زراعة اللؤلؤ في الإمارات تعيد مجد الأجداد مع البحر

إماراتي ينتج المحار بأدوات قديمة وتقنيات حديثة في رأس الخيمة.
الجمعة 2019/11/29
إعادة البريق إلى اللؤلؤ

يقترن تاريخ الإمارات بتاريخ الغوص بحثاً عن اللؤلؤ في الخليج، حيث تعود العلاقة إلى أزمنة مضت تزيد على سبع مئة عام، كانت خلالها العائلات الإماراتية تتوارث عشق اللؤلؤ جيلا بعد جيل، إلا أن هذه المهنة تراجعت مع ثلاثينات القرن الماضي ليعيدها شاب إماراتي متعلق بتراث الأجداد من خلال بعث مزرعة لإنتاج المحار واللؤلؤ.

رأس الخيمة – قبيل اكتشاف النفط الذي حوّل منطقة الخليج إلى واحدة من أكثر مناطق العالم ثراء، كان الإماراتيون يعتمدون على صيد اللؤلؤ كأبرز الأنشطة الاقتصادية، ويسعى عبدالله السويدي اليوم إلى إحياء هذا التقليد.

ويمكن للكثير من العائلات الإماراتية أن تجد لدى تتبّع أصولها وتاريخها زمنا كانت فيه منخرطة في تجارة اللؤلؤ التي كانت بداية لثراء الدولة.

لم يعد من الضروري الغوص في البحر لصيد اللؤلؤ في وقت أصبحت فيه زراعة اللؤلؤ ممكنة، خاصة بعد أن نجح السويدي في بعث مزرعته منذ سنة 2003.

منذ وفاة جدّه، يشعر السويدي بأنه أصبح مسؤولا “اجتماعيا وثقافيا وتاريخيا” عن نقل هذه المعرفة إلى أبناء شعبه من الإماراتيين، فرغم دراسته للعلوم السياسية والعلاقات الدولية اختار الاستثمار في مهنة الأجداد.

يقول السويدي (45 عاما)، الذي يملك مزروعة للؤلؤ في إمارة رأس الخيمة، إن “اللؤلؤ مكون رئيسي في ثقافة الإمارات”.

ويروي صاحب العمل الذي يقوم بالغطس بنفسه، “عشت وعاصرت جدي الذي علّمني الكثير مما يتعلق بمهنة الغوص (…) لكثرة إلحاحي بالأسئلة وطلب معلومات والمزيد من الحكايات” بشأن اللؤلؤ.

ويدير السويدي مشروعه في فترة تشهد فيها الأنشطة والمشاريع الثقافية التقليدية الإماراتية دفعا للحفاظ عليها والترويج لها، ومن هذه المشاريع تربية الصقور وسباقات الهجن.

وأعلنت السلطات الشهر الماضي أن لؤلؤة عمرها ثمانية آلاف سنة تعد الأقدم في العالم ستعرض للمرة الأولى في متحف اللوفر- أبوظبي.

أنواع وألوان مختلفة من اللؤلؤ
أنواع وألوان مختلفة من اللؤلؤ

وأُطلق على اللؤلؤة اسم “لؤلؤة أبوظبي”، وقد عثر عليها في جزيرة مروّح قبالة سواحل العاصمة الإماراتية.

يقول رئيس قسم الآثار في دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي بيتر ماكجي، “حقيقة إنّها أقدم لؤلؤة معروفة في العالم، هي تذكير هام بالرابط العميق بين الشعب الإماراتي وموارد البحر”.

ولطالما اعتُبر صيد اللؤلؤ نشاطا اقتصاديا كبيرا في تاريخ الإمارات، يقول ماكجي “من القرن الخامس عشر وبعده، كانت اللآلئ من مياه الإمارات تعد ممتلكات ثمينة في أوروبا وفي جميع أنحاء آسيا”.

وتقع مزرعة السويدي للؤلؤ على ساحل مدينة الرمس التي يتحدر منها في إمارة رأس الخيمة التي سعت في السنوات الماضية إلى ترسيخ موقع لها على الخارطة الثقافية والاقتصادية لدولة الإمارات.

ويعيش المحار في أقفاص تحت الماء معلقة بعوامات تطفو بالقرب من الشاطئ. بعد أن يتم  تلقيحها تنتج 60 بالمئة من المحار اللؤلؤ، مقارنة بواحدة من أصل 100 عند المحار البري.

يقول السويدي الذي خبر زراعة اللؤلؤ من اليابانيين عن تقنيات اللقاح داخل مزرعته المثبتة بقاع البحر، إن عملية فتح المحارة تتم بسرعة فائقة وبتقنيات عالية للمحافظة على حياة المحارة التي يلتقطها ويفتحها عن طريق ملقط بعناية فائقة، ثم يثبت في الفتحة ملقطا بلاستيكيا آخر، وفي هذه الأثناء تنتقل المحارة إلى خبير آخر يعمل على تلقيحها خلال 30 ثانية فقط.

وقام السويدي بتطوير عملية توليد المحار في مزرعته بشكل طبيعي من أمهات المحار، باستخدام الحبال المصنوعة طبيعياً من ألياف الأشجار، والتي تعد عضوية وطبيعية. ويعتمد الأمر على أجيال من المحار من خلال عملية التوليد لبيوض ويرقات المحار، وبعد مرور عامين على تكوّن المحارة تصبح جاهزة للاستنبات وتكون بحجم مناسب، حيث يوضع المحار في صناديق سوداء كي يدخل في مرحلة الاسترخاء التام قبل عملية الاستنبات لمدة 30 يومياً، وصباح يوم عملية الاستنبات تستخرج الصناديق ليتم تجهيزها بكل لطف، ويقوم الخبير بإجراء عملية شق لجيب الصَّدفة المتواجدة داخل جسم المحارة ووضع قطعة بطول 1 ملليمتر من الخلايا المكونة للصدفة من محارة أخرى، يتبعها بوضع خرزة دائرية الشكل مصنوعة من صدف المحار، لتبقى داخل جسم المحارة مدة عام، لتترسب عليها الطبقات الكريستالية البلورية من كربونات الكالسيوم «الأورغانايت».

وبعد مرور عام يقوم السويدي بتغيير ملابسه من الكندورة الإماراتية التقليدية ليرتدي ملابس غوص سوداء اللون مصنوعة من القطن وتعرف باسم “شمشول” على متن سفينة شراعية تقليدية كان يستخدمها غواصو اللؤلؤ في السابق. ويقفز بعدها في المياه ليكرّر ما كان أسلافه يقومون به لالتقاط المحار، فيقوم باستخراج اللؤلؤة من المحارة وغسلها بالماء العذب وفركها بالملح البحري الطبيعي ليزيل عنها الشوائب، وحينها تكون جاهزة للتسويق.

مهنة الأجداد بأدوات تقليدية
مهنة الأجداد بأدوات تقليدية

ويستخدم السويدي أدوات بسيطة مؤلفة من حجر يعلقه برجله لينزل سريعا إلى البحر، ومشبك يضعه على أنفه يعرف باسم “الفطام”، وسلّة يعلقها برقبته تعرف باسم “الديين”.

وانهارت تجارة اللؤلؤ في الثلاثينات من القرن الماضي بعد ظهور زراعة اللؤلؤ اليابانية، وبروز الصراعات التي جعلت من اللؤلؤ ترفا يصعب اقتناؤه.

يقول ماكجي “اللؤلؤ المزروع كان أسهل للإنتاج وأقل تكلفة، ما أدى إلى تراجع قيمة اللؤلؤ الإماراتي”.

بعد ذلك تحولت دول الخليج إلى تجارة النفط التي ما زالت تشكل العامل الأساسي في اقتصاداتها حتى اليوم.

وتنتج مزرعة السويدي اليوم لآلئ بجودة عالية وبألوان وأحجام مختلفة، هــي عبـارة عـن دانـــات ذات حجم لا يقل عن 6 ملليمترات ولا تزيد أكبرها على 13 ملليمترا. كما تنتج المزرعة 13 لونا مختلفا، بدءا بالأبيض الفاتح، مرورا بالأصفر والذهبي “النباتي” والمشير المشرب بحمرة، والسنقباسي ذي اللون الداكن. وتنتج أيضا أندر الأنواع، ومنها  الباروك، وهو نوع غير دائري. وتحظى هذه الأنواع باهتمام بالغ من طرف صناع المجوهرات وعشاق اللؤلؤ.

ورغم أن السويدي يقوم ببيع اللآلئ لمصمّمين محليين وعالميين موفرا لهم خيارات متعددة، إلا أنه يصر على أن مشروعه ليس موجها لكسب المال فقط.

ويطمح السويدي إلى الحفاظ على هذا التقليد حيا عبر مشاركة مهاراته مع الشبان الإماراتيين والسياح الذين يأتون إلى مزرعته حيث يعمل نحو 20 موظفا.

ويؤكّد أن “هناك نموا كبيرا في السياحة البيئية يزداد كل عام (…) لرغبة الناس في معرفة الأشياء المتعلقة بالطبيعة”.

ويضيف “عندما يأتي شخص إلى الإمارات سيرغب في رؤية شيء لم يره في مكان آخر، أي ثقافة هذا البلد ومكوّناته الرئيسية، واللؤلؤ مكوّن أساسي”.

20