روسيا تُوجه أجندة الأمم المتحدة في معالجة أزمات العالم

لا تحرك أميركيا للتصدي لهيمنة موسكو على الأمم المتحدة.
الجمعة 2022/02/04
روسيا بوتين تمسك بزمام المبادرة في الأمم المتحدة

تُمسك روسيا بزمام المبادرة فعليا في الأمم المتحدة رغم كون مساهمتها في هذه المنظمة أقل بكثير من مساهمة الفاعلين البارزين على الساحة الدولية على غرار الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، حيث تعمد موسكو إلى عرقلة بعض المناقشات أحياناً فيما تلجأ إلى حق النقض (الفيتو) أحيانا أخرى لتعطيل صدور قرارات لا تصب في مصلحتها.

نيويورك (الولايات المتحدة) - تُسلط الأزمة الأوكرانية المتصاعدة بين الغرب وروسيا الضوء على توجيه موسكو قرارات منظمة الأمم المتحدة وسط عدم تحرك واضح من قبل الولايات المتحدة التي يواجه رئيسها جو بايدن انتقادات لاذعة بشأن طريقة التعاطي مع المشكلات التي تسببها روسيا.

وتلعب روسيا دورا بارزا على  الساحة الدولية اليوم، حيث تشكل طرفا رئيسيا في كل الأزمات التي تشهدها كل من أوكرانيا وسوريا وليبيا والسودان ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، ويبدو منافسوها عاجزين عن التصدي لنفوذها المتنامي في تلك المناطق.

بالرغم من كونها لا تتمتع بثقل على الساحة الاقتصادية العالمية وضُعف مساهمتها المالية في منظمة الأمم المتحدة -وهي أقل بكثير من مساهمة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين - أصبحت روسيا المتحكم الرئيسي في اتجاهات مجلس الأمن الدولي، وهو ما يثير التساؤل عن أسباب ذلك.

ويقول ريتشارد غوان المتخصص في شؤون الأمم المتحدة في نيويورك لدى مجموعة الأزمات الدولية إن “القوة الأكبر في يد روسيا هي أنها لا تشعر بأي خجل من نسف الدبلوماسية في الأمم المتحدة حين تشاء نسفها".

وأضاف غوان "على عكس الصين التي تحاول دوما تجنب الانخراط في معارك كبرى في نيويورك، تستخدم روسيا حق النقض (فيتو) في مجلس الأمن رغم أنها تهين غالبية الدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة".

نسف الدبلوماسية

رؤية منفردة بالقرار
رؤية منفردة بالقرار 

في الأشهر الماضية استخدم الروس هذا النهج في عدة مجالات، وغالبا ما كانوا يوجهون النقاشات أو المفاوضات توجيها نهائيا في الاتجاه الذي يريدونه.

برتران بادي: روسيا تعاني من عجز في القوة السريعة يجعل دورها غير أكيد

ويقول برتران بادي أستاذ العلاقات الدولية في باريس إن "روسيا تعاني من عجز في القوة السريعة والهائلة ما يجعل دورها الدولي غير أكيد”، مضيفا أن من نتائج الحرب الباردة "اختفاء فعل التوازن الذي كان سائدا في السابق، لصالح عدم تناسق كبير".

والاثنين لم تتمكن موسكو من منع انعقاد اجتماع لمجلس الأمن بشأن الأزمة حول أوكرانيا بعدما صوتت عشر دول من أصل 15 لصالح عقد الجلسة. لكن هذه الدول لم تظهر كجبهة دولية موحدة في مواجهة روسيا، كما أن تبادل

الانتقادات الأميركية – الروسية سلط الضوء على الشلل المتكرر في الكثير من الأحيان للهيئة المكلفة بصون السلم والأمن الدوليّين.

وفي ديسمبر استخدمت روسيا حق النقض ضد قرار ينشئ للمرة الأولى صلة بين الأمن الدولي والاحترار المناخي.

وفي خطوة لافتة لم تقم الصين بالمثل وفضلت الامتناع عن التصويت. والاثنين الماضي دفع التهديد باستخدام فيتو روسي -هذه المرة حول الملف الليبي- بالأمم المتحدة إلى تمديد مهمتها في طرابلس لمدة ثلاثة أشهر فقط عبر دمج مطالبة روسيا باستبدال المستشارة الأميركية لدى الأمم المتحدة بمبعوث جديد قريبا.

في بعض الأحيان تجد روسيا نفسها منعزلة في مجلس الأمن من خلال استعمال حق النقض، ما يثير تساؤلات جديّة عن تداعيات ذلك على الدبلوماسية التي تنتهجها موسكو، غير أن دبلوماسيا شدد على أن الشعور بالعزلة لا يزعج الروس قائلا "هم لا يكترثون".

واستخدام روسيا حق النقض ليس جديدا؛ ففي الشأن السوري استخدمته موسكو 15 مرة منذ 2011.

استراتيجية عقائدية

اطمئن لا خوف علينا
اطمئن لا خوف علينا 

يعتبر دور روسيا المحوري في عدد من الملفات -بما في ذلك الملفات الهامشية- لافتا؛ فموسكو تعرقل منذ أغسطس عمل مجموعة من الخبراء الذين يراقبون حظر الأسلحة على جمهورية أفريقيا الوسطى بدافع أن جنسياتهم لا تتيح لهم أن يكونوا محايدين.

وبالنسبة إلى العديد من السفراء الغربيين -الذين طلبوا عدم كشف هوياتهم- يدلّ التدخل في كل مكان دبلوماسيا وعسكريا بواسطة مرتزقة من مجموعة فاغنر الروسية -كما هو الحال في أوكرانيا أو في أفريقيا (ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وموزمبيق..)- على استراتيجية "عقائدية" و"مسيسة جدا" و"مثيرة للإرباك" عمدا.

لكن موسكو تنفي أن تكون تسعى دوما للمواجهة على الساحة الدولية أو في كواليس المفاوضات الدبلوماسية في مجلس الأمن.

ريتشارد غوان: قوة روسيا تكمن في أنها لا تشعر بالخجل من نسف الدبلوماسية

وقال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبنزيا الثلاثاء خلال مؤتمر صحافي “نرغب في رؤية تعاون مع الولايات المتحدة حول مجموعة أوسع من الأمور”، مضيفا “لم نختر حصر هذا التعاون في المجالات الوحيدة التي لدينا فيها مصالح مشتركة أو حيث للولايات المتحدة مصالحها الخاصة".

وأشاد الدبلوماسي الروسي -الذي يتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن في فبراير، وهو ما سيشكل تعزيزا لأجندة موسكو- بالملفات التي يتعاون فيها البلدان مثل ملفيْ إيران  وأفغانستان.

وفي مواجهة موسكو لم تعد الولايات المتحدة الأميركية تقوم بمبادرات في الأمم المتحدة لمواجهة القوة والتحركات الروسية.

وبحسب برتران بادي لدى الأميركيين “مصلحة كبرى أيضا في اعتماد النهج نفسه” مثل روسيا رغم أنه قد يكون “من الخطير اعتماد نهج بال كان سائدا” خلال الحرب الباردة.

وقال بادي "بعد سلسلة من النكسات الكبرى” منذ سقوط جدار برلين عام 1989 (الصومال والعراق وأفغانستان وسوريا وإيران وفنزويلا والصين..)، تحتاج الولايات المتحدة "إلى استعادة مصداقيتها كقوة عظمى أو حتى قوة فائقة" في مواجهة روسيا ذات "الإمكانات المحدودة"، وتسعى لأن تظهر بأن "واشنطن لا تزال تمتلك قوة".

7