رصد "المتمارضين" في العمل.. مهنة تزدهر

فرانكفورت (ألمانيا) - في ألمانيا التي تواجه تحديات اقتصادية، أصبحت الزيادة الكبيرة في الإجازات المَرَضية بين العمّال مبعث قلق كبير لأصحاب الشركات… لكنّها مصدر رزق لماركوس لينتز الذي يدير شركة متخصصة في كشف ادعاءات المرض الكاذبة لدى الموظفين.
ويؤكد لينتز المقيم في فرانكفورت، العاصمة المالية للبلاد، لوكالة فرانس برس أن وكالته التي تقترح التحقيق مع الموظفين المشتبه في ادعائهم المرض من دون وجه حق، لم تشهد مثل هذا الحجم من الطلب من ذي قبل.
ويقول “هناك عدد متزايد من الشركات التي لم تعد ترغب في تحمل هذا الوضع”، لافتا إلى أن وكالته تتلقى ما يصل إلى 1200 طلب من هذا النوع سنويا، في ازدياد بواقع الضعف مقارنة بالعدد المسجل قبل بضع سنوات.
الألمان فقدوا ما معدله 6.8 في المئة من ساعات عملهم في العام 2023 بسبب المرض، أكثر من الدول المجاورة مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا
يضيف المحقق الذي يوفر هذه الخدمة منذ العام 1995 “إذا أخذ شخص ما 30 أو 40 أو في بعض الأحيان ما يصل إلى 100 يوم من الإجازات المرضية في السنة، فإنه سيصبح في مرحلة معينة غير ذي جدوى اقتصاديا لصاحب العمل.”
من عمالقة صناعة السيارات إلى منتجي الأسمدة، تدق الشركات الألمانية ناقوس الخطر بشأن تأثير ارتفاع معدلات الغياب بسبب المرض على أكبر اقتصاد في أوروبا.
وبات بعض رؤساء الشركات يعبّرون صراحة عن مواقفهم في هذا الموضوع، مثل أولا كالينيوس، المدير العام لشركة “مرسيدس بنز” الذي يأسف لأن “نسبة التغيب عن العمل في ألمانيا تبلغ في بعض الأحيان ضعف ما هي عليه في بلدان أوروبية أخرى.”
تصدرت شركة “تيسلا” التي يملكها الملياردير إيلون ماسك ويقع مصنعها الأوروبي للسيارات الكهربائية قرب برلين، عناوين الصحف من خلال إرسال مديرين تنفيذيين لمنازل موظفين متغيبين للتحقق من صحة مرضهم.
حصل العمال الألمان على 15.1 يوما في المتوسط من الإجازات المرضية في العام 2023، مقارنة بـ11.1 يوما في العام 2021، وفق معهد الإحصاء الوطني “ديستاتيس”.
ومن المتوقع أن يصبح هذا المنحى أكثر وضوحا في العام 2024، إذ يشير أحد صناديق التأمين الألمانية الرئيسية، “تي.كاي” TK، إلى أنه غطى 14.1 يوما من الإجازات المرضية في المعدل لكل عامل خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، وهو رقم قياسي.
وبحسب بيانات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، فقد الألمان ما معدله 6.8 في المئة من ساعات عملهم في العام 2023 بسبب المرض، أكثر من الدول المجاورة مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.
شيخوخة السكان الألمان، مع وجود نسبة كبيرة بشكل متزايد من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاما في صفوف السكان العاملين، تشكل أحد العوامل التي تفسر هذا الوضع
وفيما يتعقب المحقق ماركوس لينتز “المتمارضين”، فإن إرجاع الزيادة في الإجازات المرضية إلى عمليات التحايل وحدها يشكل “تبسيطا خطيرا”، على ما يؤكد معهد WSI التابع لمؤسسة هانز بوكلر المرتبطة بالنقابات الألمانية.
وهذا يرقى إلى “طمس الأسباب الحقيقية”، بحسب المديرة العلمية لمعهد WSI بيتينا كولراوش التي تسلط الضوء على عوامل عدة، بينها الزيادة في أمراض الجهاز التنفسي وظروف العمل المجهدة وضعف أنظمة الحماية الاجتماعية.
كما أن شيخوخة السكان الألمان، مع وجود نسبة كبيرة بشكل متزايد من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاما في صفوف السكان العاملين، تشكل أحد العوامل التي تفسر هذا الوضع.
وفي فرنسا، أشارت الإحصاءات الرسمية أيضا منذ العام 2019 إلى تسارع وتيرة زيادة الإجازات المرضية في القطاع الخاص وبين العاملين بعقود الخدمة المدنية، من دون الأخذ في الاعتبار الإجازات المرضية المرتبطة بكوفيد – 19.
ومهما كانت أسباب هذا الاتجاه، فإنه “يؤثر بلا شك” على أداء ألمانيا التي تعاني أصلا أزمة في نموذجها الاقتصادي، على ما قال كلاوس ميشيلسن، الاقتصادي في جمعية الأعمال الألمانية لوكالة فرانس برس.
واحتسب هذا الاتحاد أن زيادة الإجازات المرضية أدت إلى انخفاض كبير في الإنتاج عام 2023، والذي لولاه لكان الاقتصاد الألماني سينمو بنسبة 0.5 في المئة، بينما سجل في الواقع انكماشا بنسبة 0.3 في المئة. وهذه النتيجة أكدها البنك المركزي الألماني، وبموجبها أدت معدلات المرض “المرتفعة نسبيا” إلى “تباطؤ النشاط الاقتصادي” عام 2023.