رياضة توثق المعرفة بالثقافة الصينية

الكونغ فو يغزو السليمانية في إقليم كردستان العراق.
الثلاثاء 2024/10/29
فن الحركات الأنيقة

أصبحت رياضة الكونغ فو تحظى بشعبية متزايدة في السليمانية، حيث تشجع المدارس والنوادي الرياضية على تعلم فنون القتال والتركيز على اللياقة البدنية والانضباط الذاتي، ويتم تنظيم بطولات محلية مما يساعد في رفع مستوى المهارات ويعزز روح المنافسة. كما تساهم هذه الرياضة في تعزيز الثقافة والتراث، حيث يرتبط الكونغ فو بتقاليد عريقة وفلسفات عميقة.

رجب دوان

بغداد ـ في ناد للكونغ فو بمدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق، يمارس أكثر من مئة من عشاق فنون القتال الصينية بجد أساليب الكونغ فو، وهم يرتدون ملابس التدريب الصينية التقليدية، حيث يتم تنفيذ كل ضربة بقوة ودقة.

ووسط التدريب المكثف، يمشي برهان كامل محمد، مؤسس نادي الكونغ فو، بين صفوف المتدربين ليعلمهم كيفية أداء حركات الكونغ فو.

والكونغ فو رياضة من التراث والحضارة الصينية القديمة، ويعود تاريخها إلى بداية القوميات الصينية أي ما قبل خمسة آلاف عام.

ويفخر المدرب برهان كامل بنفسه بأنه من الأوائل في السليمانية الذي يُدرب الشباب على حركات شاولين كونغ فو.

ومثل معظم الأجانب المتحمسين للكونغ فو الصيني، وقع برهان في حب هذه الرياضة عندما شاهد أفلام بروس لي في طفولته وقام بشراء الكتب وأقراص الفيديو الرقمية عن الكونغ فو، وبدأ رحلته في فنون القتال في الثامنة من عمره.

الكونغ فو ليس مجرد جسر يربط العراق بالصين فحسب، بل هو أيضا نافذة للعراقيين لفهم الثقافة الصينية بشكل أفضل

وكلما تعمق برهان أكثر زاد اهتمامه وشغفه بالثقافة الصينية.

وأوضح برهان أن “من أجل إتقان الفنون القتالية الصينية، لا بد من فهم الثقافة والفلسفة الصينية الكامنة وراءها”.

وأضاف “كما يقول المثل العربي: اطلبوا العلم ولو في الصين، الأمر ينطبق على الكونغ فو أيضا”.

وفي عام 2011، انطلق برهان إلى مقاطعة خنان الصينية لتحقيق حلمه في رياضة الكونغ فو الصينية، ووفرت هذه الرحلة لبرهان تدريبا محترفا شاملا وفهما أعمق للمنطق الثقافي والروح الفلسفية وراء أنماط الكونغ فو الصينية المختلفة.

واعتبر برهان أن “كل حركة في الكونغ فو تجسد جوهر الفلسفة الصينية القديمة”.

وعلى مدى السنوات التالية، عاد برهان إلى الصين عدة مرات لتلقي التدريبات المتعمقة، وفي عام 2017، أسس نادي شاولين كونغ فو في السليمانية، حيث لا يقوم بتعليم الكونغ فو الصيني فحسب، بل يقدم الثقافة الصينية للعراقيين أيضا.

قوة ونبل
قوة ونبل

ومنذ ذلك الوقت، شارك أكثر من 3000 من عشاق الكونغ فو العراقيين في النادي، من بينهم الأطفال وحتى كبار السن.

وقال مدرب شاولين كونغ فو “تلقى أكثر من عشرة آلاف طالب تدريبهم وتخرجوا من المركز. حاليا لدينا ما يزيد عن 1400 طالب وطالبة يتلقون تدريبهم في مناوبات. هذا الفن شائع جدا لاسيما بين النساء والفتيات. شاولين كونغ فو يسهم في تحسين الصحة البدنية والعقلية وإطالة العمر”.

ولا يحقق المركز أرباحا وقال مالكه ومديره إن ذلك دفعه إلى أن ينفق عليه من ماله الخاص في ظل غياب أي دعم له من أي جهة.

وأضاف برهان “لأنه فن صيني فإنه يتطلب أسلحة وملابس لا يمكن أن نجدها في إيران وتركيا أو دول أخرى مجاورة.. لذا لزم عليّ أن أجلبها من الصين. في البداية كان الأمر صعبا نسبيا لي لأنه يحتاج إلى الكثير من المال. ومع ذلك نجحت في تطوير المركز على مر السنين بدون مساعدة أي طرف سواء اللجنة الأولمبية أو حكومة كردستان. كان الأمر صعبا بالفعل إلى درجة أني اضطررت في بعض الأحيان إلى أن أبيع بعض ممتلكاتي الثمينة لتوفير التمويل للمركز”.

وقال سوران خفاف، وهو عاشق للكونغ فو الصيني يبلغ عمره 59 عاما، إنه بدأ تعلم الكونغ فو قبل 15 عاما، ما جعله يدرك أن جوهر هذه الرياضة لا يركز على القتال فحسب، بل أيضا يهتم أكثر بتحدي المخاوف الداخلية للمرء.

وتابع “حصلت على فهم أعمق وأشمل للثقافة الصينية عن طريق تعلم الكونغ فو، والهدف الحقيقي لممارسة الكونغ فو ليس السيطرة على الآخرين أو ظلمهم، بل تنمية الثقة بالنفس والاستقلال الشخصي وأخلاق التسامح”.

Thumbnail

ووفقا لسوران، فإن هذا الأمر يتماشى مع الفلسفة الصينية التقليدية وصورة الصين على الساحة الدولية.

وأوضح طالب يُدعى أحمد ماجد أن التدريب ساعده في زيادة ثقته بنفسه وأهله للدفاع عن نفسه إذا تعرض لاعتداء.

وقال “كان صعبا عليّ في البداية لكني تمرنت كثيرا واعتدت الأمر. وحاليا أشعر بأن صحتي على ما يرام تماما بفضل هذه اللعبة التي اخترتها لأني لا أحب أن أتعارك مع الناس. لكن بمقدوري الدفاع عن نفسي بها لأن علينا ألا نمارسها بطريقة هجومية. تتطلب منا وتُعلمنا أن نمارسها بطريقة دفاعية”.

أما دانيال باهادين (17 عاما) فيقول إنه تعلم الانضباط والمثابرة من الكونغ فو.

وولد دانيال في شنتشن الصينية وعاش في الصين لمدة خمس سنوات قبل العودة إلى العراق مع والديه. وقال “أبحث دائما عن طرق لإعادة التواصل مع ذكرياتي عن الصين، حتى وجدت هذا النادي للكونغ فو”.

وأضاف أن “النادي ربطني بالصين مرة أخرى وتعلمت الانضباط النفسي والمثابرة عبر تعلم الكونغ فو الصيني”.

ويشعر برهان بالسعادة وهو يرى أن الكثير من العراقيين قد طوروا اهتماما قويا بالتنمية والثقافة الصينيتين من خلال تعلم الكونغ فو.

وبالنسبة لبرهان، فإن الكونغ فو الصيني ليس مجرد جسر يربط العراق بالصين فحسب، بل هو نافذة بنسبة للعراقيين لفهم الثقافة الصينية بشكل أفضل أيضا.

وأكد برهان أن “ممارسة الكونغ فو تساعد على تقوية الجسم، وفي الوقت نفسه تقرب بين قلوب الشعب الصيني والعراقي أيضا. وعلى الرغم من المسافة البعيدة، أصبحت الصين والعراق أقرب وأكثر تفاهما بفضل التبادلات الثقافية”.

16