روابط بيولوجية عصبية بين الخرف والذهان

الذهان والخرف يشتركان في التغيرات السلوكية في الدماغ.
الجمعة 2022/08/12
تماثل بين بصمات الدماغ في الأمراض العصبية والنفسية

كشفت دراسة حديثة، استندت إلى المفهوم الذي صاغه عالم النفس الألماني إميل كريبيلن حول الخرف المبكر، أن هناك روابط بين مرض الذهان والخرف، ما يعني أن الذهان والخرف يشتركان في التغيرات السلوكية في الدماغ، وأن هناك تماثلا بين بصمات الدماغ في الأمراض الوظيفية المبكرة مثل الخرف والأمراض العصبية والنفسية مثل الذهان.

ميونخ (ألمانيا) - كشف تصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ عن وجود روابط بيولوجية عصبية بين الخرف والذهان، وفقا لدراسة نُشرت في 3 أغسطس في مجلة “جاما بسيكاتري”.

وأجرى الباحثون، لأول مرة، مقارنة بين الفصام والخرف الجبهي الصدغي، وهما اضطرابان يقعان في منطقتي الفص الجبهي والصدغي من الدماغ.

وتستند هذه الدراسة إلى المفهوم الذي صاغه عالم النفس الألماني إميل كريبيلن في عام 1899، والمعروف باسم “الخرف المبكر” أو “الجنون المبكر” الذي يصف التدهور العقلي والعاطفي التدريجي للمرضى، والذي يبدأ في مرحلة المراهقة المتأخرة أو في فترة البلوغ المبكر.

وسرعان ما تجاهل العلماء هذا التشخيص. ومع بداية القرن العشرين، بدأ العلماء في استخدام مصطلح “انفصام الشخصية” لهؤلاء المرضى، لأن المرض لا يأخذ مسارا سيئا بالنسبة إلى جميع الأشخاص المعنيين.

الباحثون أجروا، لأول مرة، مقارنة بين الذهان والخرف وهما اضطرابان يقعان في منطقتي الفص الجبهي والصدغي من الدماغ

ولكن الآن، بمساعدة التصوير والتعلم الآلي، وجد العلماء المؤشرات الأولى الصالحة للأنماط التشريحية العصبية في الدماغ، التي تشبه توقيع المرضى المصابين بالخرف الجبهي الصدغي.

ومن النادر أن يعود العلماء في الأبحاث الأساسية إلى النتائج التي يبدو أنه عفا عليها الزمن، والتي يزيد عمرها عن 120 عاما.

وفي حالة نيكولاوس كوتسوليريس، من جامعة لودفيج ماكسيميليان في ميونخ، وماتياس شروتر، من معهد ماكس بلانك لعلوم الإدراك البشري والدماغ، وهما باحثان وطبيبان، كان هذا بمثابة حافز لهما.

وافترض كريبيلن أن سبب المسار المنهك أحيانا للمرضى يقع في مناطق الفص الأمامي والصدغي من الدماغ، وهو المكان الذي يتم فيه التحكم في الشخصية والسلوك الاجتماعي والتعاطف، لكن هذه الفكرة، بحسب كوتسوليريس، “ضاعت لأنه لم يقع العثور على أي دليل لعمليات التنكس العصبي التي لوحظت في مرض الزهايمر في أدمغة هؤلاء المرضى”.

وبعد خمسة عشر عاما، ومع وجود مجموعات كبيرة من البيانات وتقنيات التصوير وخوارزميات التعلم الآلي، كان لدى كوتسوليريس الأدوات المتاحة للعثور على إجابات محتملة، بالتعاون مع شروتر، الذي يدرس الأمراض التنكسية العصبية، وخاصة الخرف الجبهي الصدغي.

يصعب التعرف على الخرف الجبهي الصدغي، وخاصة المتغير السلوكي “بي في أف تي دي”، في مراحله المبكرة لأنه غالبا ما يتم الخلط بينه وبين الفصام. وبالتالي، فإن أوجه التشابه واضحة في الأشخاص الذين يعانون من كلا المجموعتين، تحدث تغيرات شخصية وكذلك سلوكية.

ونظرا إلى أن كلا الاضطرابين يقعان في المناطق الأمامية والزمنية والجزرية للدماغ، كان من الممكن مقارنتهما بشكل مباشر.

وبعد تدريب نموذج التعلم الآلي للتمييز بين الضوابط الصحية والمرضى الذين يعانون من اضطرابات الذهان الشديدة أو الخرف، حددت المجموعة البحثية تداخلات محددة بين “بصمات” الدماغ على التصوير بالرنين المغناطيسي لمرض انفصام الشخصية والخرف الجبهي الصدغي المتغير السلوكي “بي في أف تي دي”.

على الرغم من أن الاضطرابات الذهانية الشديدة والخرف لها أعراض سلوكية وإدراكية متداخلة، إلا أنه من غير المعروف ما إذا كانت تُغير الدماغ بالفعل بنفس الطريقة. بالإضافة إلى ذلك لم يستكشف الباحثون بعد أهمية أي تغييرات دماغية مشتركة للمرضى في مراحل المرض المعرضة للخطر، وفقا للمؤلفين.

وفي محاولة لتحديد ما إذا كان الذهان والخرف يشتركان في التغيرات السلوكية في الدماغ، جمع الباحثون بيانات من 1870 فردا، من يناير 1996 إلى يوليو 2019، وتم تحليلها بين أبريل 2020 وأبريل 2022.

ومن بين المرضى المشمولين في الدراسة، كان 157 مصابا بالفصام، و108 كان لديهم  “بي في أف تي دي” ، و102 يعانون من اكتئاب شديد، و96 لديهم ضعف إدراكي خفيف أو مرض الزهايمر في مراحله المبكرة، و44 أصيبوا بمرض الزهايمر.

واستخدم الباحثون بعد ذلك خوارزميات التعلم الآلي للتمييز بين مجموعات المرضى هذه عن طريق تحليل خرائط حجم المادة الرمادية في اختبارات التصوير بالرنين المغناطيسي.

 أعراض سلوكية وإدراكية متداخلة
 أعراض سلوكية وإدراكية متداخلة

وبعد اشتقاق ومقارنة أنماط التشخيص لهذه الاضطرابات، استخدموا خوارزمية أخرى لتقييم مدى ملاءمة الإنذار وتطور هذه الأنماط التشخيصية في 160 مريضا يعانون من مخاطر إكلينيكية عالية للذهان و161 مريضا يعانون من اكتئاب حديث الظهور، ومقارنة اختبارات التصوير بالرنين المغناطيسي الأساسية مع إجراء اختبار التصوير بالرنين المغناطيسي بعد عام واحد.

ووجد الباحثون أن النمط التشخيصي للمتغير السلوكي للخرف الجبهي الصدغي “بي في أف تي دي”، انخفاض في حجم الفص الجبهي، تم التعبير عنه في 41.2 في المئة من مرضى الفصام.

وفي غضون ذلك، تم التعبير عن النمط التشخيصي لمرض الفصام لدى 85.5 في المئة من المرضى الذين يعانون من “بي في أف تي دي”.

وتوصل فريق البحث إلى أنه كلما زادت درجة  “بي في أف تي دي”  لدى المرضى، والتي تقيس التشابه بين الاضطرابين، زاد احتمال أن يكون لديهم نمط ظاهري شبيه بـ”بي في أف تي دي”، ويقل احتمال تحسن أعراضهم على مدى عامين.

وكتب المؤلفون “تدعم نتائجنا المعاملة بالمثل بين بصمات الدماغ للأمراض الوظيفية المبكرة التي لم يتم التعافي منها والأمراض العصبية والنفسية”.

وأضافوا “أخيرا، كشفت دراستنا أن المرضى الشباب الذين يعانون من نتائج وظيفية ضعيفة أظهروا بشكل مفرط أنماط الدماغ هذه بمرور الوقت، بما يتماشى مع مفهوم الجنون المبكر لكريبيلن باعتباره اضطرابا تدريجيا في الجبهي الصدغي. وهناك حاجة إلى المزيد من الدراسات حول مسارات الأمراض الجزيئية لتوضيح كيفية تنفيذ العمليات الفيزيولوجية المرضية المختلفة على التغيرات العصبية المتداخلة في اضطرابات “بي في أف تي دي” واضطرابات طيف الفصام”. 

الخرف الجبهي الصدغي وخاصة المتغير السلوكي "بي في أف تي دي" يصعب التعرف عليه في مراحله المبكرة لأنه غالبا ما يتم الخلط بينه وبين الفصام

والخرفُ هو تدهور بطيء وتدريجي في الوظائف الذهنية، بما فيها الذاكرة والتفكير والمحاكمة والقدرة على التعلم.

وتنطوي الأعراض عادة على ضعف الذاكرة ومشاكل في استخدام اللغة والقيام بالنشاطات وتغيرات في الشخصية والتوهان والسلوك التخريبي أو غير الملائم.

وتستفحل الأعراض بحيث لا يستطيع المرضى الأداء، مما يجعلهم يعتمدون على الآخرين بشكل كامل.

ويضع الأطباء التشخيص استنادا إلى الأعراض ونتائج الفحص السّريري واختبارات الحالة الذهنية.

وتُستخدم اختبارات الدّم والفحوص التصويرية لتحديد السبب.

وتُركّز المعالجة على الحفاظ على الوظيفة الذهنية لأطول فترة ممكنة وتقديم الدعم للمريض عند تدهور هذه الوظيفة.

أما الذهان فهو مصطلح في الطب النفسي للحالات العقلية التي يحدث فيها خلل، ضمن أحد مكونات عملية التفكير المنطقي والإدراك الحسي.

فالأشخاص الذين يعانون من الذهان قد يتعرضون لنوبات هلوسة، وتوهمات ارتيابية، وقد يمرون بحالات من تغيير الشخصية مع مظاهر  تفكير مفكك.

وتترافق هذه الحالات غالبا مع انعدام رؤية الطبيعة الاعتيادية لهذه التصرفات، وصعوبات في التفاعل الاجتماعي مع الأشخاص الآخرين، وخلل في أداء المهام اليومية. لذلك كثيرا ما توصف هذه الحالات بأنها تدخل في نطاق فقدان الاتصال مع الواقع.

17