"رقصة البارود" تُخلّد انتصار الجزائر على الاستعمار

رقصة تراثية فولكلورية ترتبط بالمقاومة الجزائرية للاستعمار الفرنسي اشتق اسمها من كملة البارود وهو مادة صلبة تستعمل ذخيرة للبنادق التقليدية.
الأربعاء 2022/07/06
رجولة وشجاعة

الحكايات والأغاني والرقصات التراثية تحفظ تاريخ الشعوب وتخلد تقاليدها وعاداتها في مختلف الأوقات (أوقات الفرح أو الحزن…)؛ فرقصة البارود التي تنتشر في مناطق متفرقة هي رقصة الانتصار على الاستعمار الفرنسي للجزائر، وهي اليوم رمز للمقاومة والشجاعة.

الجزائر- يشكل الرقص الشعبي جزءا من التراث والتقاليد التي يحافظ عليها الجزائريون ويعتدون بها، بمختلف أشكالها وأنواعها.

من بين هذه الرقصات الشعبية “رقصة البارود” التراثية الفولكلورية، التي ترتبط بالمقاومة الجزائرية للاستعمار الفرنسي (1830 ـ 1962).

وإلى جانب الرقصات الشعبية والفولكلورية المعروفة في الجزائر -مثل الرقص القبائلي ورقص العلاوي- تشتهر رقصة البارود في جنوب البلاد خاصة بمحافظة أدرار.

اسم الرقصة مشتق من كلمة البارود (مسحوق يُصنع من الكبريت ونيترات الصوديوم والفحم)، وهو مادة صلبة قابلة للاشتعال والتفجير ويستعمل ذخيرةً للبنادق التقليدية.

وقبيل افتتاح المهرجان المحليّ للموسيقى والأغنية الوهرانية (26 ـ 28 يونيو) في محافظة وهران (غرب) أضفت فرقتا “الخيمة الخضراء” و”أولاد الصحراء” على المنطقة أجواء جميلة واستثنائية بتقديمهما لرقصة البارود.

والرقصة خاصة بالرجال، وتسمّى أيضاً “حلقة البارود”، وتتمثل في حلقة دائرية تدور من اليمن إلى اليسار، ويشكلها الراقصون بلباس موحّد وتتوسّطها مجموعة من العازفين.

وتختلف أزياء فرق هذه الرقصة -على صعيد الألوان والطرز وأشكال الخياطة- من منطقة إلى أخرى؛ زي الفرق يتمثّل في عباءة تكون مطرّزة غالباً، والشاش الذي يوضع على الرأس حسب كل جهة ومنطقة، فيما يحمل كل راقص ما يسمى “مُكحلة” باللهجة الجزائرية، وتعني البندقية.

ويؤدي الراقصون الذين يفوق عددهم 30 شخصاً مقاطع غنائية روحية تتضمّن ابتهالاتٍ ومدائح دينية.

يقول الصحافيّ الجزائري المختصّ في الشأن الثقافي فيصل مطاوي إنّ “رقصة البارود تراث وفولكلور شعبي موجود في بعض المناطق الجزائرية، خاصة في محافظة أدرار وتمنراست، وفي خنشلة، وفي محافظات الغرب الجزائري مثل وهران”.

ويضيف مطاوي أنّ “الرقصة لديها عدّة معانٍ من حيث الكلمات، وتكون على شكل دائرة، وتستعمل البارود كتعبير عن الفحولة والرجولة والشجاعة والإقدام”.

ويتابع “في الوقت نفسه يستعمل البارود في الأفراح، لذلك هذه الرقصة هي رقصة حفلات وأفراح ومناسبات يرحّب من خلالها بالضيوف”.

من جانبه يقول أمين بلحفيان، رئيس جمعية الخيمة الخضراء (مستقلة)، إنّ “رقصة البارود -ورقصات تراثية أخرى- تقدّمها فرق فولكلورية شعبية، من بينها فرقة البارود التي تنتمي إلى جمعية الخيمة الخضراء”.

وبخصوص أصل “رقصة البارود” أوضح أنها “نشأت عند سكان الصحراء في الجنوب الجزائري، وظهرت خلال حقبة الاستعمار الفرنسي للجزائر”.

ولفت إلى أن الرقصة مستوحاة من تاريخ مقاومة الاستعمار؛ إذ برزت في عدة مناطق جزائرية مقاومات شعبية للاستعمار الفرنسي وكانت البنادق البسيطة أهم وسيلة في هذه المقاومات. وتقام بعد الانتصار في المعارك حفلات رقص من قبل مقاومين يحملون هذه البنادق.

ووفق بلحفيان “هذا النوع من الرقص تطوّر في وقتنا الراهن، على صعيد الكلمة وطريقة إلقاء الأغاني، غير أنّ جوهره لم يتغيّر، وبقي محافظاً على طابع الرقصة وروحها”.

◙ رقصة ترتبط بالمقاومة الجزائرية للاستعمار الفرنسي
رقصة ترتبط بالمقاومة الجزائرية للاستعمار الفرنسي

وبخصوص الآلات المرافقة للرقصة، قال إنّها ثلاث آلات رئيسية وهي: آلة “القلاّل”، وتسمّى أيضا “الخلاّف”، وهي آلة إيقاع يضرب عليها باليد، ومصنوعةٌ من الطين والجلد. وآلة “الربّاع”، وهي عبارة عن طبل جلديّ متوسط الحجم. و”التبقّاي”، وهو آلة صغيرة عبارة عن طبل جلديّ أصغر حجماً من الأول والثاني، وتنسّق وتكمل ما تبقى من نغمتي الآلة الأولى والثانية ليصدر (النغم العام) بشكلٍ جميل”.

هذا إضافة إلى آلتين ثانويتين هما “المزمار” و”القرقابو” الذي هو آلة إيقاعية مصنوعة من المعدن، ولها قرصان محدّبان في الوسط ويقرعان فيما بينهما باليد.

من جهته قال الطيب بيداري، رئيس فرقة أولاد الصحراء من محافظة وهران، إنّ “الفرقة بدأت ممارسة فن رقصة البارود في تسعينات القرن الماضي، لكنّه ظهر خلال حقبة الاستعمار الفرنسي”.

واعتبر أنّ رمزية هذه الرقصة ليست روحية فقط، بل ارتبطت بمقاومة المستعمر الفرنسي، وكانت أداة مقاومة ونضال بالكلمة والعزف والأداء.

وبحسب بيداري، مع مرور الوقت تطوّرت هذه الرقصة الشعبية التي نشأت في الجنوب، وأصبحت تؤدّى في المناسبات الوطنية والأفراح والمهرجانات الموسيقية.

وتبقى رقصة البارود فولكلورا شعبيا متوارثا، ورمزا للمقاومة والأفراح، خاصة في جنوب البلاد، وتعكس هذه الرقصة أصالة وتاريخ الصحراء الجزائرية.

20