رواندا تستذكر آخر إبادة جماعية شهدها القرن العشرون

بدأت روندا الأحد مراسم خاصة لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية التي حدثت قبل 25 سنة وراح ضحيتها 800 ألف شخص من التوتسي والهوتو. لكن رواندا تمكنت من تجاوز آلام الماضي وإصلاح بنيتها التحتية، فيما يعتبر أكبر إنجاز يحتسب لها هو قدرتها على تحقيق المصالحة وإحلال العدالة لكل أفراد الشعب. ويعد المجتمع الرواندي بعد ربع قرن من الإبادة الجماعية نموذجا فريدا للتسامح حيث يعيش الجناة والمجني عليهم كجيران، ليؤكد البلد أنه لا مجال للعودة إلى الوراء أو تكرار أخطاء الماضي.
كيغالي – أحيا الروانديون الأحد ذكرى الإبادة الجماعية التي وقعت قبل ربع قرن واستمرت ثلاثة أشهر، وكانت حصيلتها سقوط 800 ألف ضحية أغلبهم من عرقيتي التوتسي والهوتو.
وتمثل المراسم الخاصة التي أقامتها روندا الأحد، لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية، بداية مناسبات تستمر أسبوعا لتكريم القتلى. وبعد 25 سنة، تتذكر رواندا الأحد الإبادة الجماعية التي جرت في 1994 وكان أغلب ضحاياها من إثنية التوتسي خلال مئة يوم، في مأساة غيرت وجه البلاد إلى الأبد.
وقالت أوليف موهوراكاي (26 عاما)، وهي مصففة شعر نجت من الإبادة الجماعية عندما كانت رضيعة، “إحياء الذكرى ضروري لأنه فقط بالنظر إلى الوراء، إلى ما حدث، (نستطيع) ضمان ألا يحدث أبدا مرة أخرى”.
وخلال عشرة أعوام، أعادت رواندا بناء نفسها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. لكن ذكرى الإبادة الجماعية الأخيرة في القرن العشرين، لم تمح. وما زالت آثار الصدمة واضحة على أولئك الذين عاشوها، وعلى الشبان أيضا.
ودشن رئيس الدولة الرواندي بول كاغامي (61 عاما) الرجل الذي أخرج رواندا من الهاوية، مراسم إحياء الذكرى في نصب جيسزي في كيغالي حيث دفن أكثر من 250 ألفا من ضحايا الحملة.
وانحنى كاغامي الذي رافقته زوجته، أمام إكليل من الورود أولا قبل أن يضرم النار في شعلة ووقف بجانبه رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر.
وألقى كاغامي بعد ذلك خطابا في مركز المؤتمرات في كيغالي، الذي يرمز إلى الحداثة في العاصمة الوراندية وتجدد البلاد منذ 1994.
وقال كاغامي “ما حدث هنا لن يتكرر مجددا”، مضيفا “نصلي من أجل أن لا يرى أي شخص آخر هذه المأساة”.
وأضاف كاغامي أنه يجب على الشباب القيام بدور أكبر في رواندا بعد الإبادة الجماعية، مشيرا إلى أن ثلاثة أرباع مواطني رواندا أقل من 30 عاما، بينهم 60 بالمئة ولدوا بعد الإبادة الجماعية.
وبعد الظهر، انضم كاغامي ومدعووه ومسؤولون إلى نحو ألفي شخص في مسيرة للذكرى من البرلمان إلى ملعب “أماهورو” (السلام باللغة الكينيارواندية) حيث ستضاء الشموع ليلا تكريما للقتلى. والملعب لجأ إليه في 1994 الآلاف من التوتسي للنجاة تحت حماية الأمم المتحدة من المجازر.
خلال عشرة أعوام أعادت رواندا بناء نفسها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا لكن ذكرى الإبادة الجماعية لم تمح
بتحريض من نظام الهوتو المتطرف الذي كان في السلطة آنذاك، أسفرت الإبادة الجماعية بين أبريل ويوليو 1994، عن مصرع 800 ألف شخص على الأقل، كما تقول الأمم المتحدة، خصوصا من أقلية التوتسي ومن الهوتو المعتدلين.
وقد تسبب في اندلاع الإبادة الجماعية اغتيال رئيس رواندا آنذاك جوفينال هابياريمانا ونظيره سيبريان نتارياميرا رئيس بوروندي وكلاهما من الهوتو عند إسقاط طائرتهما بصاروخ في العاصمة الرواندية مساء السادس من أبريل 1994. ولم يتم التعرف قط على المهاجمين.
في اليوم التالي، قُتلت رئيسة وزراء الهوتو المعتدلة أغاثي أويلينغييمانا، وعشرة من جنود حفظ السلام البلجيكيين كانوا مكلفين بحمايتها، وعدد من وزراء المعارضة.
وفي نفس اليوم، تمت تعبئة جنود حكومة الهوتو وميليشيات متطرفة متحالفة معهم والذين قادوا الإبادة الجماعية للقضاء على التوتسي الذين يمثلون أقلية.
وبدأت مجازر على نطاق واسع. وأعدت سلطات الهوتو المتطرفة لوائح بالأشخاص الذين يتعين قتلهم على جميع مستويات الإدارة. وبتشجيع من السلطات ووسائل إعلام ساهم قسم من الشعب ينتمي إلى كل الطبقات الاجتماعية، في الإبادة، بالهراوات أو المناجل، التي استهدفت الرجال والنساء والأطفال في جميع أنحاء البلاد.
وكان ما يصل إلى عشرة آلاف شخص يلقون حتفهم يوميا. وتم القضاء على 70 بالمئة من التوتسي وأكثر من عشرة بالمئة من إجمالي سكان رواندا.
وتعرض للقتل أيضا أفراد من الهوتو رفضوا الاشتراك في عمليات القتل، أو المشتبه في تعاطفهم مع التوتسي.
وبقيت المجموعة الدولية عاجزة، وفي 21 أبريل قررت الأمم المتحدة، لأسباب أمنية، خفض عناصرها هناك، من 2500 إلى 270 رجلا.
وفي نهاية يونيو، بدأت فرنسا بموافقة الأمم المتحدة على عملية “توركواز” العسكرية-الإنسانية. وستتهمها الجبهة الوطنية الرواندية بحماية مرتكبي الإبادة، وهذا ما تنفيه باريس.
ولم تتوقف المجزرة إلا بعد دخول التمرد التوتسي للجبهة الوطنية الرواندية إلى كيغالي في الرابع من يوليو، بقيادة زعيم عسكري شاب يبلغ من العمر 36 عاما هو بول كاغامي.
وفي الثامن من نوفمبر، أنشأت الأمم المتحدة محكمة جنائية دولية لرواندا في أروشا (تنزانيا). وبعد أربع سنوات، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا أحكامها الأولى بالسجن مدى الحياة. وتشكل هذه الأحكام أول اعتراف بالإبادة الجماعية ضد أقلية التوتسي الرواندية من قبل القضاء الدولي.
وتدعو السياسة الرسمية في رواندا إلى الامتناع عن الحديث عن العرقية. لكن المعارضة تقول إن السيطرة الصارمة على وسائل الإعلام والنشاط السياسي تستخدم في خنق المعارضة.
وقالت فيكتوار إنجابيري، القيادية في المعارضة، “قرر الحزب الحاكم تبني الدكتاتورية منذ الأيام الأولى بعد الإبادة الجماعية عندما قالوا إنهم يحمون السيادة الوطنية لكني أشعر الآن أن هذا يجب أن ينتهي”. وأضافت “الحكومة يجب أن تترك سياسيي المعارضة يعملون بحرية لأن حرمانهم من حقوقهم سيخلق مشاكل. 25 عاما كافية”.
ويرفض كاغامي، الذي حصل على قرابة 99 بالمئة من الأصوات في انتخابات 2017 بلغت نسبة الإقبال فيها 96 بالمئة، الانتقادات مشيرا إلى النمو الاقتصادي القوي في رواندا والسلام النسبي منذ الإبادة الجماعية.
وحضر المراسم أمام النصب التذكاري رؤساء تشاد إدريس ديبي والكونغو دينيس ساسو نغيسو وجيبوتر إسماعيل عمر غله والنيجر محمد إيسوفو ورئيس الوزراء الإثيوبي أحمد أبيي ورئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل، الذي جاء للتعبير عن دعم القوة الاستعمارية السابقة.