رفع العقوبات الأميركية لا يكفي لتعافي سوريا

بيروت (لبنان) - يعدّ إعلان الرئيس دونالد ترامب رفع العقوبات الأميركية المفروضة على دمشق خلال حكم بشار الأسد، خطوة مفصلية على طريق التعافي بعد نزاع مدمّر، لكن نهوض الاقتصاد السوري بعد سنوات من العزلة، لا تزال أمامه عقبات عديدة.
وتعهّد ترامب الثلاثاء في خطاب له من الرياض، رفع العقوبات من أجل "توفير فرصة" لسوريا للنمو وذلك بعد أقل من ستة أشهر على إسقاط تحالف فصائل معارضة حكم الرئيس بشار الأسد، وتولّي أحمد الشرع الرئاسة الانتقالية للبلاد.
وعقد الرئيسان السوري والأميركي الأربعاء في العاصمة السعودية اجتماعا هو الأول من نوعه منذ زهاء ربع قرن، حضره ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وشارك فيه الرئيس التركي رجب أردوغان عبر الهاتف.
ورأت دمشق في رفع العقوبات "نقطة تحوّل محورية". ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن وزير المالية محمد برنية قوله الثلاثاء إن القرار "سيساعد سوريا في بناء مؤسساتها، وتوفير الخدمات الأساسية للشعب وسيخلق فرصا كبيرة لجذب الاستثمار وإعادة الثقة بمستقبل سوريا".
ويشرح رئيس تحرير النشرة الاقتصادية الإلكترونية "سيريا ريبورت" جهاد يازجي أن "العقوبات الأميركية كانت الأكثر تأثيرا" بين كلّ العقوبات الغربية التي فرضت خلال الحكم السابق.
وأوضح أن رفع القيود الأميركية يعدّ "إشارة سياسية مهمة جدا، تعني ببساطة أنه يمكن للجميع العمل مع سوريا مجددا... وهذا أمر بالغ الأهمية"، مشيرا إلى أن "الأثر المباشر الأكثر وضوحا سيكون تسهيل تحويل الأموال من دول الخليج، بالإضافة إلى المساعدات الإنمائية بشكل عام".
وفرضت غالبية العقوبات عقب بداية النزاع عام 2011 إثر قمع السلطات بعنف الاحتجاجات المناهضة للأسد. وطالت في حينه بشار الأسد وعددا من أفراد عائلته وشخصيات وزارية واقتصادية. وفي 2020، فرضت عقوبات جديدة بموجب قانون "قيصر" استهدفت العديد من القريبين من الأسد بينهم زوجته أسماء.
كما فرضت بموجبه عقوبات مشددة على أي كيان أو شركة يتعامل مع السلطات السورية. وطال القانون كذلك قطاعات البناء والنفط والغاز، وحظر على واشنطن تقديم مساعدات لإعادة الإعمار.
ويشير يازجي الى أنه بالنسبة للسوريين الذين يقبع نحو 90 في المئة منهم تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، يبقى التأثير الأكبر على يومياتهم رهن رفع العقوبات عن القطاع المصرفي.
وفصلت العقوبات البنوك السورية عن النظام المصرفي العالمي "وبالتالي لم يكن من الممكن إجراء تحويلات مالية من وإلى سوريا"، بحسب الخبير.
ويرى أن رفع العقوبات عن القطاع المصرفي من شأنه "تسهيل عمليات التحويل من وإلى سوريا، مما سيُحسّن النشاط التجاري، ويُعزّز الاستثمار، وسيوفر الكثير من فرص العمل ويخلق بيئة أعمال أكثر نشاطا".
ويتوقع أن تنعكس عودة التعاملات المالية مع الخارج، إيجابا على الليرة السورية التي فقدت تدريجيا نحو 90 في المئة من قيمتها خلال سنوات النزاع. وبعدما كان سعر صرف الدولار الواحد يناهز 50 ليرة سورية قبل 2011، يراوح حاليا بين 10 آلاف و12 ألف ليرة.
ويشرح يازجي أنه "من المفترض أن يكون هناك تدفق أكبر للدولار إلى سوريا، ما قد يساعد على دعم قيمة العملة المحلية على المدى المتوسط إلى الطويل"، لكنه يشير الى "عوامل عديدة أخرى مؤثرة، مثل ما إذا كانت الحكومة ستقوم بطباعة المزيد من العملة وزيادة الإنفاق لرفع الرواتب".
ولا تزال سوريا تواجه الكثير من العقبات لناحية طول الاجراءات المتعلقة برفع العقوبات، أو أثرها المباشر على عملية إعادة الإعمار.
ويشرح الخبير في الاقتصاد السياسي السوري كرم شعار أن "إجراءات رفع العقوبات طويلة ومعقّدة، حتى في حال وجود إرادة سياسية"، مضيفا أن ذلك "قد يستغرق أشهرا، لأننا نتحدث هنا أيضا عن تشريعات عقابية، فبعض العقوبات تأتي بموجب قوانين وليس فقط بموجب أوامر تنفيذية"، موضحا أنه بينما "إلغاء الأوامر التنفيذية بسهولة أكبر، إلا أن القوانين أكثر تعقيدا بكثير".
ويقول شعار إنه في حالة قانون "قيصر"، يمكن للرئيس الأميركي "تعليق العقوبات، لكنه لا يستطيع فعليا إلغاءها من دون تصويت في الكونغرس". ولا يكفي رفع العقوبات وحده للدفع بعملية إعادة الإعمار الذي قدرت الأمم المتحدة كلفته بأكثر من 400 مليار دولار، بعد نزاع استمر 14 عاما وتسبب بمقتل أكثر من نصف مليون شخص وتهجير أكثر من 10 ملايين في سوريا وخارجها.
ولم يعد سوى 1.87 مليون شخص حتى الآن الى مناطقهم الأصلية منذ سقوط الأسد في الثامن من ديسمبر من العام الماضي، بحسب المنظمة الدولية للهجرة التي اشارت في تقرير لها في 14 مايو، إلى أن "نقص الفرص الاقتصادية والخدمات الأساسية يشكل التحدي الأبرز" أمام عودتهم.
وتعهّدت دول عربية وغربية في ختام مؤتمر عقد في باريس في فبراير الماضي، بالمساعدة في إعادة بناء سوريا. وبادرت دول الاتحاد الأوروبي ودول غربية بداية إلى تخفيف عدد من العقوبات، لكنّها رهنت اتخاذ خطوات إضافية باختبار أداء السلطات الجديدة في مجالات عدة مثل مكافحة "الإرهاب" وحماية حقوق الانسان والأقليات.
ويرى يازجي أنه يمكن بعد رفع العقوبات "البدء بالتفكير والتخطيط لإعادة إعمار على نطاق أوسع"، لكن رفعها "وحده لا يكفي"، بل ينبغي توافر "الأموال اللازمة لدعم هذا المسار" لا سيما من دول الخليج وأوروبا.