رهان على اللقاحات الجينية في تونس

تراهن تونس على إنتاج لقاحات وأمصال بمعايير عالمية، ما يعزز مكانتها في مجال البحث والتطوير الصحي. وقد شرع معهد باستور بتونس في إنجاز بحوث لإنتاج اللقاحات بالحمض النووي، كما ستتم إعادة تشغيل شبكة إنتاج الأمصال ضد لسعات العقارب والأفاعي. وتسعى تونس للاستثمار في تكنولوجيا الحمض النووي الريبي المرسال، باعتبارها ثورة في صناعة اللقاحات ستمنحها استقلالية أكبر في مواجهة الأمراض المستجدة.
تونس - شرع معهد باستور بتونس في إنجاز بحوث لإنتاج اللقاحات بالحمض النووي، وفق ما أعلنه وزير الصحة مصطفى الفرجاني، خلال زيارة ميدانية أداها إلى المعهد لمتابعة إعادة تشغيل وحدة إنتاج الأمصال وتطوير تقنيات اللقاحات الحديثة.
وأعلن الوزير عن إعادة تشغيل شبكة إنتاج الأمصال ضد لسعات العقارب والأفاعي، والتي توقفت منذ سنوات، مؤكدًا ضرورة تسريع الأشغال لإعادتها إلى الخدمة في أقرب الآجال. كما تعهّد بإعادة تهيئة قسم مراقبة الجودة، المعطل منذ أكثر من عشر سنوات، لضمان إنتاج لقاحات وأمصال بمعايير عالمية.
وشدد الفرجاني على أهمية الاستثمار في تكنولوجيا الحمض النووي الريبي المرسال، باعتبارها ثورة في صناعة اللقاحات ستمنح تونس استقلالية أكبر في مواجهة الأمراض المستجدة وتقليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي، مؤكدا على أن هذه الخطوات تجسّد رؤية الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعات البيولوجية، وتعزز مكانة تونس في مجال البحث العلمي والتطوير الصحي.
الاستثمار في تكنولوجيا الحمض النووي ثورة في صناعة اللقاحات ستمنح تونس استقلالية أكبر في مواجهة الأمراض
وفي تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء أشار الوزير إلى ضرورة أن يساهم معهد باستور في ضمان الاستقلالية في إنتاج اللقاحات والأمصال العلاجية، مبيّنا أن بلوغ الاكتفاء الذاتي من اللقاحات والأمصال سيضمن توفير الاحتياجات الوطنية بما يقطع مع الحاجة إلى استيراد اللقاحات.
وذكّر بأن تجربة معهد باستور في إنتاج الأمصال واللقاحات تعود إلى سنة 1920، مضيفا أن المعهد يلعب دورا إستراتيجيا في إنجاز البحوث العلمية من خلال مخابره كما يتولى توفير اللقاحات والأمصال.
وقال الوزير إن إنتاج المعهد للقاحات والأمصال يهدف إلى ضمان العدالة الصحية وذلك بتوفير الحلول العلاجية والوقائية من الأمراض والأوبئة، مؤكدا دعم الوزارة لجهود الكفاءات من الباحثين بالمعهد في إعداد بحوثهم العلمية.
وأتاحت زيارة وزير الصحة إلى معهد باستور الاطلاع على سير العمل بوحدة إنتاج اللقاحات والمخابر البحثية ومخبر داء الكلب، وعلى المنصة التكنولوجية المجهزة بأحدث التجهيزات المتطورة والحديثة ووحدة التلاقيح الدولية ومكافحة داء الكلب.
وأكد أن الوزارة تدعم دور معهد باستور في إنتاج عدة أنواع من الأمصال بإيجاد الحلول لمختلف الإشكاليات المطروحة حتى يستعيد دوره العالمي والإقليمي، مبرزا انفتاح تونس على مشاريع التعاون الدولي لنقل وتصدير الخبرات في مجالي البحث العلمي والإنتاج بمعهد باستور.
وأشار إلى أن السياسة الصحية في تونس ترتكز إلى عدة محاور تشمل تطوير المؤسسات الصحية في الخطّ الأول بمراكز الصحة الأساسية، مضيفا أنه سيتم تركيز 40 وحدة متنقلّة من هذه المراكز في العديد من الجهات.
وفي يناير الماضي قرر وزير الصحة مصطفى الفرجاني المضي قدما في تنفيذ جملة من القرارات المحورية لدعم الصناعة الصحيّة بهدف تعزيز إنتاج اللقاحات بتونس، وذلك خلال إشرافه على جلسة عمل بحضور المدير العام للصحة والمديرة العامة لمعهد باستور، وعدد من كوادر الوزارة.
وتضمنت حزمة القرارات الإسراع في رقمنة عمليات إنتاج اللقاحات، لرفع الكفاءة وتحسين جودة الإنتاج واستكمال الإجراءات المرتبطة بمشروع الحمض النووي الريبي الذي يعتبر محورياً في تطوير لقاحات متقدمة.
وتشمل هذه القرارات إعداد دراسة جدوى لصناعة الأدوية البيولوجية، بهدف توطين هذه التكنولوجيا في تونس وتعزيز أبحاث تقنيات الحمض النووي الريبي، بما يدعم التوجهات الصحية الحديثة.
وأكّد وزير الصحّة أهمية تطوير تكنولوجيا إنتاج اللقاحات والأدوية البيولوجية محلياً من قبل معهد باستور بتونس، باعتباره عضوا في شبكة معاهد باستور العالمية، ولديه الإمكانيات اللازمة ليصبح مركزاً إقليمياً للبحث والابتكار في مجال التكنولوجيا الحيوية.
صناعة الأدوية تغطي أكثر من 53 في المئة من حاجة تونس إلى الدواء، حيث هناك 33 مصنعا للأدوية في طور الإنتاج
وتأتي جلسة يناير، حسب بلاغ لوزارة الصحة، تتويجاً لمذكرة تفاهم وقعها معهد باستور مع عدة معاهد دولية، من بينها معهد باستور بباريس وداكار وكوريا، ومؤسسة فيكروز البرازيلية، خلال الاجتماع السنوي لشبكة معاهد باستور في أكتوبر 2024 بريو دي جانيرو، التي تهدف إلى تعزيز القدرات المحلية عبر تبادل المعرفة والخبرات، وتطوير أبحاث اللقاحات المعتمدة على تقنيات الحمض النووي الريبي.
ويسعى معهد باستور بتونس، ضمن رؤيته المستقبلية الجديدة، إلى تطوير برامج تدريبية ومشاريع بحثية مشتركة مع شركائه الدوليين، ما يتيح تحسين القدرات الوطنية في البحث والتطوير. وسيساهم التركيز على رقمنة عمليات الإنتاج وتطوير أبحاث اللقاحات في ترسيخ مكانة تونس كمحور إقليمي للابتكار في مجال الصحة العامة.
وتستند اللقاحات إلى عقود من البحث الطبي. وتعمل اللقاحات من خلال إعداد الجهاز المناعي للجسم للتعرّف على مرض معين والدفاع عن نفسه ضد هذا المرض.
وكانت رئيسة الغرفة الوطنية لمصنعي الدواء في تونس سارة مصمودي قد أكدت أن صناعة اللقاحات في تونس ممكنة لكن تتطلب التزاما من الدولة، التي لا بد أن تتعهد بشراء اللقاحات المنتجة محليا، وذلك على خلفية انتشار فايروس كورونا في البلاد.
وبينت مصمودي في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء أن اللقاحات على خلاف الأدوية الأخرى تخضع لسيطرة الدول، فالدولة هي المتحكم الوحيد في شراءاته وهذا ما يتطلب تعهدا من الدولة بشراء الكميات التي سيتم إنتاجها.
واعتبرت أنه من الضروري اليوم تطوير صناعة اللقاحات في البلاد خاصة وأن الدراسات العلمية تؤكد تواصل الجائحة لمدة قد تصل إلى 5 سنوات أو أكثر وهو ما يتطلب التعايش مع هذا الفايروس والرفع من مستوى مناعة السكان باللقاح.
وأكدت أن لجنة تفكير على مستوى وزارة الصحة قد انطلقت في العمل من أجل وضع تصور حول كيفية تطوير صناعة اللقاحات في تونس. كما قام عدد من سفراء تونس في الخارج بمحادثات مع مخابر عالمية وخاصة في أوروبا من أجل إطلاق خط إنتاج في تونس لنوعية معينة من اللقاحات.
من الضروري اليوم تطوير صناعة اللقاحات في البلاد خاصة وأن الدراسات العلمية تؤكد تواصل الجائحة لمدة قد تصل إلى 5 سنوات أو أكثر
وقالت إن “مصانع الدواء في تونس لها من الكفاءات والقدرات المادية والتجهيزات ما يجعلها قادرة على صناعة اللقاحات لكن ما ينقصنا في تونس هو انخراط الدولة، التي لا بد أن تكون شريكا فاعلا في العملية لا على مستوى الشراء فقط بل على مستوى الترويج في الخارج والمساعدة على التصدير.”
وذكرت أن هناك 33 مصنعا للأدوية في طور الإنتاج، مبينة أن صناعة الأدوية تغطي أكثر من 53 في المئة من حاجة تونس إلى الدواء. وأشارت إلى أن أكثر من 77 في المئة من الأدوية المروجة في تونس مصنعة محليا، ويتم تصدير نسبة 18 في المئة من الإنتاج المحلي إلى الخارج.
وخلصت المتحدثة إلى أن المصانع التونسية على استعداد لإطلاق خطوط إنتاج محلية للتلقيح التي لن تشمل إنتاج المادة الفعالة بل ستشمل المراحل الأخيرة للتصنيع وعلى مستوى التعبئة، مشيرة إلى أن المصانع التونسية قادرة على ذلك بفضل ما اكتسبته من خبرة وتكنولوجيا.
وأصدرت منظمة الصحة العالمية في يوليو 2022 أول تقرير على الإطلاق عن سلسلة اللقاحات التي يجري تطويرها حالياً للوقاية من العدوى التي تحدثها مسببات الأمراض المقاومة لمضادات الميكروبات. ويشدد تحليل المنظمة على ضرورة تسريع تجارب اللقاحات ذات الصلة بمقاومة مضادات الميكروبات التي وصلت إلى مراحل متطورة، وتعظيم استخدام اللقاحات الموجودة.
وحذرت المنظمة من أن جائحة مقاومة مضادات الميكروبات الصامتة تشكل مصدر قلق متزايد للصحة العامة. وهناك حوالي 4.95 مليون حالة وفاة سنويا مرتبطة بالعدوى البكتيرية المقاومة وحدها، منها 1.27 مليون حالة وفاة تُعزى مباشرة إلى مقاومة مضادات الميكروبات، التي تحدث عندما تتغير البكتيريا والفايروسات والفطريات والطفيليات مع مرور الوقت ولا تستجيب للأدوية وغالبا ما يكون من الصعب علاجها.