ركلات الجنين طريقة غريزية لبناء الإدراك الحسي

دراسة تكشف أن ركلات الجنين أثناء المراحل الأخيرة من الحمل تساعد على نمو مناطق في المخ تتعامل مع المدخلات الحسية.
الخميس 2018/12/27
الموجات الدماغية المثيرة للحركة تختفي بعد أسابيع من الولادة

تشعر الأمهات بحركة الأجنة داخل أرحامهن وتتزايد قوة هذه الحركات ونسقها عند الاقتراب أكثر من موعد الولادة. هذه الركلات ليست مجرد تحرك اعتباطي، هي، كما يرى العلماء، طريقة يعتمدها الجنين للتعرف على ما يدور حوله، علاوة عن أنها تساعد، إلى حدّ كبير، على نمو أنسجته وعظامه.

برلين - أظهرت دراسة حديثة أن ركلات الجنين داخل رحم الأم، قد تسمح له بتشكيل “خارطة جسدية” لنفسه، وتمكينه في النهاية من استكشاف البيئة المحيطة به.

أجرت الدراسة الكلية الجامعة في لندن، بالتعاون مع مستشفى الكلية، ونشرت نتائجها مؤخرا مجلة “ساينتيفيك ريبورتس” المعنية بالتقارير العلمية.

وفي إطار الدراسة، قام باحثون بقياس موجات الدماغ التي تصدر عندما تقوم الأجنة بالركل بأطرافها، أثناء “نوم حركة العين السريعة”، حيث وجدوا أن الموجات الدماغية السريعة، وهي بالضبط نمط الموجات لدى حديثي الولادة، يتم إطلاقها في النصف المقابل من المخ.

ويشار إلى أن “نوم حركة العين السريعة”، هي مرحلة من مراحل النوم تتميز بحركة العين السريعة.

وعلى سبيل المثال، تؤدي حركة اليد اليمنى للجنين إلى إطلاق موجات دماغية، بعد ذلك مباشرة، في الجزء الأيسر من المخ الذي يتعامل مع اللمس في اليد اليمنى. يشار إلى أن حجم هذه الموجات الدماغية يكون الأكبر لدى الأجنة، الذين عادة ما يكونون داخل الرحم.

وتشير النتائج إلى أن ركلات الجنين أثناء المراحل الأخيرة من الحمل، أي خلال الثلث الأخير من فترة الحمل، تساعد على نمو مناطق في المخ تتعامل مع المدخلات الحسية، وهي الطريقة التي يطور بها الجنين الإحساس بجسده. ثم تختفي الموجات الدماغية السريعة التي تثيرها الحركة، عندما يبلغ الطفل بضعة أسابيع. فبدراسة على مجموعة من المواليد في عمر يومين وأثناء النوم النشط، لحركة العين السريعة لديهم، وجد الباحثون أن نشاط أنماط الموجات الدماغية ألفا-بيتا يتضاءل عند الأطفال الأكبر سنا (أو الذين ولدوا بعد إتمام مدة الحمل كاملة)، ويكون أقوى ما يكون لدى الأطفال الأصغر سنا، والأكثر خداجا.

وأوضح الباحثون أن “هذا يشير إلى أن ذبذبات ألفا-بيتا المرتبطة بالحركة تؤدي دورا طوال الفترة التي تعادل الثلث الأخير من الحمل، وتتوقف عند إتمام فترة الحمل الكاملة، حتى وإن استمرت الحركات نفسها”، بعبارة أخرى، قد تظهر تحركات الأطراف النفضية في بعض الأحيان أثناء النوم النشط عند الأطفال الأكبر سنا (وحتى الكبار) ولكن النمو الحسي المقابل للركلات واللكمات المفاجئة يحدث فقط في حديثي الولادة ويختفي مع بلوغ الرضع بضعة أسابيع من العمر.

تحدث تلك الموجات الدماغية التي يتحدث عنها الباحثون في نصف الكرة المخية المُناظر للحركة، على سبيل المثال، حين يقوم الطفل الخديج بركلة مفاجئة بقدمه أو لكمة بيده اليمنى أثناء نوم حركة العين السريعة، يمكن ملاحظة الذبذبات في النصف الأيسر من الدماغ.

الحركات العفوية وردود الفعل اللاحقة من البيئة المحيطة خلال فترة النمو المبكرة، ضرورية من أجل رسم خرائط المخ

يقول لورينزو فابريزي، طبيب علم الأعصاب ووظائف الأعضاء والصيدلة بالكلية الجامعة في لندن، وأحد المشاركين في إعداد الدراسة، “من المعروف أن الحركات العفوية وردود الفعل اللاحقة من البيئة المحيطة خلال فترة النمو المبكرة، ضرورية من أجل رسم خرائط المخ لدى حيوانات مثل الجرذان. وقد أظهرنا هنا أن ذلك قد يكون صحيحا لدى البشر أيضا”.

أما كيمبرلي وايتهيد، طبيبة علم الأعصاب ووظائف الأعضاء والصيدلة بالكلية، فتقول “نعتقد أن نتائج (الدراسة) لها آثار على توفير بيئة مثالية للمبتسرين داخل المستشفى، حتى يتلقوا المدخلات الحسية المناسبة. فعلى سبيل المثال، من الأعمال الروتينية بالفعل بالنسبة إلى الرضع، وضعهم في أسِرّتهم ليناموا، حيث يسمح لهم ذلك بأن يشعروا بوجود سطح عندما يركلون بأطرافهم، كما لو كانوا ما زالوا داخل الرحم”. وأضافت وايتهيد أن النتائج تدعم دراسات أخرى تشير إلى ضرورة حماية النوم عند حديثي الولادة، على سبيل المثال، من خلال تقليل الاضطرابات المرتبطة بالإجراءات الطبية الضرورية أو عبر توفير أسرّة بها حواجز للحماية بالنسبة إلى حديثي الولادة، وخاصة الخدّج منهم، والذين يعد نومهم أساسيا لتطوير هذا الإدراك الحسي الجسدي.

واعترف الباحثون بأن الرضع الذين يتحركون أكثر من الآخرين أثناء النوم بطبيعتهم، قد يغيرون النتائج. لكن هذا البحث لا يقف عند هذا الحد. حيث يقوم أحدث عمل للفريق بفحص كيفية حدوث النمو الحسي اللاحق بعد عمليات “المسح” الأولية التي يقوم بها الطفل في بيئة الرحم. وقالت وايتهيد “هذه الأنماط المبكرة (التي تتطور عادة في الرحم) تمهد الطريق لخبرات ما بعد الولادة، وذلك للعمل على صقل الخارطة الذهنية الأولية”.

وتم قياس الموجات الدماغية للأطفال باستخدام تخطيط أمواج الدماغ “إي.إي.جي”، وقد تم تسجيلها بشكل مستمر أثناء النوم. كما تم تعريف النوم النشط سلوكيا، وفقا للملاحظة الجانبية لأسرّة الأطفال أثناء “نوم حركة العين السريعة”، والتنفس المتكرر وغير المنتظم إلى حد كبير وحركات الأطراف الفردية.

وشملت الدراسة في مجملها، 19 طفلا من حديثي الولادة، تتراوح أعمارهم بين 31 و42 أسبوعا (من عمر الحمل المصحح) عندما خضعوا للدراسة. ويشار إلى أن عمر الحمل المصحح يراعي عمر الطفل إذا كان مازال في رحم أمه. فعلى سبيل المثال، إذا وُلد طفل بعد 35 أسبوعا، ثم قضى أسبوعا بعد ميلاده، يكون عمر الحمل المصحح الخاص به 36 أسبوعا.

كما توصل العلماء إلى أن زيادة حركة الجنين داخل رحم الأم يتعلق بشكل مباشر ببناء عظام ومفاصل قوية.

ونشرت هذه النتائج في دورية “التنمية” لدراسة قام بها علماء من المعهد الهندي للتكنولوجيا في كانبور وكلية ترينتي في دبلن بأيرلندا. ومن خلال تحليل أجنة الدجاج والفئران، وجد الباحثون أن الحركة تساعد على تحفيز “التفاعلات الجزيئية” التي تحوّل الخلايا والأنسجة الجنينية في نهاية المطاف إلى عظام ومفاصل وظيفية.

وكشفوا أيضا أنه إذا لم يتحرك الأطفال بشكل كافٍ في الرحم، فقد يؤدي ذلك إلى وجود عظام هشة أو تطور غير طبيعي في المفاصل، هذا لأن جميع الأطفال كما كبار السن يحتاجون إلى أن تكون مفاصلهم وغضاريفهم مغطاة بالشحم بشكل جيّد حتى يتاح لهم الانحناء بشكل صحيح.

17