روسيا عصيّة دوما على الألمان

عادة ما يخلد التاريخ الإنجازات والنجاحات، غالبا ما يتم تخليد كل فائز ومتألق عظيم، أما الذاكرة المشتركة فلا تحفظ في معظم الأحيان سوى الأثر الطيب وتحتفي بالغانمين الفائزين إذ لا مكان للفاشلين الخاسرين.
لكن في بعض المرات، يكون لدوي السقوط صدى أقوى بكثير من كل شيء، ففي كثير من الأحيان يزهر النبات في أرض جدباء، وتزدهر حضارة على بقايا أخرى، لا شيء أحيانا أفضل من أطلال تعلن نهاية حقبة وتؤسس لحقبة أخرى أكثر قوة وتأثيرا.
كل هذا الكلام قد ينطبق جليا على التجربة الألمانية في الأراضي الروسية، فما أشبه اليوم بالأمس، وما أشبه مصير ألمانيا “النازية” بمصير منتخب “المانشافت”، قطعا ليس هناك أي رابط بين الحاكم الألماني النازي والمنتخب الألماني سوى في تشابه تفاصيل “السقطة” ومكان وقوعها.
فالأرض الروسية شاهدة في السابق والحاضر على السقوط الألماني، شاهدة تاريخيا قبل حوالي ثمانية عقود على نهاية حقبة حكم الزعيم النازي المتغطرس هتلر، وشاهدة اليوم على سقوط أبطال العالم من السماء إلى العوالم السفلية.
ما حصل زمن الحرب العالمية الثانية يشبه في بعض تفاصيله رغم قناعتنا بأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مصادفة بما حصل للمنتخب الألماني خلال المونديال الروسي.
ففي سنة 1942 قرر الزعيم النازي أدولف هتلر وهو الفائز المؤقت في بعض المعارك خلال سعيه “المزعوم” لفرض سيطرته على العالم أن يتوجه بجيش “جرار” إلى الأراضي السوفياتية، بدأت معركة ستالينغراد الشهيرة، استمرت طيلة 6 أشهر، حوصر خلالها الجيش الألماني وتكبد هتلر شر هزيمة غيرت مسار التاريخ وساهمت في خسارته الحرب، لينتهي بذلك زمن “مقيت” عانى خلاله العالم من “شرور” وأطماع حاكم ديكتاتوري مستبد.
لقد كانت حربه الروسية علامة فارقة في تحديد مصير هذه الحرب “المشؤومة”، كانت الأرض الروسية بقسوة مناخها وصعوبتها عصية للغاية على ذلك الجيش “النازي”، كانت عصية على ألمانيا النازية.
تطهرت ألمانيا نهائيا من كل أثار حاكمها السابق المستبد، عادت للحياة أقوى بكثير تصالحت مع نفسها ومع محيطها، لتشهد صحوة لافتة شملت كل القطاعات، حتى باتت قوة عظمى في زمننا الراهن.
ودون أي تردد أو شك فإن ألمانيا غدت أيضا من بين القوى الرهيبة في كرة القدم، تألقت بشكل لافت في عدة دورات من بطولات العالم، حازت اللقب المونديالي في أربع مناسبات كان آخرها في الدورة الأخيرة بالبرازيل.
أربع سنوات انقضت على احتفالها باللقب العالمي بعد أن فرضت هيمنتها و”احتلت” العالم بفضل عروض رائعة ومقنعة، لقد استحقت عن جدارة الحصول على كأس العالم، قبل أن يتجدد الموعد مع “حرب” جديدة، وأي حرب سيخوضها منتخب “المانشافت” على الأراضي الروسية؟؟.
كان الهدف الأساسي لهذا المنتخب هو الظهور بثوب البطل والدفاع عن اللقب العالمي، كان الأمل يحدو الجميع لتحقيق نتائج لافتة، لكن مرة أخرى استعصت روسيا على الألمان، كانت بمثابة “أرض الموت”، تسقط ضحاياها وتنهي مسيرتهم بحسم وحزم.
كان مصير المنتخب الألماني مقترنا بذكرى معركة ستالينغراد، إذ لاح مترنحا ضعيفا غير قادر على الصمود أو النهوض، فانتهت رحلته سريعا في روسيا، انتهت بشكل درامي ومفاجئ وصادم، حتى أشد المتشائمين من مناصري هذا المنتخب لم يتوقعوا هذا السقوط والخروج السريع.
فلأول مرة في تاريخ مشاركات منتخب “الماكينات” يحصل الخروج من منافسات المونديال منذ الدور الأول، لقد سار هذا المنتخب على خطى منتخبات أخرى حصلت على اللقب العالمي قبل أن تغادر السباق منذ الدور الأول في الدورة الموالية، حصل هذا الأمر مع فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، قبل أن يأتي الدور على ألمانيا التي لم يكن لها العتاد كي تصمد في روسيا تماما مثل حصل في معركة ستالينغراد.