روسيا تسعى لتعويض خسارتها السياسية في سوريا بأرباح نفطية

موسكو تعمل على إحياء خطة التعاون في مجال الطاقة مع الحكومة السورية الجديدة.
الجمعة 2025/02/07
موارد كامنة

ترى روسيا في بوابة إحياء المشاريع النفطية في سوريا منفذا لتعويض خسائرها السياسية بعد سقوط بشار الأسد. ولهذا تسعى موسكو إلى إحياء مشاريع الطاقة المعطلة.

موسكو - يرجح محللون أن تسعى روسيا إلى تعويض خسائرها السياسية في سوريا بأرباح نفطية من خلال إحياء قطاعات النفط والغاز المهمة في البلاد.

وأصدرت حكومة تصريف الأعمال السورية الجديدة مناقصات علنية لتطوير قطاع النفط والمنتجات النفطية إثر سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر.

وقال وزير النفط غياث دياب إن بلاده تريد استئناف أنشطة التنقيب والإنتاج الرئيسية لعملياتها النفطية والغازية. وتتمتع سوريا التي تقع في قلب الشرق الأوسط بأهمية جيوسياسية حيوية بساحلها الطويل الممتد على البحر المتوسط. وتشتد بالفعل لذلك المنافسة بين القوى العالمية الكبرى لتأسيس موطئ قدم قوي في نظام الدولة السياسي الجديد.

وكانت روسيا أول من نظمت زيارة رسمية رفيعة المستوى إلى سوريا، حيث وصل نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف إلى دمشق في الثامن والعشرين من يناير، والتقى الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني ووزير الصحة ماهر الشرع.

موسكو حريصة على الوقوف إلى جانب الشرع نظرا لكون سوريا مجال حيوي لمصلحتها الإستراتيجية

وكان أحمد الشرع على رأس الجماعة الإسلامية المتطرفة هيئة تحرير الشام التي قادت الإطاحة النهائية بالأسد بسرعة كبيرة. وحارب في صفوف تنظيم القاعدة في العراق لمدة ثلاث سنوات من 2003 ثم أسس جبهة النصرة الإسلامية المتطرفة في 2012، بعد أن سجنته الولايات المتحدة من 2006 إلى 2011.

ولا تزال وزارة الخارجية الأميركية تعتبره “إرهابيا عالميا مصنفا بشكل خاص” وخصصت في السابق مكافأة قدرها 10 ملايين دولار مقابل المعلومات التي تمكّن من القبض عليه.

وعُقد اجتماع في ديسمبر 2024 بين الشرع ووفد أميركي برئاسة مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، تقرر إثره إلغاء المكافأة.

وذكر بيان صحفي صادر عن وزارة الخارجية الروسية أن الاجتماع الأخير بين بوغدانوف والشرع ركز على “دعم موسكو الثابت لوحدة الجمهورية العربية السورية وسلامتها الإقليمية وسيادتها”. وأضاف البيان أن الطرفين “اتفقا على مواصلة الاتصالات الثنائية لتحقيق تفاهمات تعزز العلاقات متعددة الأبعاد والتفاهم المتبادل بين موسكو ودمشق، بما في ذلك الجوانب المتعلقة بالسياسة الخارجية”.

وليس من المفاجئ أن تكون موسكو حريصة على الوقوف إلى جانب الشرع نظرا لكون سوريا نقطة حيوية لمصلحتها الإستراتيجية الرئيسية لثلاثة أسباب رئيسية؛ أولها أن البلاد تبقى أكبر دولة على الجانب الغربي من هلال القوة الشيعي التي كانت روسيا تعمل على تطويره لسنوات ليكون وزنا مقابلا لمجال نفوذ الولايات المتحدة الذي تركز على المملكة العربية السعودية (إمدادات الهيدروكربونات) وإسرائيل (الأصول العسكرية والاستخباراتية).

وثانيها أن للبلاد ساحلا طويلا على البحر المتوسط يمكن لروسيا أن ترسل منه منتجات النفط والغاز (التي تخصها هي أو أحد حلفائها، وأهمهم إيران) بهدف تصديرها إما إلى مراكز النفط والغاز الرئيسية في تركيا واليونان وإيطاليا أو إلى شمال أفريقيا وغربها وشرقها.

وثالثها كون سوريا مركزا عسكريا واستخباراتيا حيويا للكرملين، مع قاعدة بحرية رئيسية (طرطوس – والميناء الروسي الوحيد في البحر المتوسط)، وقاعدة جوية رئيسية (حميميم)، ومحطة تنصت رئيسية (خارج اللاذقية مباشرة).

وكانت روسيا قد خططت لجعل علاقة التعامل مع الدولة السورية الموالية لها تحقق التوازن الذاتي بعد إحياء قطاعي النفط والغاز المهمين سابقا في البلاد، والتي من شأنها أن تمول نفسها بشكل فعال بمجرد تشغيلهما بكامل طاقتهما مرة أخرى.

منشآت الطاقة السورية في مرمى المطامع الروسية
منشآت الطاقة السورية في مرمى المطامع الروسية

وكانت البلاد تنتج حوالي 400 ألف برميل يوميا من النفط الخام من احتياطيات مؤكدة تبلغ 2.5 مليار برميل حين اندلعت الحرب الأهلية سنة 2011.

وقبل أن يتراجع التعافي بسبب الافتقار إلى تقنيات استخراج النفط المعززة المستخدمة في الحقول الرئيسية (تقع غالبا في الشرق بالقرب من الحدود مع العراق أو في وسط البلاد شرقي مدينة حمص)، كانت سوريا تنتج حوالي 600 ألف برميل يوميا.

وشهدت الفترة التي كانت خلالها أكبر حقول الإنتاج (بما في ذلك في منطقة دير الزور، وحقل العمر النفطي الأكبر في البلاد) تحت سيطرة داعش انخفاض إنتاج النفط الخام والمكثفات إلى حوالي 25 ألف برميل يوميا قبل أن يتعافى مرة أخرى.

واستوردت أوروبا ما لا يقل عن 3 مليارات دولار من النفط سنويا من سوريا حتى بداية 2011، وعُدّلت العديد من المصافي الأوروبية لمعالجة النفط الخام السويدي الثقيل الذي يشكل نسبة كبيرة من إنتاج سوريا. وضُخّ جل هذا (حوالي 150 ألف برميل يوميا) إلى ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، بعد انطلاقه من واحدة من محطات التصدير الثلاث في سوريا المطلة على البحر المتوسط (بانياس وطرطوس واللاذقية). وكان قطاع الغاز في سوريا نابضا بالحياة كقطاع النفط، ولم يتضرر بنفس القدر خلال سنوات الصراع القليلة الأولى.

وأنتجت سوريا، التي تمتلك احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي تبلغ 8.5 تريليون قدم مكعبة، حوالي 316 مليار قدم مكعبة يوميا من الغاز الطبيعي الجاف خلال 2010، التي كانت السنة الأخيرة التي شهدت ظروف تشغيل عادية. كما أن عمليات مشروع منطقة الغاز الجنوبية الوسطى، الذي نفذته شركة ستروي ترانس غاز الروسية، انطلقت في 2009 وأدت إلى زيادة كبيرة في إنتاج الغاز الطبيعي في سوريا.

وارتفع إنتاج الغاز الطبيعي في سوريا بنحو 40 في المئة بحلول مطلع 2011. ومكّن هذا صادرات سوريا من النفط والغاز مجتمعة من تمثيل ربع الإيرادات الحكومية خلال تلك الفترة، وجعل البلاد أكبر منتج للنفط والغاز في شرق البحر المتوسط حينها.

وشهد شهر نوفمبر 2017 التوقيع على نسخة محدثة من خطة التعاون الروسية – السورية الأصلية لسنة 2015. وشملت الاتفاقية ترميم ما لا يقل عن 40 منشأة للطاقة في سوريا، مثل حقول النفط البحرية، كما غطت العديد من المشاريع الإضافية.

وكان التركيز في البداية على توسيع قطاع الطاقة، وفقا للخطة الموقعة بين وزير الكهرباء السوري آنذاك محمد زهير خربوطلي ووزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك.

وشمل الاتفاق إعادة إعمار محطة حلب الحرارية بالكامل، وتركيب محطة كهرباء دير الزور، وتوسيع قدرة محطتي محردة وتشرين. وكان الهدف هو تنشيط شبكة الكهرباء السورية وإعادة مركز التحكم الرئيسي للشبكة في دمشق.

ويتماشى هذا مع التصريحات التي صدرت في منتصف ديسمبر 2017 عن نائب رئيس الوزراء الروسي آنذاك دميتري روغوزين، بعد مناقشات مع الرئيس السوري السابق بشار الأسد، والتي قال فيها “سوف تكون روسيا الدولة الوحيدة المشاركة في إعادة بناء منشآت الطاقة السورية.”

بنية تحتية مهترئة
بنية تحتية مهترئة

وبالإضافة إلى مشاريع محطات الطاقة الأربعة المستهدفة بالتحسين كأولوية، شمل مشروع البنية التحتية الرئيسي إصلاحا شاملا وتحديثا لتعزيز قدرة مصفاة النفط في حمص، وكانت المصفاة السورية الأخرى في ذلك الوقت تقع في بانياس.

وقد قادت مجموعة مابنا الإيرانية وشركات روسية التنفيذ العملي للمشروع، مع تحديد القدرة الأولية المستهدفة عند 140 ألف برميل يوميا.

وكان الهدف من المرحلة الثانية هو الوصول إلى قدرة 240 ألف برميل يوميا، في حين تهدف المرحلة الثالثة إلى بلوغ 360 ألف برميل يوميا. كما تضمنت الخطة إمكانية تكرير النفط الإيراني المنقول عبر العراق إذا لزم الأمر، قبل شحنه إلى جنوب أوروبا.

ويقول المحلل الاقتصادي سايمون واتكينز في تقرير نشره موقع أويل برايس الأميركي إن هذه هي الخطة الشاملة متعددة المستويات للتعاون في المجال الطاقي والعسكري والسياسي التي تسعى روسيا إلى إعادة تأسيسها مع الحكومة الجديدة.

وتشمل دوافع الولايات المتحدة وحلفائها تقويض طموحات روسيا الإستراتيجية. ويعدّ هذا لوحده مقنعا في ديناميكيات سياسات القوى العظمى التنافسية. وتعمل هذه الأطراف لذلك على تطوير أجندتها الخاصة للبلاد، بما يتعارض مباشرة مع أهداف موسكو.

وكما أبرز الاجتماع الذي عُقد في ديسمبر بين الوفد الأميركي والشرع، أبلغت العديد من مصادر الأمن والطاقة رفيعة المستوى في واشنطن ولندن وبروكسل بعد فترة وجيزة من الإطاحة بنظام الأسد بأن النجاح غير المتوقع وغير المفسر للمتمردين السوريين، بقيادة هيئة تحرير الشام، ارتبط بشكل كبير بزيادة كبيرة في الدعم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وكشف مصدر أمني رفيع المستوى داخل الاتحاد الأوروبي أن الولايات المتحدة أرادت أن تدرك القيادة في موسكو وطهران أنها تتمتع بالقدرة على إعادة رسم الحدود وهيكلة الأنظمة في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية إذا اختارت ذلك.

وأضاف المصدر “مع رحيل الأسد الآن، لا أتوقع أن تقف الولايات المتحدة جانبا وتسمح لأي شخص آخر بالاستفادة من هذا الوضع. وإذا انطلقت إدارة عملية إعادة الإعمار بشكل تدريجي وشامل، بإشراك الجماعات المتمردة الرئيسية السابقة في سوريا، فمن المحتمل أن تكون النتيجة أكثر إيجابية مما رأيناه في أجزاء أخرى من المنطقة.”

7