روسيا وأوكرانيا: مسيراتنا الذكية تحارب مسيراتكم الذكية

كييف - يقترب العالم من المستقبل القاتم الذي تصطاد فيه أسراب الطائرات المسيرة القاتلة أهدافا بشرية. لكن الطائرات المستقلة التي تعتمد تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي تبقى تقنية بعيدة المنال، في ساحات القتال في أوكرانيا على الأقل.
وصرّحت فيكتوريا كوفالتشوك، المتحدثة باسم برايف 1، وهي منظمة حكومية أوكرانية تشارك في تطوير أسلحة الذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات العسكرية، أن "مشكلة التحديد الصحيح لأهداف العدو بالطائرات دون طيار لا تزال قائمة".
وجاء في تقرير لموقع أويل برايس الأميركي نقلا عن إذاعة أوروبا الحرة أن الغزو الروسي لأوكرانيا غذّى التقدم السريع في تكنولوجيا الطائرات المسيرة التي مكنت المروحيات الرباعية الرخيصة الحاملة للقنابل من تدمير أهداف تبلغ قيمتها ملايين الدولارات. ولكن التدابير الدفاعية تبدو متفوقة في سباق التسلح بين الطائرات دون طيار وأجهزة التشويش اللاسلكية التي تقطع الإشارة بين الطائرة المسيرة ووحدة التحكم الخاصة التي توجهها.
ويقال إن طياري الطائرات دون طيار الأوكرانيين يفقدون الآلاف من مسيراتهم شهريا بسبب أجهزة التشويش الروسية. ويشير استخدام روسيا مؤخرا لطائرة دون طيار موجهة سلكيا إلى أن الجيش الغازي يكافح للتغلب على أنظمة الحرب الإلكترونية أيضا.
ويركز بعض المطورين في أوكرانيا على أنظمة الطائرات المسيرة التي تسمح لطيار واحد بقيادة طائرات متعددة كجسم واحد. لكن كوفالتشوك ذكرت أن أولوية مطوري الطائرات دون طيار الأوكرانيين القصوى تكمن في “تقليل تأثير الحرب الإلكترونية".
◙ الصين والولايات المتحدة تتسابقان لبناء جيوش من الطائرات المسيرة التي من المحتمل أن تلعب دورا مهما في أي صراع مستقبلي
وأخبرت إذاعة أوروبا الحرة أن “الطائرات دون طيار المجهزة بوحدات استهداف بمساعدة الذكاء الاصطناعي لا تتطلب اتصالا بالمشغل خلال مرحلة الاشتباك. يحدد المشغل الهدف، ثم يتولى الذكاء الاصطناعي عملية الاستهداف بشكل مستقل، مما يجعله محصنا ضد تدخل العدو إلكترونيا”.
ويمكن أن تتجاوز هذه الطائرات شبه المستقلة التشويش، حيث يقطع نظام التتبع بالذكاء الاصطناعي إشارة الراديو الضعيفة بين الطائرة ووحدة التحكم، ويتخذ “قراراته” الخاصة، فيما يبقى الكشف البصري مهما.
ويحتمل أن تحتاج الطائرات دون طيار المزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لذلك إلى تحديث أنظمة الكاميرا بشكل يتجاوز بالجيل الحالي من الطائرات الانتحارية التي تعتمدها كل من أوكرانيا وروسيا. ومن شأن هذا أن يضيف تكاليف تقوض ميزة الطائرات الانتحارية المسيرة الرئيسية، فهي تُعرف بسعرها المنخفض.
كما ذكرت كوفالتشوك أن “تركيب وحدة الذكاء الاصطناعي يزيد من تكلفة الطائرة دون طيار، مما يعقد عملية التوسع والإنتاج الضخم. وتبقى هذه نقطة مهمة خاصة في حالة أوكرانيا، التي لا تتمتع بموارد غير محدودة. ويسعى المصنعون المحليون لذلك لتقليل تكلفة هذه المسيرات”. ويبدو في الأثناء أن أنظمة الاستهداف الآلي البسيطة نسبيا تواجه تحديات على الجانب الروسي أيضا.
وتظهر مقاطع فيديو انتشرت مؤخرا أن مسيري الطائرات دون طيار الانتحارية الروسية يلجؤون على ما يبدو إلى تعطيل برنامج تتبع ويخضعونها للتحكم البشري. ويبدو أن احتمال حدوث خطأ كارثي، خاصة في المسيرات الذكية المستقلة كلّيا، يمثل عقبة كبيرة.
وقال مايكل بويل، الأستاذ المساعد في جامعة روتجرز بولاية نيوجيرسي الأميركية ومؤلف كتاب عن حرب الطائرات دون طيار “غالبا ما يجادل مصنعو هذه المسيرات بأنها آمنة لأن البرنامج يمكن أن يميز المدنيين جيدا. لكننا نجد عبر الكثير من المعلومات المستمدة من الولايات المتحدة… والحرب في أوكرانيا أن هذا ليس هو الحال دائما".
◙ الولايات المتحدة تولي اهتماما دقيقا لاستخدام الطائرات دون طيار في أوكرانيا وتستثمر الكثير في إنتاج طرازات صغيرة ورخيصة
وتوفرت ميزات التتبع لعدة سنوات في المروحيات الرباعية التي تسمح لطيار المسيرات بتحديد جسم ما مثل السيارة بلمسة إصبع على شاشة وحدة التحكم. لكن تتبع سيارة رياضية يعد أسهل من تحديد أهداف مموهة ومراوغة في منطقة حرب مليئة بالدخان بطائرة مسيرة ستنفجر على أي شيء تصيبه.
وأكد بويل أن خطرا آخر يكمن في القرصنة. وأضاف “إذا شن العدو هجمات بالذخائر المتسكعة بالنيران الصديقة عن طريق اختراق إشاراتها أو انتحالها، فإن مخاطر استخدام هذه الطائرات دون طيار سترتفع بشكل كبير وقد نجد الجنود أكثر ترددا في استخدامها". وبعيدا عن ساحات القتال في أوكرانيا، يُعتقد أن الصين والولايات المتحدة تتسابقان لبناء جيوش من الطائرات المسيرة التي من المحتمل أن تلعب دورا مهما في أي صراع مستقبلي.
وتهيمن الصين على سوق المسيرات العالمي بفضل شركة دي جايهآي المصنعة في شينزين. وبقيت الشركة في صدارة المنافسة في كل من الميزات والمبيعات منذ إطلاق أول مروحية رباعية في 2013. وتفتخر اليوم بكونها تسيطر كليا على حوالي 70 في المئة من سوق الطائرات دون طيار في العالم.
ونفت الشركة صلتها بالجيش الصيني. لكن المحللين يشيرون إلى استثمارات كبيرة من بكين كدليل على أن للدولة الاستبدادية يد في عمليات المؤسسة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات. ويرى بويل أنه “من الواضح” أن بكين تطور “أسرابا من الطائرات دون طيار لمهاجمة السفن في صراع محتمل على تايوان".
وأضاف خبير المسيرات أن “الولايات المتحدة تولي اهتماما دقيقا لاستخدام الطائرات دون طيار في أوكرانيا وتستثمر الكثير في إنتاج طرازات صغيرة ورخيصة يمكن التخلص منها. وأصبحت أكثر ثقة في أن الحروب المستقبلية ستكون سريعة بعاصفة من الطائرات الصغيرة دون طيار”.