رسائل سياسية واقتصادية وراء توجه الحكومة المصرية إلى العاصمة الإدارية

تحاول الحكومة المصرية إثبات جدوى مشروع العاصمة الإدارية الذي تعرض لانتقادات شديدة أثناء تشييده، وتعمل الآن على بدء العمل منها حيث دعت الوزراء إلى التكثيف من وجودهم في المقرات الجديدة، لكن الأمر لا يبدو بالسهولة التي تروّج لها الحكومة حيث يرتبط ذلك بتوفر العوامل المساعدة لإتمام نقل الموظفين.
القاهرة – بعثت الحكومة المصرية جملة من الرسائل السياسية عقب توجيه وزرائها إلى تكثيف التواجد في مقارها الجديدة بالعاصمة الإدارية (شرق القاهرة) الفترة المقبلة، بعد أن كان من المقرر الانتقال التدريجي إليها منذ عامين، إلا أن انتشار وباء كورونا أربك خططها وتأثرت مرة أخرى بتداعيات الأزمة الأوكرانية وما ترتب عنها من تداعيات اقتصادية أصابت القاهرة بأضرار بالغة.
وتهدف الخطوة الجديدة للتأكيد على أن مشروع الجمهورية الجديدة المرتبط مباشرة بتشييد العاصمة الإدارية يمضي في طريقه ولم يتعرض لانتكاسات أو عثرات جراء الأزمة الاقتصادية الراهنة، فضلا عن التأكيد أن الحكومة غير مضطرة للتراجع عن بعض المشروعات القومية، وإذا حدث فلا علاقة له بالعاصمة الإدارية.
وجاء انعقاد الاجتماع الأسبوعي للحكومة الأربعاء في مقرها الجديد بالعاصمة، بعد أن قلصت حضورها خلال الشهرين الماضيين، لترسل إشارة واضحة بأنها تسير في طريق تجاوز الارتباك الذي أصابها جراء تأثير الأزمة الاقتصادية، وأن الانتقال لا يمكن التراجع عنه ووجود صعوبات تواجه المشروع لا يعني عدم الانتهاء منه.
وشدد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي على أهمية تكثيف تواجد الوزراء وأطقم العمل المختلفة بمقرات الوزارات بالحي الحكومي بالعاصمة الإدارية في إطار خطة الدولة لانتقال الحكومة للعمل من هناك بصورة كاملة الفترة المقبلة.
ويقع الحي الحكومي المزود بجميع الخدمات العصرية في شرق العاصمة الإدارية، ويضم مقر رئاسة الوزراء ومقار 34 وزارة وهيئة أخرى.
ويتعلق الانتقال للعاصمة الإدارية باستحقاقات سياسية، ويُعبر عن مرحلة جديدة من المتوقع أن يذهب فيها النظام الحالي نحو تدشين تعديلات دستورية تتوافق مع الجمهورية الثانية، وإجراء تغيير واسع في الحكومة الحالية جرى الحديث عنه وربطه بالانتقال إلى هناك منذ فترة، ولذلك فتوجيه الاهتمام نحو التواجد في المقرات الجديدة يؤشر على أن الاستحقاقات بدأت تأخذ طريقها للتنفيذ.
وهناك قناعة لدى بعض المراقبين بأن النظام المصري لا توجد لديه ممانعة ليلقي بثقله باتجاه العاصمة الإدارية التي كانت محل جدل سياسي السنوات الماضية لإثبات صحة موقفه الذي ذهب إليه منذ الإعلان عنها قبل ست سنوات، لكن في الوقت ذاته يواجه صعوبات تجعله يتردد في خطواته لخشيته حدوث المزيد من التأثيرات السلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
كريم العمدة: الحكومة تسعى لإثبات صحة موقفها من العاصمة الإدارية
ولعل ذلك يُفسر عدم اتخاذ قرارات مباشرة تشير لانتقال مجموعات من الموظفين كان من المفترض تواجدهم في تلك المقار بشكل تدريجي لإتمام المرحلة الأولى والاكتفاء فقط بمسألة توجيه الحضور بما يوحي بمخاوف مازالت حاضرة.
وتستهدف الحكومة انتقال قرابة 50 ألف موظف للعمل في الحي الحكومي بالعاصمة الإدارية ضمن خطة تنفذ على مراحل ليكتمل العدد مع الافتتاح الرسمي الذي لم يتحدد موعده بعد بشكل نهائي.
وقال الكاتب والمحلل السياسي محمود العلايلي إن الانتقال يصعب تحقيقه بتوجيهات حكومية كالتي صدرت مؤخرا، والأمر يتطلب قرارات واضحة بحيث لا تكون المسألة انتقائية وغير منظمة، خاصة أن كثيرا من مؤسسات الدولة بحاجة لخطط لوجستية تنطلق منها عملية الانتقال، والقضية أكبر من محاولات فردية من رئيس الحكومة.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن فكرة انتقال الحكومة للعاصمة الجديدة غير قابلة للنقاش وسيحدث ذلك عاجلا أم آجلا، غير أن الأمر يرتبط بتوفر العوامل المساعدة لإتمام نقل الموظفين، وحينما تكون الأوضاع جاهزة فالدولة بمؤسساتها المختلفة سوف تستقر هناك بصورة منتظمة.
وأشار إلى أن التوجيهات الأخيرة تُعبر عن اهتمام الدولة بالانتقال والتأكيد على وجود قدرة لتحقيق ذلك، تحمل في ثناياها أهدافا اقتصادية لتفعيل الاستفادة من كافة الاستثمارات التي لن تكون لها قيمة حقيقية دون أن تنتقل مؤسسات الدولة الكبرى.
وتأثرت بعض المشروعات الاستثمارية الضخمة المقامة في العاصمة الجديدة سلبا بتداعيات الأزمة الاقتصادية الراهنة التي أدت لزيادة أسعار غالبية المواد الغذائية ومواد البناء ووجدت الشركات العاملة نفسها في مأزق جراء عدم قدرتها على تحقيق عوائد من استثماراتها متأثرة بالركود العام، ما تطلب استدارة حكومية قد تُحدث انتعاشا.
وحملت التصريحات الإعلامية لمتحدث مجلس الوزراء السفير نادر سعد عقب اجتماع الأربعاء تأكيدات بوجود عدد من المعوقات التي تواجه عملية التنفيذ، وأن اجتماع الحكومة تطرق إليها وناقش مقترحات، لم يسمها، للتغلب عليها.
ويقول مراقبون إن على الحكومة السير بخطوات أسرع لإتمام الانتقال إذا أرادت نجاح خطتها لجذب القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية التي أعلنت عنها في مؤتمر صحافي عالمي قبل أيام، لأن تعثر الشركات العاملة في العاصمة الإدارية له تبعات سلبية على الثقة في السوق المحلي وقد يترتب على ذلك المزيد من خروج رؤوس الأموال المهمة.
الانتقال إلى العاصمة الإدارية يعبّر عن مرحلة جديدة من المتوقع أن يذهب فيها النظام نحو تعديلات دستورية
وأكد الخبير في الاقتصاد السياسي كريم العمدة أن الحكومة مقتنعة بأن العام الحالي لا بد أن يشهد توافدا تدريجيا للعاصمة الجديدة إذا تمكنت من تشييد المباني وتجهيز أغلبها بالبنية التحتية اللازمة، وأن السبيل الأفضل نجو جذب المواطنين إليها يتمثل في انتقالها والاستفادة مما تحقق على الأرض في السنوات الماضية.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة تسعى لإثبات صحة موقفها بشأن البدء في تشييدها قبل الأزمة الاقتصادية وتأثيراتها العالمية أمام المواطنين الذين طالما وجهوا انتقادات بشأن مدى جدوى المشروع، وعلى الجانب الآخر فإن القيادة السياسية تهتم بكسب ثقة الشركات والبنوك الأجنبية المشاركة في بناء المشروع وتستهدف الاستفادة من الاستثمارات الضخمة التي ضختها.
وذكر العمدة أن النظام السياسي أمام اختبار إقناع المواطنين بأن المشروع ليس مجرد إنشاءات على الأرض، وثمة قابلية لوجود حياة طبيعية بعد أن جرى الانتهاء من التجهيزات، من طرق وقطارات كهربائية، تدعم سهولة الوصول لها، ويعد ذلك التحدي الأبرز خلال الأشهر المقبلة وستحاول إثبات قدرتها على النجاح.
ويتخوف متابعون من أن تكون تداعيات الأزمة الاقتصادية أكبر من قدرة الحكومة على تمرير مخططاتها، وفي تلك الحالة فإن الإشارات السياسية لن تحقق الغرض منها، وربما تجد نفسها أمام إرجاء جديد للانتقال إلى حين توفر الأجواء الملائمة.