زخم الموسم السياحي ينعش الاقتصاد التونسي

ملامح انتعاش القطاع بدأت تظهر مع تسجيل قفزة كبيرة في النصف الأول من العام الحالي قياسا بالعام الماضي.
السبت 2023/08/12
فرصة لاكتشاف الحياة في البلد

أشاعت المؤشرات الإيجابية بشأن تعافي النشاط السياحي في تونس حالة من التفاؤل بين أوساط العاملين بهذا المجال الإستراتيجي بعودته إلى سالف نشاطه قبل الأزمة الصحية، وبإمكانية دعم الاحتياطات النقدية للبلد الذي يكافح للخروج من نفق أزماته المزمنة.

تونس - واصلت السياحة التونسية فتح آفاق كبيرة للاقتصاد، رغم المعارك الجانبية في السياسات الحكومية، وأصبحت نقطة ضوء تشيع التفاؤل بعد تحقيق قفزة قياسية في العوائد وأعداد الزوار خلال العام الحالي.

وأكد خبراء أن السياحة التونسية تشهد هذه الأيام نشاطا غير مسبوق منذ سنوات حيث سجلت المنتجعات والفنادق في المناطق المطلة على البحر المتوسط ارتفاعا كبيرا في نسبة الوافدين الأجانب.

وبدأت ملامح انتعاش القطاع تظهر مع تسجيل قفزة كبيرة في النصف الأول من العام الحالي قياسا بالعام الماضي، وذلك بعد سنتين عجفاوين تراجعت خلالهما أعداد السياح والإيرادات بنحو غير مسبوق جراء الأزمة الصحية.

وتعتبر البنية التحتية للفنادق التونسية والمنتجات المتنوعة عوامل من شأنها تلبية احتياجات السياح الأجانب. كما تمثل الصحراء التونسية عامل جذب لهم، إلى جانب الواحات التي تعد أماكن مميزة لتعزيز توافدهم السياحي.

وفي البلد الذي يواجه أزمات اقتصادية متتالية، وشحّا في وفرة سلع رئيسة كالطحين، وتراجع في أرقام الاستثمارات الأجنبية الوافدة، تبرز السياحة كنقطة مضيئة وسط هذه المصاعب.

رضا الشكندالي: الأرقام مهمة في تعبئة احتياجات البلاد من العملة الصعبة
رضا الشكندالي: الأرقام مهمة في تعبئة احتياجات البلاد من العملة الصعبة

ومر القطاع الذي يعد أحد روافد الاقتصاد التونسي بأزمات عديدة على مدى السنوات التي تلت عام 2011، ممثلة بتداعيات أحداث إرهابية عصفت بالبلاد قبل سنوات، وأودت بحياة أمنيين وعسكريين وحتى سياح.

وألقت الأزمة الاقتصادية بظلالها على هذا المجال، وزادت وطأتها مع تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، التي أثرت في قطاع السياحة في العالم، خلال العام الماضي.

وبفضل خطة لتنمية السياحة تسعى تونس خلال السنة الحالية إلى تدارك ما تكبده القطاع من خسائر طيلة السنوات الأخيرة، وهو ما ظهر في تحسّن الأرقام.

واستقبلت العديد من المدن هذا الصيف أعدادا متزايدة من السياحة الوافدة وحركة نشطة عرفتها أسواق الصناعات التقليدية والفضاءات التجارية والموانئ الترفيهية والفنادق.

ومقارنة بسنة 2019 التي تم خلالها تسجيل ارتفاع لعدد السياح قدر بنحو 9.2 ملايين سائح، لم يتجاوز عدد السياح مليوني زائر سنة 2020 التي مثلت ذروة انتشار كورونا.

وأعلنت زارة السياحة قبل أيام، عن مؤشرات لموسم واعد ببلوغ 5 ملايين سائح وصلوا تونس منذ مطلع العام الجاري، حتى نهاية يوليو الماضي.

وأوضح وزير السياحة محمد المعز بلحسين في تصريحات صحفية أن نسبة ارتفاع عدد الزوار خلال الأشهر السبعة الأولى من هذا العام ناهز السبعين في المئة على أساس سنوي.

وقال إن “عائدات الموسم السياحي تجاوزت، منذ بداية العام الجاري، المليار دولار”.

وكانت وزارة السياحة قد قالت في مايو الماضي، إنها شرعت في مخطط عملي لاستعادة القطاع نشاطه لمستويات ما قبل أزمة جائحة كورونا، وتنويع المنتوج السياحي لاستقطاب أكثر من 9 ملايين سائح هذا العام.

وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، وارتفاع كلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية إثر الأزمة الروسية – الأوكرانية.

وفي تعليقه على هذه المؤشرات، يقول الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي لوكالة الأناضول “نحتاج إلى مثل هذه الأرقام اليوم أكثر من أيّ وقت مضى”.

وأضاف “الأرقام هامة، خاصة في تعبئة احتياجات البلاد من العملة الصعبة، في وضع تمر فيه البلاد بعجز تجاري متفاقم، ويتطلب دخول موارد من العملة الأجنبية، التي ستمكن بدورها من تخفيف وطأة التضخم المالي”.

ولفت الخبير الاقتصادي إلى أنّ “هذه المعدلات، تأتي في وقت تشهد فيه قيمة الدينار التونسي تراجعا، رغم التحسن الطفيف الذي عرفته بعد المصادقة على عدد من القروض مؤخرا”.

وتذبذب سعر صرف الدينار بين 3 و3.2 دينار أمام الدولار خلال العام الجاري، متأثرا بالمصاعب الاقتصادية التي تواجهها البلاد، لكن لا يبدو أن ذلك له تأثير على الاقتصاد قياسا بعملات أسواق ناشئة أخرى مثل الليرة التركية والجنيه المصري والبيزو الأرجنتيني.

ويعتقد الشكندالي أن هذه التقديرات الأولية واعدة وتعطي لمحة على الموسم بأكمله، وأنها من الممكن أن تفوق المستويات التي تم تحقيقها خلال الموسم السياحي للسنة الماضية، لكنها تبقى غير كافية.

◙ 9.2 مليون سائح يتوقع وصولهم إلى تونس في 2023 قياسا بنحو 6.43 مليون سائح العام الماضي

وقال إن “تحقيق مثل هذه المعدلات لم يكن سهلا، خاصة وأن البلاد عاشت عزلة مالية قرابة عامين وأن هذه العائدات مهمة لخلق توازنات اقتصادية، بالنظر إلى الوضع العالمي، وهي مهمة أيضا لتماسك قيمة الدّينار التونسي”.

لكنه قال إن “السياحة على أهميتها وأهمية مداخيلها، فإنها غير كافية وإن هناك موارد أخرى من شأنها أن تحسن الوضع الاقتصادي، ولعل أهمها تحويلات التونسيين بالخارج، والسماح لهم بفتح حسابات بالعملة الأجنبية”. ولفت الخبير إلى أن “قطاع السياحة ساهم ومنذ عقود، في تعبئة الموارد المالية من العملة الصعبة”.

وأكد على ضرورة وضع إستراتيجية جديدة تتغير وفقها السياحة التقليدية، المقتصرة على الفنادق والبحر، والعمل على إعطاء قيمة للسياحة الثقافية، من زيارة للمواقع الأثرية والتاريخية، والتمتع بالطبيعة التي تميز عدة مناطق داخلية في تونس ورد الاعتبار لها.

وتشير البيانات إلى أن تونس تمتلك حوالي 840 فندقا تضم 220 ألف سرير، وتنشط أكثر 1100 وكالة أسفار إلى جانب نحو 357 مطعما مصنفا على أنها سياحية.

ويشغل القطاع السياحي 600 ألف عامل بشكل مباشر وغير مباشر ويعيش منه ما يقارب 2.8 مليون نسمة، بحسب بيانات رسمية.

وفي العام الماضي، حققت السياحة التونسية عائدات بنحو 4.2 مليار دينار (1.4 مليار دولار)، بارتفاع يقدر بحوالي 83.1 في المئة مقارنة بعائدات 2021.

وذكرت وزارة السياحة مطلع العام الجاري أن عدد الوافدين خلال 2022 بلغ حوالي 6.43 مليون زائر من مختلف الجنسيات، أي بارتفاع بلغ أكثر من 160 في المئة عن المستويات المسجلة في العام السابق.

10