"رفراف" متنفس سكان العاصمة التونسية من حر الصيف

محافظة بنزرت- وفي مقدمتها مدينة رفراف- تقدم نموذجا مختلفا من السياحة الداخلية في تونس يعتمد على نقاوة البحر وامتداد الجبال الخضراء والغابات المطلة على الشواطئ.
السبت 2019/08/17
مناطق سياحية بتكاليف قليلة

تشهد سواحل العاصمة التونسية اكتظاظا طيلة فصل الصيف لقربها من السكان الذين يتنقلون إليها عبر الحافلات والقطارات، لذلك تحاول العائلات التي تمتلك وسيلة نقل خاصة اللجوء إلى شواطئ أخرى خاصة في محافظة بنزرت القريبة للاستمتاع بالبحر في مناخ أقل زحمة وضجيجا.

تونس- أحصت السلطات الأمنية خلال يوم عطلة في يوليو توافد أكثر من ربع مليون زائر إلى الشاطئ. وهو رقم يقترب من المعدل الاعتيادي في فترة الذروة للعطلة الصيفية التي تمتد من يوليو إلى النصف الأول من أغسطس.

تبعد “رفراف” عن العاصمة حوالي 60 كيلومترا. وبسبب التدهور المستمر للوضع البيئي بأغلب شواطئ ضواحي العاصمة، فإن أغلب المصطافين باتوا يفضلون التوجه شمالا إلى شواطئ مدن محافظة بنزرت. تقع رفراف فوق تلة ملتصقة بجبل الناظور، وعلى الساحل البحري هناك قسم آخر من المدينة يمتد على طول الساحل.

وعندما يحل الصيف فإن كل الطرق تؤدي إلى رفراف، ومع اشتداد الحر القائظ لا تتأخر أولى طلائع المصطافين في القدوم إلى المدينة الأندلسية أقصى شمال تونس. على الطريق التي تربط العاصمة بمحافظة بنزرت شمالا تبدو حركة السيارات خلال عطلة نهاية الأسبوع أقل سرعة من المعتاد بسبب حالة الاكتظاظ باتجاه شواطئ رفراف.

لكن محافظة بنزرت -وفي مقدمتها مدينة رفراف- تقدم نموذجا مختلفا من السياحة الداخلية في تونس يعتمد على نقاوة البحر وامتداد الجبال الخضراء والغابات المطلة على الشواطئ، كما يوفر مرافق الاصطياف بأسعار مناسبة للعائلات متوسطة الدخل مثل الإقامة السكنية المعدة للكراء ومطاعم الوجبات الخفيفة.

وأمام مأوى مكتظ بالسيارات بمدخل رفراف الشاطئ، يقود حارس عشوائي بعصاه الغليظة حركة السير ولا يتورع عن توزيع الشتائم على المغادرين حينما لا يتلقى أجرته، لكنه مثل الكثيرين من الحراس المنتشرين والباعة المتجولين، فإن الصيف في رفراف يمثل مصدر رزق للآلاف. وتعد سواحل محافظة بنزرت الأطول في تونس إذ تمتد على مسافة 200 كيلومتر.

شاطئ للعائلة
شاطئ للعائلة

وهي إحدى المناطق الإستراتيجية المطلة على حوض المتوسط وقد اقترن تاريخها الحديث في القرن العشرين بمعركة تحرير تونس، كونها كانت آخر الجيوب التي سيطر عليها المستعمر الفرنسي قبل دفعه إلى الانسحاب في معركة “الجلاء” عام 1962.

ودفع الأمر بوكالة “تهيئة وحماية الشريط الساحلي” إلى وضع مشروع ممول في جزئه الأكبر من وكالة التعاون الألمانية من أجل إعادة استصلاح المنطقة الساحلية لرفراف، عبر جلب حوالي نصف مليون متر مكعب من الرمال الاصطناعية إلى الشاطئ.

ورفراف من بين هذه الأماكن التي احتضنت المهاجرين الموريسكيين الذين قدموا في عهد حاكم تونس عثمان باي، وقدر المؤرخون عددهم بنحو 80 ألف مهاجر، حيث وفرت لهم السلطات الحماية ومنحتهم الأراضي وأعفتهم من دفع الضرائب لمدة ثلاث سنوات.

وعلى طول الشاطئ تتنافس المطاعم والمقاهي في ابتكار أشكال الخيام والواقيات الشمسية العملاقة على طريقة الجزر السياحية العالمية في المالديف والكراييب والمارتينيك لاستقطاب الحرفاء، غير أن الأسعار المرتفعة لا تشجع الكثيرين على ارتيادها.

وعلى مسافة تبعد نحو ثلاثة كيلومترات عن السواحل تنتصب صخرة عملاقة فوق جزيرة “بيلاو” في عمق البحر، وهي أحد الرموز المميزة للمدينة التي اختصت بظاهرة طبيعية فريدة تحدث مرة كل سنة، حيث يتغير لون الصخرة بالكامل ولفترة زمنية قصيرة إلى اللون الذهبي حين تتعامد أشعة الشمس على مركز الصخرة.

وقبالة الصخرة، يمكن للزائرين الاستمتاع على الشاطئ بلحظة الغروب الفريدة لأشعة الشمس آخر النهار. وفي رفراف وباقي القرى الأندلسية في محافظة بنزرت، برع الموريسكيون في الأنشطة البحرية كما امتهنوا الزراعة والتجارة ومارسوا الحرف الحضرية وتركوا بصمتهم في فنون البناء وصناعة الخزف والنسيج.

الاستمتاع بالبحر في مناخ أقل زحمة
الاستمتاع بالبحر في مناخ أقل زحمة

ولأسباب تاريخية وعسكرية، تختلف شواطئ محافظة بنزرت التي تنتشر فيها الثكنات حتى اليوم، عن باقي المدن الساحلية التونسية كونها الأقل استثمارا في القطاع السياحي، وهي لا تتوفر على الكثير من المنتجعات السياحية الفخمة مثل الحمامات أو سوسة أو جزيرة جربة. ولكن شاطئ رفراف على خلاف العقود الماضية تقلص بشكل كبير بسبب الانجراف البحري وأيضا بسبب زحف المساكن واتجاه الأهالي في المنطقة والوافدين إلى الاستثمار في العقارات قرب البحر لجني الأموال من الإيجار في فترة الصيف.

وليس البحر وحده من صنع شهرة رفراف بين التونسيين الباحثين عن الاستجمام؛ إذ تعتمد المدينة مثل باقي المدن المجاورة في محافظة بنزرت، كقلعة الأندلس ورأس الجبل والعالية، على إرث الموريسكيين، وهم الأندلسيون الذين قدموا إلى تونس في القرن السابع عشر بعد حملات الطرد من إسبانيا.ويقول رجل بجانب عائلته من أمام خيمته، “الجو خانق في العاصمة.. هنا الأمر مختلف، البحر والهواء ينعشان الروح. لا نحتاج أكثر من هذا”. ويضيف عامل البوابة “يأتي الناس من عدة مدن مجاورة وليس العاصمة فقط. يأتون من محافظات زغوان وباجة وسليانة وبن عروس. بنزرت، وبشكل خاص مدينة رفراف، تعد متنفسا للجميع”.

يقول أحد شيوخ المدينة أمام منزله المطل على الشاطئ، “في رفراف يمكن سماع الألقاب الأندلسية الإسبانية حتى اليوم، لكن حضورها خافت في ظل التوافد الكبير للمصطافين من المحافظات المجاورة. الجاليات التونسية العائدة من فرنسا ومن أوروبا أيضا تسيطر على المدينة”.

ويقول عامل الاستخلاص بإحدى البوابات على الطريق السريعة، “مع انطلاق العمل بنظام الحصة الواحدة في مؤسسات الدولة خلال الصيف تصبح الحركة بوتيرة أكبر. يأتي الناس بأعداد كبيرة كل يوم”. ويقول نادل في مطعم على الشاطئ، “يأتي الزائرون ويقضون يومهم في خيام من السعف، كما يجلبون معهم أكلاتهم. لا يحتاجون إلى الكثير من المال لقضاء يوم ممتع”.

رفراف

17