روبوتات المحادثة معالج نفسي.. هناك أكثر من داع للقلق

المرضى النفسيون يهجرون العيادات ويلجأون إلى برامج الدردشة.
الجمعة 2023/06/23
تعاطف يختلف عن التعاطف البشري الحقيقي

إذا كانت زيارة عيادة الطبيب النفسي تسبب لك الإحراج أو لا تستطيع تحمل كلفة الزيارة، هذا الخبر سيسعدك حقا، روبوتات الدردشة تستبدل المعالجين النفسيين ولكن ليس دون ثمن، تدفعه بتقديم معلوماتك الشخصية.

كيم هاريسبرغ وآدم سميث

صُدمت مستشارة الصحة النفسية نيكول دويل عندما أعلن رئيس الجمعية الوطنية الأميركية لاضطرابات الأكل خلال اجتماع للموظفين أن المجموعة ستستبدل خط المساعدة ببرنامج دردشة آلي. وبعد أيام قليلة من إلغاء الخط، تقرر إيقاف الروبوت المسمى تيسا لتقديمه نصائح ضارة للأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية.

وقالت دويل التي تبلغ من العمر 33 سنة، وهي واحدة من خمسة عاملين سُرّحوا في مارس بعد حوالي سنة من إطلاق برنامج الدردشة الآلي، إن تيسا “كانت تقدم نصائح لإنقاص الوزن لأشخاص أخبروها أنهم يعانون من اضطراب في الأكل. وعلى الرغم من أن تيسا نجحت في محاكاة التعاطف، إلا أنه تعاطف يختلف عن التعاطف البشري الحقيقي”.

وقالت الجمعية الوطنية لاضطرابات الأكل إن البحوث التي جرت قبل إطلاق الروبوت بيّنت عدة نتائج إيجابية، وهم يحاولون حاليا فهم ما حدث بخصوص النصائح الخطيرة المُقدّمة ويدرسون خطواتهم التالية. ولم ترد الجمعية الوطنية لاضطرابات الأكل مباشرة على الأسئلة المتعلقة بتعويض المستشارين النفسيين، لكنها قالت في التعليقات المرسلة عبر البريد الإلكتروني إن برنامج الدردشة الآلي لم يكن مصمما ليستبدل خط المساعدة كليا.

وتزداد شعبية روبوتات الدردشة المخصصة للصحة النفسية التي تعتمد الذكاء الاصطناعي والمتوفرة في بلدان من الولايات المتحدة إلى جنوب أفريقيا. ويتواصل هذا الاتجاه رغم مخاوف خبراء التكنولوجيا بشأن خصوصية البيانات وأخلاقيات الاستشارات المُقدّمة.

يوهان ستاين: كوفيد سلط الضوء على الحاجة إلى العلاج عن بعد
يوهان ستاين: كوفيد سلط الضوء على الحاجة إلى العلاج عن بعد

الكلفة هي السبب

أدوات الصحة النفسية الرقمية ليست ظاهرة جديدة فهي بيننا منذ أكثر من عقد، ويوجد الآن أكثر من 40 روبوتا متخصصا للقيام بهذه المهمة على مستوى العالم، وفقا للمجلة الدولية للمعلوماتية الطبية.

ولجأ جوناه، وهو طالب أنثروبولوجيا من نيويورك، إلى العشرات من الأدوية النفسية وخطوط المساعدة المختلفة لمساعدته على التعامل مع اضطراب الوسواس القهري على مر السنين. وأضاف مؤخرا “تشات جي بي تي” إلى قائمة خدمات الدعم التي يعتمدها وأصبح مكملا لاستشاراته الأسبوعية مع طبيبه النفسي.

وفكر جوناه في الدردشة مع الروبوتات قبل اعتماد “تشات جي بي تي”، لأن هناك كما يقول “متنفّسا عبر الإنترنت على تويتر أو ديسكورد… بدا الأمر بديهيا نوعا ما”.

وذكر الشاب البالغ من العمر 22 عاما، الذي طلب استخدام اسم مستعار، أن “تشات جي بي تي” يقدم “نصيحة عامة”، لكنه مفيد “إذا كنت في عجلة وتحتاج إلى سماع نصيحة بدلا من القلق فقط”.

وجمعت الشركات الناشئة في مجال تكنولوجيا الصحة العقلية 1.6 مليار دولار من رأس المال الاستثماري اعتبارا من ديسمبر 2020، حين سلّط كوفيد – 19 الضوء على مشاكل الصحة العقلية.

وقال يوهان ستاين، وهو باحث في الذكاء الاصطناعي ومؤسس شركة “إيه آي فور بيزنس” للاستشارات التعليمية والإدارية في مجال الذكاء الاصطناعي، “سلّط كوفيد – 19 الضوء بشكل أكبر على الحاجة إلى المساعدة الطبية عن بعد”. ويقول المدافعون عن أهمية الصحة النفسية إن دعمها يمثل تحديا متزايدا في جميع أنحاء العالم.

وقدّرت منظمة الصحة العالمية أن مليار شخص في جميع أنحاء العالم كانوا يعيشون مع القلق والاكتئاب قبل الوباء، وأن 82 في المئة منهم موجودون في بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. وقالت إن الجائحة رفعت هذا العدد بنحو 27 في المئة. وتعدّ التكلفة عائقا رئيسيا للوصول إلى علاج الصحة النفسية. ويحذر الباحثون من أنه في حين أن القدرة على تحمل تكاليف العلاج بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون مغرية، يجب أن تكون شركات التكنولوجيا حذرة من الفوارق في الرعاية الصحية.

ميشا ريكوف: التطبيقات آلات تمتص البيانات تحت قناع المساعد
ميشا ريكوف: التطبيقات آلات تمتص البيانات تحت قناع المساعد

ويرى معهد بروكينغز أن الأشخاص غير المتصلين بالإنترنت يتعرضون لخطر التخلف عن الركب، وقد يتمتع المرضى من أصحاب التأمينات الصحية بزيارات علاج شخصية، بينما يُترك من ليس لديهم خيار أمام روبوت الدردشة الأرخص.

ولا تزال مخاوف الخصوصية تشكل خطرا كبيرا على المستخدمين رغم تزايد شعبية روبوتات المحادثة لدعم الصحة النفسية، وفق بحث نشرته مؤسسة موزيلا في مايو. ومن بين 32 تطبيقا للصحة العقلية، مثل توك سبيس وخدمة ووبوت وخدمة كالم، أظهر 28 تطبيقا مخاطر لا يستهان بها عندما تعلق الأمر “بإدارة بيانات المستخدم”، وفشل 25 تطبيقا في تلبية معايير الأمان. وسُلّط الضوء على ووبوت بشكل خاص لـ”مشاركته معلومات شخصية مع طرف ثالث”. وقالت إدارة ووبوت إنه بينما تروّج للتطبيق باستخدام إعلانات فيسبوك المستهدفة، فإنها “لا تشارك أيّ بيانات شخصية أو تبيعها لشركاء التسويق والإعلان”. وأكدت أنها تمنح المستخدمين خيار طلب حذف جميع بياناتهم.

ووصف ميشا ريكوف، الباحث في موزيلا، التطبيقات بأنها “آلات لامتصاص البيانات تحت قناع مساعد للصحة النفسية”. ويرى أنها تفتح إمكانية جمع بيانات المستخدمين من وسطاء التأمين والبيانات وشركات التواصل الاجتماعي.

وحذر خبراء الذكاء الاصطناعي من فقدان شركات العلاج الافتراضي لبيانات حساسة بسبب الاختراقات الإلكترونية.

ألون ليتس: باندا لا يستبدل الأشكال التقليدية للعلاج لكنه يعززها
ألون ليتس: باندا لا يستبدل الأشكال التقليدية للعلاج لكنه يعززها

وقال إليوت بندينيلي، كبير التقنيين في مجموعة الحقوق الخصوصية الدولية، إن”روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تواجه نفس مخاطر الخصوصية التي تواجهها برامج الدردشة التقليدية أو أيّ خدمة عبر الإنترنت تقبل معلومات شخصية من مستخدمين”.

ومن المقرر أن يطلق تطبيق الصحة النفسية باندا “رفيقا رقميا” في جنوب أفريقيا يعتمد الذكاء الاصطناعي للدردشة مع المستخدمين، وتقديم اقتراحات حول العلاجات المتوفرة، ومنح النتائج والأفكار (بموافقة المستخدمين) للمعالجين التقليديين الذين يمكن الوصول إليهم عبر التطبيق أيضا.

وقال ألون ليتس، وهو مؤسس باندا، “لا يستبدل الروبوت الأشكال التقليدية للعلاج ولكنه يعززها ويدعم الناس في حياتهم اليومية”. وذكر في التعليقات عبر البريد الإلكتروني أن باندا يشفر جميع النسخ الاحتياطية ويبقى الوصول إلى سجلّ محادثات الذكاء الاصطناعي محدودا.

ويأمل خبراء التكنولوجيا مثل يوهان ستاين أن يمكّن التنظيم الصارم من “حماية المستخدمين من ممارسات الذكاء الاصطناعي غير الأخلاقية، وتعزيز أمن البيانات، واحترام معايير الرعاية الصحية”. ويتسابق المشرعون في الاتحاد الأوروبي لتنظيم أدوات الذكاء الاصطناعي ودفع الصناعة إلى اعتماد مدونة لقواعد السلوك طوعيا من خلال تطوير قوانين جديدة.

أحكام مسبقة

قق

كان خيار عدم الكشف عن الهوية وفرص تجنب الأحكام المسبقة من أسباب لجوء أشخاص مثل مدير مخزن من بريطانيا، يدعى تيم ويبلغ من العمر 45 عاما، إلى “تشات جي بي تي” بدلا من المعالج البشري.

وقال تيم (اعتمد اسما مستعارا) الذي تحول إلى الروبوت لمواجهة وحدته المزمنة “أعلم أنه مجرد نموذج لغة كبير ولا يعرف كل شيء، ولكنه يسهّل عليّ التحدث عن المشاكل التي لا أخبر أيّ شخص آخر عنها”.

وتظهر الأبحاث أن التعاطف الذي تبديه روبوتات المحادثة يمكن أن يفوق تعاطف البشر. وقيّمت دراسة نشرتها مجلة غاما الأميركية للطب الباطني في 2023 إجابات الروبوت والطبيب على 195 سؤالا عشوائيا للمرضى من منتدى وسائل التواصل الاجتماعي.

وحظيت إجابات الروبوت بدرجات أعلى “بخصوص الجودة والتعاطف” مقارنة بإجابات الطبيب. واستنتج الباحثون أن “مساعدي الذكاء الاصطناعي قد يكونون قادرين على المساعدة في صياغة الردود على أسئلة المرضى”، وليس استبدال الأطباء كليا.

وقالت مستشارة الصحة النفسية نيكول دويل إن الروبوتات قد تحاكي التعاطف، لكن هذا ليس نفس التعاطف البشري الذي يتوق إليه الأشخاص عندما يتصلون بخط المساعدة. وأضافت “يجب أن نعتمد التكنولوجيا لدعم العامل البشري، وليس استبداله”.

12