زراعة البنّ تُنقذ الغابات الاستوائية في موزمبيق

إدارة منتزه غورونغوسا الوطني تضع خططا لزيادة إنتاج القهوة بشكل كبير مؤكدة على أهمية هذا النشاط للبيئة.
الأربعاء 2022/06/15
ذهب الفقراء

غورونغوسا (موزمبيق) – يلاحظ الناظر من بعيد إلى الغابات الاستوائية الفريدة التي تكسو منحدرات غورونغوسا في وسط موزمبيق أن ثمة ثقوباً تخترق هذا الرداء الأخضر الذي يزيّن الجمال الأخّاذ لهذا الجبل الواقع وسط محمية وطنية تحمل الاسم نفسه.

فعمليات إزالة الأشجار أحدثت أضراراً كبيرة بمساحات تقدر بعدة كيلومترات مربعة في هذه السفوح التي تحولت إلى أراضٍ جافة لا تنمو فيها سوى الأعشاب والشجيرات المتقزمة مكان المساحات الحرجية البديعة. إلا أن الغابة ولدت مجدداً في السنوات الأخيرة بفضل زراعة البنّ التي لم تكن منتشرة عملياً من قبل في هذه الدولة الأفريقية.

ويؤكد جولياس سامويل ساباو خلال جولته بين المَزارع الواقعة على ارتفاع ألف متر فوق مستوى سطح البحر أن تقدّماً كبيراً تحقق، وهو ما يُبيّنه التفاوت بين غابة كثيفة تصطف فيها نباتات البن من جهة، ومنظر شبه صحراوي في الجهة المقابلة.

نحو 300 ألف شجرة بن و400 ألف شجرة كاجو زرعت وعادت بالفائدة على 200 ألف من سكان منطقة غورونغوسا

ويشرح جولياس الذي يعمل في المتنزه أن “نمو نبتة البنّ يحتاج إلى الظل”. ويضيف “لهذا السبب نزرع مع كل نبتة بنّ شجرة أخرى”. فقد تعلم جولياس زراعة البن في زيمبابوي المجاورة عندما لجأ إليها اتقاءً للحرب الأهلية (1975 – 1992) التي أودت بحياة مليون شخص بعد استقلال موزمبيق عن البرتغال.

ووضعت إدارة منتزه غورونغوسا الوطني خططا لزيادة إنتاج القهوة بشكل كبير، مؤكدة على أهمية هذا النشاط للبيئة وللسكان المحليين.

وقال المدير المساعد لبرنامج تنموي في منتزه غورونغوسا الوطني ماثيو جوردان إن “زراعة القهوة تزدهر في الغابات المطيرة، وتنتج دخلا أفضل بكثير من الذرة وتشجع المزارعين على إعادة زراعة هذه الغابات”.

ويسهر جولياس منذ عشر سنوات على مزارع جبل غورونغوسا الذي لم يكن الوصول إليه متاحاً طوال سنوات. فبعد عشرين عاماً من الحرب الأهلية، شهدت موزمبيق صراعاً جديداً بين المتمردين والحكومة استمر حتى عام 2019.

وشكّل الجبل بالنسبة إلى المتمردين خزاناً للموارد الطبيعية. وعمد المقاتلون إلى إزالة مساحات من الغابات لزراعتها وتأمين الغذاء منها، ولا يزال بعضهم يعيش في الجبال.

ويتذكر جولياس أن “عناصر المليشيات جاؤوا لمقابلتنا، وأمرونا بوقف الزراعة”.

وعشية المعارك الأخيرة زرع مدير المتنزه المهندس الزراعي بيدرو مواغارا أولى أشجار البن. ولدى عودته، كانت النباتات قد نمت بكثافة وسط لامبالاة السكان، ومعظمهم من عناصر الميليشيات وعائلاتهم.

ويلاحظ مواغارا أن “هؤلاء الناس يعتمدون على زرع ما يوفر لهم الاكتفاء الذاتي، لأنهم لا يستطيعون تحمل تكلفة الآلات مثل الجرارات، مما يؤدي إلى نشوء نوع من الترحال الزراعي”.

ويشرح أن هؤلاء “يزيلون الغابات في مناطق عدة، مما يحرم التربة من مغذياتها فتصبح الأرض فقيرة، فيزيلون بالتالي غابة أخرى”. وشدد على أنهم “يفقدون شيئاً من مقوّمات العيش عندما يخسرون شجرة”.

وقالت كويريدا باريكوينا وهي مزارعة موزمبيقية “أحب زراعة القهوة لأني أكسب منها نقودا كثيرة، يمكنني شراء الصابون وزيت الطهي والكتب المدرسية والأدوات المنزلية”.

وهذه المزارعة واحدة من الذين يعتاشون منذ 7 سنوات من محاصيل القهوة التي يزرعونها على المنحدرات العليا لجبل غورونغوسا، بعد أن وضعت الحكومة خطط لزراعة المزيد من أشجار البن التي تكسب أهالي المنطقة دخلا نقديا جيدا من جهة وتساعد على إنقاذ الغابات المطيرة من جهة أخرى.

وسعياً لإشراك سكان الجبل وإشعارهم بأنهم معنيون، يمزج المشروع زراعة البن التي يستغرق ظهور محاصيلها الأولى سنوات، مع عدد من الزراعات الغذائية الأساسية.

قهوة غورونغوسا باتت تُصدّر إلى مختلف أنحاء العالم
قهوة غورونغوسا باتت تُصدّر إلى مختلف أنحاء العالم

وقالت المزارعة فيدا فرانجين “لقد بدأت كمتطوعة في برنامج إعادة التشجير، وبعد ذلك بدأت في زراعة القهوة وحصلت على مردود مالي جيد العام الماضي”.

ويشير البنك الدولي إلى أن نحو 300 ألف شجرة بن و400 ألف شجرة كاجو زرعت، مما وفّر 300 فرصة عمل، وعاد بالفائدة على 200 ألف من سكان المنطقة.

وباتت قهوة غورونغوسا التي يخصص ريع مبيعاتها بالكامل للمشروع الذي يدعمه المليونير الأميركي والمحسن غريغ كار، تُصدّر إلى مختلف أنحاء العالم.

ويعمل نحو 70 في المئة من سكان موزمبيق في القطاع الزراعي، وفقاً لوكالة التنمية الأميركية، لكن النسبة المستخدمة فعلياً من الأراضي الصالحة للزراعة تقتصر على 16 في المئة.

ويقول وزير الزراعة سيلسو كورييا إن تضخم أسعار السلع الناتج من الحرب في أوكرانيا “يؤثر أيضا على موزمبيق”. ويضيف “نحن بحاجة إلى تخفيف هذا الضغط عن الأسر، والحل الوحيد لدينا هو زيادة الإنتاج”.

ويشكّل التحديث أكبر التحديات التي يواجهها القطاع المحلي الذي يعاني نقصاً في المكننة والتكنولوجيا. وإذ يعتبر كورييا أن “الزراعة قطاع أساسي”، فإنه يقول “لا يمكننا الاعتماد على المشاريع الدولية، بل يجب أن نكون مكتفين ذاتياً”.

18