رمضان شهر صوم للبعض وتجويع ذاتي لآخرين

القاهرة- يمثلّ صوم شهر رمضان بالنسبة للمسلمين الذين يعانون من اضطرابات الأكل، تحديا صعبا، فالتعامل مع الطقوس الدينية والاجتماعية يمكن أن يشكل لديهم صراعا خفيا يقول المتخصصون إنه غالبا ما يكون غير مرئي إلى حد كبير للمجتمع الأوسع، مما قد يجعل الأمر أكثر صعوبة في بعض الأحيان.
عندما يبدأ شهر رمضان، تحتدم معركة في ذهن حبيبة خانم: إذا بقيت دون طعام أو شراب، فهل تفعل ذلك من أجل الله أم بسبب فقدان الشهية النفسي؟ إنها تعرف الإجابة في أعماقها، وهذا ما يحزنها.
قالت المرأة البالغة من العمر 29 عاما والمقيمة في لندن “إذا صمت، فسيكون ذلك بسبب اضطراب الأكل. ويمكن للواجب الديني الذي يجده العديد من المسلمين مغذيا للنفس أن يقدم في حالتي إذنا للعودة إلى عاداتي القديمة وفقدان الوزن، ومهربا من الحكم على ذلك لأن الجميع يفعل ذلك”.
ويعتبر رمضان شهرا للعبادة والتأمل والتجمعات السعيدة مع العائلة والأصدقاء، وهو أيضا شهر يلعب فيه الطعام دورا رئيسيا، من طقوس الصوم أثناء النهار إلى وجبات الإفطار الاحتفالية إلى الإفطار.

غنى إسماعيل: فهم اضطرابات الأكل بشكل عام ضئيل للغاية
وقالت غنى إسماعيل، مديرة برنامج اضطرابات الأكل في المركز الطبي بالجامعة الأميركية في بيروت في لبنان، لوكالة أسوشيتد برس، “إن فهم اضطرابات الأكل بشكل عام ضئيل للغاية. حيث بدأ الناس للتو في فهم المرض”.
والصوم من شروق الشمس حتى غروبها خلال شهر رمضان، والذي بدأ هذا العام في أوائل أبريل، هو واجب ديني، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، الذي يسمح ببعض الاستثناءات وتخص صوم الأطفال الصغار والمرضى.
وتعتمد النصيحة التي تقدمها إسماعيل للمسلمين الذين يعانون من اضطرابات الأكل على مرحلة علاج كل فرد. وتوصي بعدم الصيام بالنسبة لأولئك الذين يعانون من أعراض شديدة. كما تجري مناقشات فردية حول الغرض من الصيام والطرق البديلة للشعور بالارتباط بالإيمان، مثل قراءة القرآن والتركيز على عنصر العطاء الخيري في رمضان. وتعتبر التعاطف مع الذات المفتاح لكل ذلك.
وقالت إسماعيل “أعيد صياغة ذلك كجزء من واجبهم الفعلي تجاه أنفسهم وتجاه العلاقة مع الخالق، إنه لا يمكنك الانخراط في أي نوع من الطقوس على حساب صحتك”.
وتابعت “تصبح هذه مناسبة لمساعدتهم على التعرف على اضطرابات الأكل التي يعانون منها، وتحديدها كحالة مرضية لها عواقب طبية ونفسية وشخصية”.
وتواجه حبيبة محفزات محتملة في كل من عناصر الصيام والولائم في رمضان. فهي تتعافى بعد الإصابة بفقدان الشهية العصابي في سن المراهقة، والذي يتضمن عادة نقصا حادا في الأكل ويمكن أن يكون قاتلا إذا لم يتم علاجه في الوقت المناسب، وكذلك الشره المرضي، الذي ينطوي على استهلاك كميات كبيرة من الطعام متبوعا بالتقيّؤ.
وتضغط المحادثات المنتشرة حول الطعام عليها، كما أن دعوتها لتناول الإفطار دون معرفة ما سيتم تقديمه تجعلها مرتبكة، لأنها تفضل التخطيط لوجباتها كإجراء صحي.
وقالت “عندما أرى الكثير من الطعام ، أشعر بالخوف من أن أتناول الكثير منه ثم أبدأ في التقيّؤ مرة أخرى. كان الابتعاد عن ذلك إنجازا كبيرا”.
ونظرا لأن رمضان هو أيضا الوقت الوحيد في السنة الذي تأكل فيه أسرتها معا، فإنها تخشى أن يضعها ذلك تحت المجهر لأن أحباءها قد يرون ما يوجد في طبقها أو يقدمون لها المزيد من الطعام.
وفي رمضان، كانت تصوم في بعض الأيام. وكانت تتناول وجبة الإفطار وحدها في بعض الأمسيات بعيدا عن العائلة. وفي انتصار شخصي، وجدت نفسها أكثر سلاما مع قراراتها، تقول “لا بأس إذا كنت ما زلت آكل، بينما لا يفعل الآخرون، لأنني أعتني بنفسي”.

رانيا عوض: المناقشات حول اضطرابات الأكل وصيام رمضان تكثر في الأوساط الطبية
وفي الآونة الأخيرة، أجرت بيت، وهي مؤسسة خيرية بريطانية تدعم الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل، نقاشا عبر الإنترنت على موقع إنستغرام حول رمضان، حيث ذكّرت عمارة نسيم، وهي أخصائية نفسية من لندن ومتخصصة في مثل هذه الظروف، أي شخص يشعر بالذنب بشأن عدم الصيام بأن الإعفاءات الطبية مسموح بها في الإسلام.
كما نصحتهم نسيم، التي طورت إرشادات رمضان للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل، خلال الحدث بتوجيه انتباههم إلى الأنشطة التي يمكن أن تساعدهم على الاسترخاء والشعور بالراحة، مع تذكّر طرق أخرى للاحتفال بالشهر الكريم.
وفي منشور منفصل على إنستغرام، قدمت بيت نصائح للرعاية الذاتية خلال عطلة عيد الفصح المسيحية، والتي يمكن أن تسبب القلق بسبب زيادة التركيز على الطعام والتغييرات الروتينية في النظام الغذائي.
وقال إدوارد إيموند، نائب مدير الخدمات في بيت، إن “أي احتفال، سواء كان دينيا أم لا، يتمحور حول الطعام، يمكن أن يواجه تحدياته. نجد الكثير من الأشخاص يتواصلون معنا للحصول على الدعم هنا في التحضير لتلك اللحظات”.
وقالت الدكتورة رانيا عوض، مديرة مختبر الصحة العقلية الإسلامية وعلم النفس الإسلامي بجامعة ستانفورد، إن المناقشات حول اضطرابات الأكل وصيام رمضان تكثر في الأوساط الطبية.
وعندما يلجأ الأطباء إليها للحصول على إرشادات حساسة دينيا وثقافيا، تخبرهم أن يأخذوا كل حالة على حدة، وأن يأخذوا في الاعتبار عوامل مثل مرحلة علاج الشخص وما إذا كان يعاني من مشاكل صحيّة أخرى. وقالت عوض “لا تدلي ببيان شامل”.
وقررت حليمة سعيد، وهي مستشارة صحيّة مساعدة في سان دييغو، مؤخرا إنشاء “مساحة آمنة” للمسلمين الذين لا يستطيعون الصيام بسبب اضطراب الأكل. ومن خلال منظمة شاركت في تأسيسها، شكلت مجموعات دعم افتراضية اجتذبت أشخاصا من الولايات المتحدة وخارجها، في أستراليا وكندا وإنجلترا. وشملت الخطة الأولية جلسة واحدة كل يوم أحد خلال الشهر، وضاعفت سعيد ذلك بسبب الطلب.
ووجد المشاركون دعما متبادلا وترابطا في المصاعب المشتركة، مثل القلق من وجبات الإفطار والتعامل مع التعليقات حول أجسادهم من أفراد الأسرة وسوء الفهم حول أمراضهم.
وقالت سعيد “آخر شيء يحتاجون إليه هو الشعور بالخزي، لأنهم لا يصومون أثناء المرض. إن اضطراب الأكل مرض، وهو مرض شرس للغاية”.

◙ اضطرابات الأكل تعد حالة مرضية لها عواقب طبية ونفسية وشخصية