طرطوس وحماة ومتحف معرة النعمان في محافظة إدلب تضررت بشكل متفاوت”.

وأوضح أن “في شهر فبراير الماضي وصل إلى مدينة حلب فريق فني من منظمة اليونسكو للاطلاع وتقييم الأضرار، ولكن لم يتم تقديم أي دعم لعمليات الترميم، ولدينا بعثة مجرية تعمل في قلعة المرقب على تقييم الأضرار ثم تباشر عمليات الترميم، إضافة إلى بعثة أثرية إيطالية من المنتظر أن تصل إلى متحف مدينة حلف لتباشر عمليات الترميم، فضلا عن وزارة الثقافة والأمانة السورية للتنمية والتي قدمت دعما لترميم المواقع المتضررة والآيلة إلى السقوط وتشكل خطورة على المارة، ومنها متحف طيبة الإمام وقلعة شيزر وقلعة المضيق ومدينة أفاميا الأثرية”.

ومدينة حلب كان لها النصيب الأكبر من الأضرار، نظرا لأن العمليات العسكرية التي شهدتها المدينة منذ بداية عام 2012 حتى نهاية عام 2016 من قصف وتفجيرات وأنفاق أدت إلى تدمير عدد من الأوابد الأثرية، وجاء الزلزال ودمر العديد من المواقع التي نجت من العمليات العسكرية.

وبيّن مدير قلعة حلب أحمد غريب أن “الأضرار التي تعرضت لها قلعة حلب تضاف إلى ما تعرضت له المدينة خلال سنوات الحرب، ومن أبرز الأضرار في مدخل القلعة القوس الوتري، والسور الدفاعي وقاعة العرش والجامع الكبير الذي يعود تاريخه إلى 610 هجري، إضافة إلى السكنة العثمانية وصومعة الطاحونة العثمانية التي يعود تاريخ بنائها إلى 1834 ميلادي.

وأضاف غريب “بسبب التصدع في القوس الوتري لمدخل القلعة، قاعة العرش، تم إيقاف الزيارة للقلعة خوفا على حياة الزوار، وننتظر مساعدة اليونسكو لأن عمليات الترميم تفوق ميزانية مديرية الآثار والمتاحف، ونطلب تدخل المنظمات الدولية المعنية بالآثار باعتبار قلعة حلب مسجلة على قائمة التراث العالمي منذ عام 1986”.

 القلاع ضحية الزلزال
القلاع ضحية الزلزال

ويكشف مدير مدينة حلب القديمة أحمد الشهابي أن “الزلزال ألحق الضرر بالعديد من المواقع في مدينة حلب القديمة ومنها بوابة أنطاكيا والمئذنة، وخان الصابون وخان الجمرك، وتدمير جزئي للمئات من المنازل باعتبار أن عقارات مدينة حلب يبلغ عددها 16 ألف عقار، ونظرا لأن أزقتها وشوارعها ضيقة فمن الصعوبة إزالة الأنقاض ودخول الآليات إلى المدينة”.

ويرى الخبير الآثاري ومدير عام الآثار السورية الأسبق مأمون عبدالكريم أن “المباني والمواقع الأثرية تعرضت لمستويات من الضرر ما بين الخفيفة والقاسية، إضافة إلى المأساة التي عانى منها التراث الثقافي السوري خلال أكثر من عشر سنوات من الأزمة، بسبب الاشتباكات أو التدمير بسبب الأعمال التخريبية التي قامت بها المجموعات المتطرفة”.

ويؤكد عبدالكريم أن “الجهود الوطنية لإجراء المداخلات طبعا صعبة بسبب قلة الإمكانات المادية المتوافرة بسبب الحصار والوضع الاقتصادي الحالي، لذا تقع المسؤولية اليوم على المجتمع الدولي لتقديم المساعدة في أعمال الصيانة وأعمال الترميم بهدف وقف تدهور المباني الأثرية المتضررة، وأعتقد أن من المفترض أن تتحرك منظمة اليونسكو لتشجيع الجهات المانحة على تقديم المساعدة المالية والفنية لزملائهم داخل سوريا. وفي النهاية، السياسة تتغير وفقا للمصالح ولكن خسارة التراث ستكون أبدية، من هنا يجب أن يتحرك المجتمع الدولي الآن وعدم خسارة الفرصة الممكنة لحماية التراث الثقافي المتضرر في هذا البلد الذي قدم الكثير للحضارة الإنسانية”.

عملية ترميم بطيئة
عملية ترميم بطيئة

وإحجام المنظمات المعنية بالآثار والدول عن تقديم مساعدات لإعادة ترميم الآثار السورية مرتبط بالجهات والمواقف السياسية للمانحين، ويقول مدير آثار حلب السابق يوسف كنجو “قدمنا سواء نحن أو حتى الزملاء الأجانب مشاريع لإعادة ترميم المواقع الأثرية في سوريا إلى المؤسسات الدولية، ويتم رفضها عندما يكون هناك صرف أموال داخل سوريا، لعدم التعاون مع السلطات الأثرية السورية المختصة، وهي العقوبات المفروضة على سوريا وخاصة من الاتحاد الأوروبي. وكما هو معلوم معظم الدعم يأتي من الدول الأوروبية، سواء المؤسسات الرسمية أو المنظمات الأهلية. وبسبب الحالة السياسية الراهنة في سوريا يرفضون تقديم المساعدة أو الدعم على أرض الواقع، باستثناء بعض المشاريع البسيطة التي تهدف إلى التوثيق والتدريب كما هو الحال مع مشروعنا الذي نعمل عليه في حلب”.

وحال المواقع الأثرية في مناطق شمال غرب سوريا الخاضعة لسيطرة المعارضة الموالية لتركيا ليس أفضل حالا من بقية المناطق، بل نالت النصيب الأكبر من الدمار خلال العمليات العسكرية التي شهدتها ولا تزال مستمرة. ووصف مسؤول في مديرية الثقافة في محافظة إدلب التابعة للمعارضة السورية وضع المواقع الأثرية بأنه سيء للغاية، وقال “خلال سنوات الحرب تعرضت الكثير من المواقع الأثرية للقصف والدمار بسبب العمليات العسكرية، إضافة إلى التخريب، وجاء الزلزال وألحق الضرر بالعشرات من المواقع من قلاع ومواقع أثرية أبرزها دير سوباط وقلعة أبوسفيان، والمدافن الهرمية، وكنيسة الحصن، والمسجد الإسلامي، والحمام البيزنطي في محافظة إدلب”.

16