رسالة مصر إلى باتيلي: إذا لم نملك الحل نستطيع العقد

وزير الخارجية المصري يؤكد على ضرورة عدم السماح لأي طرف داخل ليبيا باختطاف العملية السياسية من خلال فرض الأمر الواقع.
الأربعاء 2023/02/08
رسائل إيجابية

القاهرة - عاد مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا عبدالله باتيلي إلى القاهرة بعد انقطاع لم يدم طويلا، واستمع إلى رؤيتها الرافضة لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة، ومفادها أن دعم المجتمع الدولي له يعرقل تحرك العملية السياسية في ليبيا إلى الأمام.

ويصعب الحديث عن تغيير مباشر في قناعات باتيلي بشأن الدبيبة، لكن اللقاء الذي عقده مع وزير الخارجية المصري سامح شكري في القاهرة الثلاثاء حمل الكثير من الرسائل الإيجابية التي تخفف جمود العلاقة بين الجانبين، ومعها أخرى مبطنة تؤكد أن مصر تمسك بكل التفاصيل في ليبيا ولن تسمح لأحد بالقفز على دورها.

وإذا لم تسفر الجهود التي بذلتها القاهرة في الفترة الماضية، لضخ الدماء في العملية السياسية، عن نتائج ملموسة فإنها عززت الاستعداد العام للحل، وأثبتت أن مصر قادرة على عرقلة أي خطة في ليبيا لا ترتكز على أسس سليمة أو تخدم مصالح أطراف معينة.

وأكد شكري خلال استقباله باتيلي في القاهرة على ضرورة عدم السماح لأي طرف داخل ليبيا باختطاف العملية السياسية من خلال فرض الأمر الواقع، في إشارة إلى استمرار الدبيبة في منصبه ورغبته في الاستمرار والإشراف على الانتخابات.

وشدد وزير الخارجية المصري على ضرورة توقف بعض الأطراف الخارجية عن محاولات تطويع العملية السياسية في ليبيا وفقا لمصالحها.

وحملت زيارة قام بها مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز إلى طرابلس وبنغازي إشارات واضحة إلى أن واشنطن تعول على بقاء الدبيبة وتعاون القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر للقضاء على قوات فاغنر الروسية في الأراضي الليبية دون اعتبار ما يمكن أن يقود إليه ذلك الآن من انعكاسات على العملية السياسية.

ونشطت القاهرة في الفترة الماضية على مستويات توحي بأن هناك زخما يدفع نحو الخروج من الجمود الذي يلازم العملية السياسية، لكن قوبل بتجاهل أو عدم ترحيب من المبعوث الأممي الذي بدت تحركاته داعمة لاستمرار الدبيبة رئيسا للحكومة.

ويجد هذا الاتجاه رفضا من مصر التي سحبت اعترافها بحكومة الدبيبة، حيث ترى فيه أحد عناصر الأزمة التي لن يستطيع باتيلي تفكيك ألغازها بمفرده أو بعيدا عنها.

وقال متابعون لـ”العرب” إن “القاهرة تعلم أن الأمم المتحدة تلعب دورا مهما في حل الأزمة الليبية، لكن المشكلة أنها أغرقت نفسها في التفاصيل وتفريعاتها، وترضخ لأجندات بعض القوى الخارجية، ما يعوق قدرتها على تحقيق نجاح حقيقي”.

القاهرة تعتقد في صعوبة إجراء الانتخابات في ظل وجود الفوضى الراهنة في الميليشيات

وأضاف المتابعون أن “عودة باتيلي إلى القاهرة لا تعني أنه تخلى عن قناعاته بشأن الدبيبة أو بات منسجما تماما مع رؤية مصر، بل تعني أنه يريد مشاركتها في العملية كي لا يتحمل نتائجها السلبية بمفرده وتصبح نهايته شبيهة بمن سبقوه في المهمة ذاتها”.

ودار خلال اللقاء بين شكري وباتيلي نقاش حول التطورات الخاصة بالحل السياسي في ليبيا، وأطلع الأول الثاني على مستجدات المسار الدستوري في ظل الاجتماعات المتلاحقة التي استضافتها القاهرة خلال الفترة الماضية.

وحدث ما يشي بالتوافق على أهمية إنجاح المسار برعاية البعثة الأممية، تمهيداً لعقد الانتخابات التشريعية والرئاسية بلا تأخير وخروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب في وقت محدد دون إبطاء، وذلك تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن.

وأوضح  باتيلي أن البعثة الأممية أكدت لجميع الأطراف على أن مفتاح الحل يقع في أيدي الليبيين، وأنه ينصح دائماً جميع الأطراف الذين يتحدث معهم بضرورة إبداء المرونة تجاه القضايا القليلة المتبقية في المسار الدستوري.

ولفت مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق حسين هريدي إلى أن زيارة باتيلي جاءت ضمن جهود حثيثة يبذلها لعقد الانتخابات قريبا، استمراراً للتشاور مع قوى إقليمية لديها اتصالات مع كافة القوى السياسية الليبية الموجودة على الأرض، ما يساعد على نجاح تحركاته والحصول على أكبر قدر من التأييد لخطواته.

عودة باتيلي إلى القاهرة لا تعني أنه تخلى عن قناعاته بشأن حكومة الدبيبة أو بات منسجما تماما مع رؤية مصر
عودة باتيلي إلى القاهرة لا تعني أنه تخلى عن قناعاته بشأن حكومة الدبيبة أو بات منسجما تماما مع رؤية مصر

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن “الجهود التي يبذلها المبعوث الأممي تحظى بترحيب دولي، وهناك إدراك لعدم إمكانية استبعاد أي طرف من الأطراف المؤثرة ذات الصلة بالأزمة، بما فيها مصر، ما يسهم في دعم تحركاته هذه المرة”.

وشدد على أن الأمم المتحدة تسير في طريق الوصول إلى الانتخابات وتحاول أن تتحلل من مواقفها بشأن حكومة الدبيبة فيما يشبه المراجعة وتعمل على دعوة القوى السياسية، بصرف النظر عن أسمائها، إلى تحقيق هدف رئيسي، وهو إجراء الانتخابات.

وبدأت اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5) اجتماعا لها في القاهرة برعاية الأمم المتحدة وحضور ممثلين عن دول الجوار (السودان وتشاد والنيجر) على مدار يومي الثلاثاء والأربعاء، لتفعيل لجان التواصل المتفق عليها، في إطار بحث خطة إخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا.

وتعتقد القاهرة في صعوبة إجراء الانتخابات في ظل وجود الفوضى الراهنة في الميليشيات، والتي تعمل تحت غطاء بعض القيادات السياسية الحالية.

وذكر باتيلي أن المسار الأمني له دور مهم في تمهيد الطريق لإقرار بيئة سياسية واقتصادية مواتية، وأن اجتماع اللجنة العسكرية في سرت (عُقد في منتصف يناير الماضي) حقق تقدما، بما في ذلك ترشيح أعضاء لجنة التواصل الليبية لتمكينهم من العمل مع نظرائهم من دول الجوار.

وكان باتيلي قد ناقش مع حفتر في بنغازي الاثنين الأوضاع السياسية والأمنية والمجتمعية الراهنة في ليبيا، واتفقا على ضرورة مشاركة جميع الأطراف بشكل بناء وبلا تأخير في وضع إطار دستوري لتسهيل الانتخابات.

واجتمع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري في القاهرة أوائل الشهر الماضي، وأصدرا بيانا مشتركا أكدا فيه التوافق على وضع خارطة طريق واضحة ومحددة لاستكمال الإجراءات اللازمة من أجل إتمام العملية الانتخابية، وقيام اللجنة المشتركة بين المجلسين بإحالة الوثيقة الدستورية إلى المجلسين لإقرارها طبقا لنظام كل مجلس، غير أن الخلافات بينهما أطلت برأسها من جديد.

7