زبيدة عسول تكسر حاجز الصمت المحيط بالانتخابات الرئاسية في الجزائر

الجزائر- فاجأت المحامية والحقوقية، المحسوبة على الحراك الشعبي، زبيدة عسول المتابعين بإعلان ترشحها للانتخابات الرئاسية المنتظرة نهاية العام الجاري، لترمي بذلك حجرا في المياه الجزائرية الراكدة، في ظل الصمت والغموض اللذين يكتنفان الاستحقاق الانتخابي. وهو ما يثير التساؤل عما إذا كانت المرأة قد أبرمت صفقة لأداء دور أرنب السباق، أم أنها فعلا مرشحة الحراك الشعبي؟
وقررت عسول، وهي زعيمة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، خوض غمار الانتخابات الرئاسية المنتظرة بعد نحو تسعة أشهر، لتكون بذلك أول مرشح وأول امرأة تعلن عن طموحها السياسي في المنافسة على كرسي قصر المرادية.
وتحسب عسول على التيار العلماني، الذي ظل يمثل أحد الروافد الرئيسية للحراك الشعبي منذ انطلاقه في فبراير 2019 إلى غاية توقفه عام 2020، استجابة لتدابير التباعد الاجتماعي التي فرضها وباء كوفيد – 19، لكنها لم تعلن في ندوتها الصحفية عن الخلفية السياسية والشعبية التي تستند إليها، خاصة وأن حزبها محل تحفظ من طرف وزارة الداخلية، بدعوى عدم التكيف مع التشريعات القانونية المتصلة بالأحزاب السياسية.
عسول انخرطت مبكرا في معارضة بوتفليقة، وأسست إلى جانب بعض الوجوه السياسية حركة "مواطنة"
وتعد هذه التجربة الأولى لزبيدة عسول، لتصبح بذلك المرأة الثانية في الجزائر التي تخوض غمار الاستحقاق الرئاسي، بعد زعيمة حزب العمال اليساري لويزة حنون، التي خاضت السباق في ثلاث مناسبات، لكن نتائجها كانت متواضعة.
ولفتت زبيدة عسول إلى أن “قرارها ليس وليد صفقة سياسية مع السلطة، ولو كان الأمر كذلك لأبرمت الصفقة دون عناء”، لكن رد المتحدثة لم يكن مقنعا للمتابعين، في ظل غياب عنصر المفاجأة في الاستحقاقات الرئاسية الجزائرية؛ ذلك أن مرشح السلطة هو الذي يتوج بها. وهو ما سيثير الشكوك حول الخطوة التي اتخذتها لاسيما وأنه لم يثبت أنها طرحت للنقاش والتشاور مع الفاعلين في الحراك ووجوه المعارضة السياسية.
وزبيدة عسول هي إحدى المحاميات والحقوقيات التي اضطلعت بالدفاع عن نشاط الحراك الشعبي، فتواجدت في مختلف المحاكم والمجالس القضائية، وكانت ضمن فرق الدفاع عن كبار الشخصيات المعارضة المتابعة من طرف القضاء، على غرار كريم طابو ولخضر بورقعة وعلي لغديري وإحسان القاضي، وغيرهم. وهو ربما الرصيد الذي تريد استثماره في صناعة وعائها الانتخابي.
ولا يزال الغموض يكتنف موعد الانتخابات الرئاسية بسبب المناخ السياسي الراكد، وتخلف السلطة في الإعلان عن مرشحها، إذ لم يتأكد إلى حد الآن خوض الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون غمار هذا الاستحقاق لولاية رئاسية ثانية، رغم أن محيطه وأنصاره داخل السلطة وفي الشارع ينوون ذلك.
ولم تظهر أي حركية تتصل بالموعد إلى غاية الآن. وبالرغم من إعلان بعض الأحزاب السياسية الموالية للسلطة عن مشاركتها فإنها لم تفصّل كيفية ذلك، كما هو شأن حركة البناء الوطني وحركة النهضة وحتى حركة مجتمع السلم.
ويخيم انقسام واضح داخل فواعل الحراك الشعبي، بين داع إلى خوض غمار الاستحقاق بمرشح لتجسيد المطالب السياسية واستقطاب القوى الشعبية الداعمة له، وبين رافض للفكرة، بدعوى عدم الجدوى من ذلك، بما أن مرشح السلطة مهما كان هو الذي سيمر عبر اقتراع شكلي، وأن المقاطعة هي السلاح الوحيد لإجبار النظام السياسي القائم على التنحي وتسليم المأمورية إلى الشعب ليختار حكامه ومؤسساته بكل حرية وديمقراطية.
وتنحدر المرشحة الوحيدة إلى حد الآن مهنيّا من قطاع القضاء حيث شغلت منصب مديرة في وزارة العدل وقاضية، قبل أن تحال على التقاعد المبكر وتمتهن المحاماة، وسياسيا من تيار علماني ديمقراطي ظل مشروعه السياسي معزولا عن الشارع الجزائري، ولذلك بقي يمثل أقلية في مختلف الاستحقاقات والمؤسسات، قياسا بكل من التيار القومي والمحافظ والإسلامي.
وكانت عسول من ضمن الشخصيات التي انخرطت مبكرا في معارضة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وأسست إلى جانب بعض الوجوه السياسية حركة “مواطنة”، فضلا عن أنها كانت عضوا في ما كان يعرف بـ”تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي” ثم الحراك الشعبي وما تلاه من مسيرة الدفاع عن النشطاء السياسيين المعارضين للسلطة القائمة.
ويُجهل ما إذا كانت زعيمة الاتحاد من أجل التغيير والرقي ستشكل قطعة ديكور ديمقراطي في الموعد القادم، كما كانت تفعل لويزة حنون في عدة محطات -خاصة وأن في الجزائر منذ استقلالها جرت العادة على أن يكون الرئيس رجلا من السلطة- أم أنها تملك أوراقا ستمكنها من قلب الطاولة في المشهد السياسي، في ظل الهشاشة التي تخيم على معسكر السلطة وإمكانية استمالة الشارع الجزائري وتوظيف نقمته على النخبة السياسية الحاكمة في محاولات كسب دعمه.
وتبقى القاعدة الحزبية والشعبية أولى دعائم الطامحين إلى اعتلاء كرسي قصر المرادية، فشروط الترشح تستوجب الحصول على توقيع 60 ألفا من الهيئة الناخبة، أو 600 منتخب في أي من المجالس المنتخبة، وذلك يشكل أول امتحان لزبيدة عسول، خاصة وأن حزبها الذي تأسس في 2012 يبقى مصنفا ضمن القوى المجهرية.