ردة عن الثورة وتغريد خارج سياقات التاريخ

الثلاثاء 2017/03/28
لا عودة إلى الوراء

بات متواترا هذه الأيام، عودة الحديث عن ضرورة عودة النُخب القديمة التي أطاحت بها ثورات الربيع العربي، والتي سيطرت على مفاصل الحياة في عهد الرؤساء السابقين، إلى تولي مقاليد الإدارة والحكم من جديد، بل وبتنا نسمع من يترحم على أدائهم ويردد “ولا يوم من أيام السياسيين السابقين”.

غير أن تلك “النغمة” الجديدة، يراها الكثيرون نشازا خارجا عن سياقات التاريخ، وردة إلى الخلف، نظرا إلى الفشل الذريع الذي أحدثه هؤلاء المسؤولون السابقون في المجتمعات العربية، ويتساءل هؤلاء المعارضون: لماذا العودة وقد ثارت عليهم شعوبهم وخرجت إلى الشوارع بالملايين مطالبة بطردهم، وها قد طردتهم؟

يقول المعارضون لعودتهم، كيف نأمن لهم وهم لم ينجزوا أيام توليهم المناصب أي مشروع تنموي ناجح يبرر عودتهم، كما أنهم قدّموا أسوأ نموذج في التاريخ المعاصر، قام على تنمية التخلف وتخلف التنمية. وها هي تقارير المنظمات الدولية تشير إلى تدهور غير مسبوق للمجتمعات العربية في كل مجالات الحياة؟

أيضًا، تحمل عودة هؤلاء “السابقين” في طياتها، احتمالية عودة الدائرة الخبيثة القائمة على زواج المال بالسياسة، وسيطرة رجال الأعمال و”البزنس المتوحش” على صنع القرار السياسي، وهو ما أدى إلى نموّ سرطاني غير مسبوق لدوائر المصالح، التي ضمت تحالفا غير مقدس بين القادة السياسيين وكبار رجال الأعمال والبيروقراطية الفاسدة.

عودة هؤلاء "السابقين"، إلى امتلاك ناصية المؤسسات من جديد بالمجتمع، سوف تمثل استمرارا لنهج الفساد المتجذر في كل شيء، على مستوى جميع الأصعيدة

كيف ننسى-نحن المواطنين الذين خرجوا إلى الميادين والشوارع مطالبين بالانعتاق- تراكم ثروات شعوبنا في قبضة قلة قليلة من المتسلطين والمرتشين والطفيليين، على حساب القاعدة العريضة من المواطنين، حتى بات الفقر هو القاسم المشترك الأعظم بين نحو 85 بالمئة من المواطنين العرب؟

وعلى الصعيد السياسي، لم ينجح هؤلاء "السابقون" المطلوب إعادتهم- والذين يحلو للبعض تسميتهم برجال الرئيس- في إقامة حياة سياسية ناجحة أو مؤسسات محترمة متماسكة، سواء في صورة أحزاب أو تنظيمات للمجتمع المدني أو إدارات محلية في المدن والأقاليم والمحافظات، كان من الممكن أن تصبح نواة لتأسيس ديمقراطية حقيقية تجعل المجتمعات العربية تدق أبواب العصر.

عودة هؤلاء "السابقين"، إلى امتلاك ناصية المؤسسات من جديد بالمجتمع، سوف تمثل استمرارًا لنهج الفساد المتجذر في كل شيء، ليس على الصعيدين المالي والإداري فحسب، بل والأخلاقي كذلك، وليس خافيًا بالتأكيد، على الكثيرين مِنا، أن الدول العربية تحتل الآن أعلى سلم مؤشرات الفساد وعدم الشفافية، في كل التقارير والدراسات الصادرة عن المنظمات الدولية في هذا الشأن.

ويلفت المعارضون أيضًا، إلى أن هؤلاء “المتنفذين” السابقين، كانوا في الكثير من الأحيان، جسرًا عبر عليه أصحاب المصالح الاقتصادية والسياسية، بل والثقافية، في الخارج، إلى قلب الاقتصاد العربي، في تلك الدول التي ثارت، فرأينا سياسات الخصخصة، والانفتاح الاقتصادي غير المنضبط، وبيع القطاع العام، وتشريد الملايين من العمال بعد بيع مصانعهم، فمن ذا يضمن عدم التكرار؟

وليس هذا فحسب، بل ولم يقدّم هؤلاء المسؤولون السابقون نموذجًا يُحتذى في نصيحة الحكام (السابقين أيضًا)، يحول بينهم وبين غضب الشعوب عليهم، وقد يكون من الجائز القول إن هؤلاء المسؤولين أنفسهم كانوا هم سبب نكبة هؤلاء الحاكمين، فكيف يخرج علينا البعض الآن متعللين بأن السابقين من المسؤولين سيكونون خيرًا وبركة على الحكام الحاليين؟

أما عن التعلل بحجة أن هؤلاء العائدين، هم الذين يمتلكون وحدهم مفاتيح الحكمة والخبرة والكفاءة، فهو قول فيه نظر لسببين، أولهما، أن تلك الخبرات المزعومة لم تنجح في الماضي. فلماذا يمكن أن تنجح الآن؟ والسبب الثاني، أن هذه الحجة نفسها فيها افتئات وتقزيم للأجيال الجديدة، وحرمانها من فرصة تقدم الصفوف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومحو أخطاء وخطايا هؤلاء المشتاقين للمناصب، وكأنها إرث موروث لهم وحدهم.

صحيح، أن الكثيرين منهم يمتلكون شهادات دراسية عالية، حصلوا عليها من أفضل الجامعات والمعاهد العلمية العالمية، لكن هل استثمروا تطورهم العلمي هذا في تحقيق تقدّم شعوبهم عندما أمسكوا بالمناصب، أم استثمروها في تحقيق مصالحهم الخاصة، ومصالح أهلهم وعشيرتهم وذويهم.

ويختتم المعارضون طرح حججهم الرافضة لعودة رجال الزمن الماضي إلى المناصب، بمقولة طالما أسمعتها لنا تجارب التاريخ، ألا وهي أن “نجاح الحاكم من نجاح نخبته، وفساده من فسادها”.

12