رد الفعل الأوروبي على أزمة الطاقة يتحول إلى لعبة

يتخبط قادة الاتحاد الأوروبي لإيجاد حل لأزمة الطاقة قبل حلول الشتاء القادم، وأحد أسهل الحلول التي اختاروها هي فرض ضريبة على الموطنين مخصصة لدعم أسعار مواد الطاقة التي سيدفعون ثمنها بعد الاستهلاك، وهو ما يشبّهه محللون بمخطط للاحتيال يسرق أموال الشعوب ولا يقدم لها حلولا نهائيا وعملية.
بروكسل - يحاول قادة الاتحاد الأوروبي هذه الأيام التوصل إلى حل دائم لأزمة الطاقة التي تزداد سوءا يوما بعد يوم، لكن طريقتهم لا تبدو أنها ستؤدي إلى أي نتائج دائمة.
وتوقعت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني أن تتجاوز فواتير الطاقة في أوروبا مستويات ما قبل جائحة كوفيد – 19 بأكثر من تريليون يورو، مشيرة إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة يؤجج السخط بشأن الجهة التي يتعين عليها أن تتحمل هذا العبء المالي الشديد.
مخطط للاحتيال
تقول المحللة إيرينا سلاف في تقرير لموقع أويل برايس الأميركي إن البعض يشبهون طريقة قادة الاتحاد الأوروبي بمخطط بونزي الذي تعود تسميته إلى صاحبه الذي ابتكر الفكرة أوائل القرن الماضي، وهو المحتال الإيطالي الشهير شارلز بونزي الذي انتقل للعيش في الولايات المتحدة، واشتهر بالقيام بعمليات تزوير واحتيال على المئات من الضحايا طيلة سنوات في ولاية كاليفورنيا الأميركية.
وانطلقت الفكرة سنة 1919 حين قام شارلز بونزي بتأسيس شركة تقوم على تبادل الطوابع البريدية من مختلف الدول واستبدالها في الولايات المتحدة لتحقيق هامش الربح. وتمكن عبر تطوير مخططه في استدراج المستثمرين وتشجيعهم على إيداع أموالهم، من جمع مبلغ قيمته 30 ألف دولار وذلك خلال وقت قصير، ثم سرعان ما حقق أرباحا بقيمة 250 ألف دولار، ليتم اعتقال أكبر المحتالين الماليين في تاريخ الولايات المتحدة شارلز بونزي، بتهمة الاحتيال.

إيرينا سلاف: وجهة أوروبا أسوأ بكثير من مخطط بونزي للاحتيال
ويعرف نظام بونزي بكونه نظاما هرميا أو تسويقا شبكيا، يقوم على فكرة تخليص المستثمرين من أموالهم، وذلك بإغوائهم بالثراء السريع، عبر إيداع أموالهم وكسب أرباح كبيرة خلال فترة زمنية محددة دون التعرض لأي مخاطر استثمارية.
ويتم تحفيز الناس للاستثمار عبر تزوير وثائق تكاد تكون حقيقية، لمشاريع ومخططات وهمية يتم تقديمها للمستثمر بشكل معقول ومنطقي لزيادة فرص إقناعه، إضافة إلى اعتماد التسويق الإعلامي الذي يروج أخبارا عن نجاح مشاريع لمستثمرين آخرين وتحقيقهم أرباحا طائلة، ضمن نفس المخطط.
وقال وزير الطاقة الأميركي السابق دان بروليت لقناة سي.إن.بي.سي هذا الأسبوع إن “إحدى أسهل أدوات السياسة إن صح التعبير، هو أنه يمكنك تمرير مشروع قانون، وتخصيص الأموال ومنحها للمواطنين لدفع فواتير الكهرباء الخاصة بهم”.
وقد أجاب بنعم عندما سُئل عما إذا كان يمكن مقارنة النهج بمخطط بونزي.
ومع ذلك، تقول سلاف إن “الضريبة غير المتوقعة ودعم الطاقة ليست سوى البداية حسبما يبدو، وقد يتضح أن الوجهة ستكون أسوأ بكثير من مخطط بونزي”.
وذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز هذا الأسبوع أن خطط الاتحاد الأوروبي تستهدف الشركات في الدول الأعضاء ومن شأنها أن تسمح لبروكسل بإملاء على هذه الشركات بما يجب إنتاجه، وكمية ما تطرحه، ولمن تبيعه في الأزمات. وسيكون تعريف الأزمة في هذا الإطار من مهام الاتحاد الأوروبي نفسه.
وقال مارتيناس باريساس مدير بزنس يوروب التنفيذي، وهي جمعية لأصحاب الأعمال “سنكون قلقين للغاية إذا تقرر تبني هذا الاقتراح في شكله التدخلي”. وذكر أنه “يمكن أن يُلزم الدول الأعضاء بتجاوز قانون العقود، وإجبار الشركات على الكشف عن المعلومات الحساسة تجاريا، ومشاركة منتجاتها المخزنة أو فرض إنتاجها تحت أي نوع من الأزمات التي تقررها المفوضية”.

وركز تقرير آخر صادر عن بلومبيرغ على إجراءات التدخل المباشر في سوق الطاقة التي تدرسها بروكسل. واستشهد بالعديد من عمليات الإنقاذ التي اضطرت حكومات ألمانيا والسويد وفنلندا إلى اللجوء إليها لتجنب انهيار المرافق نتيجة لأزمة الأسعار كأحداث دفعت التكتل نحو نهجه الحالي.
ويتمثل الإجراء الذي سيُناقش في اجتماع لوزراء الطاقة الجمعة في تحديد سقف لواردات الغاز الروسي، وتحديد سعر الغاز المستخدم في توليد الكهرباء مؤقتا وتعليق تداول مشتقات الطاقة في محاولة لتعزيز السيولة في سوق الكهرباء المضطرب.
وقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بنحو 400 في المئة خلال سنة 2021. وانطلقت الأزمة فعليا خلال هذه الفترة من السنة الماضية، ولم يؤد غزو أوكرانيا إلا إلى تفاقم الوضع السيء بالفعل.
الحلول صعبة

اقرأ أيضاً: هذه هي البدائل المتاحة للغاز الروسي أمام أوروبا
بالنسبة إلى دان بروليت رئيس سيمبرا للبنية التحتية الناشط في مجال الغاز الطبيعي المسال، فإن الحل سهل: لا تحتاج أوروبا سوى إلى الاستثمار في المزيد من الاعتماد على النفط والغاز القادم من الولايات المتحدة. لكن استبدال اعتماد باعتماد آخر لا يعدّ المسار الأفضل بالنسبة لأوروبا نفسها، حتى وإن كانت العلاقات السياسية مع الولايات المتحدة تختلف اختلافا كبيرا عن العلاقات مع روسيا.
ولا يكمن الحل أيضا في الطاقة النظيفة “المنتجة محليا”، كما وصفتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الأسبوع الماضي، وذلك لأسباب مادية بحتة. حيث لا توجد مواد خام كافية لجعل أوروبا معتمدة على طاقة الرياح والطاقة الشمسية كليّا. وكل هذا دون الإشارة إلى الاعتماد العالمي على الأتربة النادرة وقدرة معالجة الليثيوم في الصين.
وينتظر شتاء صعب أوروبا. وأصبحت محاولات التأقلم يائسة قبل أن تبدأ فواتير موسم التدفئة الأولى في الظهور، وهذا ما يقود إلى اتجاه تدخلي متزايد. وقد دفع هذا بالفعل البعض إلى اتهام الاتحاد الأوروبي بأنه سلطوي وظهرت مقارنات مع الاتحاد السوفيتي على وسائل التواصل الاجتماعي.
وترى الباحثة سلاف أن مواطني الدول الأعضاء في التكتل الأوروبي يحتاجون بالفعل إلى سياسات الطاقة المعتمدة في بلدانهم. ومن المنتظر أن تتضاعف الاحتجاجات مع مرور الخريف وقدوم الشتاء. وليس لدى الحكومات الأوروبية للأسف العديد من الأوراق للعبها إلى جانب التدخل المباشر في أسواق الطاقة و”مخطط بونزي” تفرضه على الأسر.