رواشين المدينة المنورة.. نوافذ الماضي تتنفس الحاضر

صناعة الرواشين تعود إلى أواخر القرن السادس الهجري، وقد ابتُكرت أساسا لمواجهة حرارة الطقس، إذ تسمح تصاميمها بمرور الهواء، فتُسهم في تلطيف الجو الداخلي.
الأربعاء 2025/06/25
شرفات الهواء والضوء

يُبرز النص جمال الرواشين في العمارة السعودية، خاصة في المدينة المنورة، من حيث تصميمها الخشبي، ووظائفها الجمالية والبيئية، وأهميتها التراثية. كما يسلّط الضوء على تنوعها واستخدامها في تحسين جودة الحياة والهوية المعمارية.

المدينة المنورة – يجسّد التراث العمراني في المدينة المنورة روح وفن العمارة السعودية، حيث تعكس جدران البيوت القديمة ونوافذها ملامح الماضي العريق، وتبرز جمال الحاضر الذي يعبّر عن اعتزاز المملكة بإرثها المعماري الأصيل.

وتُظهر بعض مباني المدينة المنورة، القديمة منها والحديثة، فن العمارة السعودية من خلال “الرواشين”، وهي شرفات أو نوافذ خشبية بارزة تُغطّي الفتحات الخارجية للمنازل، وتُعد من أبرز السمات المعمارية التقليدية في المملكة.

الرواشين، ومفردها “روشان”، هي كلمة معرّبة عن الفارسية “روزن” التي تعني الكوّة أو الشرفة. ويقابلها في مصر والشام والمغرب مصطلحات مثل “المشربيات” أو “الشوابي”، ومفردها “مشربية” أو “شوبة”، وتشير إلى مواضع تُستخدم لتبريد الماء، حيث توضع فيها أوانٍ فخارية تُلطّف الجو بفعل حركة الهواء.

وكانت الرواشين عنصرا مهما في إدخال الضوء والهواء إلى داخل المنازل التقليدية، خاصة الأنواع البارزة التي تمتد خارج الجدران، ما يجعلها تعترض حركة الهواء وتوجّهه إلى الداخل عبر شيشها الخشبي من ثلاث جهات. ولهذا السبب، كانت توضع فيها “البراديات” – أواني المياه الفخارية – لتبريد الماء، كما أسهمت في تلطيف الأجواء داخل المكان، خاصة في منطقة “الدكة” أسفل الروشان.

oo

وتعود صناعة الرواشين إلى أواخر القرن السادس الهجري، وقد ابتُكرت أساسا لمواجهة حرارة الطقس، إذ تسمح تصاميمها بمرور الهواء، فتُسهم في تلطيف الجو الداخلي. وتختلف الرواشين بين مناطق الحجاز، ففي مكة المكرمة، على سبيل المثال، تتسم بالعلو والامتداد، وغالبًا ما تمتد من الطابق الأرضي، بينما تميّزت رواشين المدينة المنورة بتنوّع زخارفها وتفاصيلها الفنية الدقيقة، في حين بقيت رواشين جدة القديمة شاهدا على الطراز الحجازي العريق.

وتُصنّف الرواشين إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

النوع الأول هو “المسمّط”، ويغطي كامل واجهة المنزل من الأعلى حتى الأرض، ويضم نوافذ مستطيلة أو مقوسة مزينة بمصبعات حديدية، ويخلو من النقوش البارزة.

أما النوع الثاني “البارز”، فيتميّز بزخارف هندسية معقدة، ويُستخدم عادة فوق المداخل، ويتكوّن من وحدات خشبية متصلة أو منفصلة، تُزيَّن عادة بأشكال تشبه التيجان أو المظلات.

النوع الثالث “روشان بشرفة”، ويظهر كبروز خشبي خارجي يتكوّن من عدة أجزاء، تختلف تصاميمه وأبعاده بحسب البيت، ويشمل سواتر أو مظلات مائلة.

وتتعدد وظائف الرواشين، فهي تسمح بدخول الضوء والهواء، وتُعد جزءًا من أثاث المنزل، وتُستخدم كامتداد للغرف باتجاه الشارع، وتوفّر تحكّما بالرؤية والإضاءة والتهوية. وعادة ما تعلوها “دكّة” حجرية أو طوبية بارتفاع لا يتجاوز 60 سم، يجلس عليها كبار السن وأفراد العائلة.

وتتنوع ألوان الرواشين بين الأخضر والبني والدرجات الخشبية، وتبرز فيها براعة النجارين المحليين، حيث تظهر التفاصيل الدقيقة في الشبك والستائر الخشبية الصغيرة وأجزاء النوافذ المتشابكة.

وتجذب الرواشين الفنانين الذين يبحثون عن الجمال والطابع التراثي للمدينة، هؤلاء ينقلون إلى العالم فنون بلدهم وتراثه، كما أن الزوار من البلدان الأخرى يعتبرون التراث أهم ميزات الجذب، التي يسعون من خلالها للتعرف على خصوصية البلد التراثية والتاريخية.

وينتشر باستمرار الفوتوغرافيون لتسجيل جمالية الرواشين عبر عدساتهم، وتقام ورش فوتوغرافية باستمرار في المدن والأحياء القديمة، لتوثيق هذه البصمة الفنية المعمارية المهمة.

oo

وترى الفنانة التشكيلية أحلام الرزيق أن الخشب يُعد المكوّن الأساسي للرواشين، من حيث القواطع المصمتة أو المفرغة، والتشكيلات الزخرفية التي تغطي أجزاء منها أو سطحها بالكامل. وتوضح أن بعض الرواشين تحوي نتوءات تُعرف بـ”الغولة” أو “المشربية البارزة”، مغطاة بالشيش من ثلاث جهات لتسهيل دخول الهواء، مما يتيح تهوية ورؤية جيدة من الداخل، مع الحفاظ على الخصوصية، تماشيا مع القيم الإسلامية.

وأكدت الرزيق أن الرواشين لم تكن مجرد عناصر زخرفية، بل كان لها أثر وظيفي مهم في العمارة الحجازية التقليدية، خاصة “جلسة الروشان”، التي كانت من أبرز أماكن الجلوس في المنازل، لاسيما لكبار السن كالوالدين أو الجد، لموقعها المميز من حيث الإضاءة والإطلالة والتهوية، وغالبا ما تطل على الحوش أو الحارة.

كما تتضمن الرواشين “المشربيات”، وهي الجزء الخارجي البارز منها، وكانت تُستخدم لتبريد المنازل، حيث توضع فيها جرار الماء الصغيرة (الشُربة) لتلطيف الهواء الجاف عند مروره بها، ما يجعلها أحد ابتكارات العمارة الإسلامية الذكية في التعامل مع المناخ الحار.

يشار إلى أن خارطة العمارة في السعودية تضم 19 طرازا معماريا، يعكس كل منها الخصائص الطبيعية والثقافية لمناطق المملكة، وتُظهر هذه الطُرز تمازجا بين الأصالة والحداثة، بما يدعم أهداف رؤية المملكة 2030 في تحسين جودة الحياة وتعزيز جاذبية المدن.

18