رجال نينجا يخاطرون بحياتهم لحماية "أنغكور وات" رمز كمبوديا الأول

سيام ريب (كمبوديا) – يتسلق تشهورم تري حافي القدمين ومن دون حماية سلّما أمام البرج المركزي لمعبد أنغكور وات الشهير في سيام ريب الكمبودية والذي يبلغ ارتفاعه 65 مترا لإزالة الغطاء النباتي الذي يهدد بإلحاق ضرر بهذه الواجهات الأثرية.
ويعد مجمّع معابد أنغكور وات في كمبوديا تعبيرا واضحا عن عبقرية البناء عند الخمير، حيث يجمع بين تصميمين أساسيين في فن عمارة المعابد الخمرية وهما، جبل المعبد وأروقة المعبد المبنية لاحقا، والمستوحاة من فن العمارة الهندوسي القديم في جنوب الهند.
وصُمِم أنغكور وات ليمثل “جبل ميرو”، وهو موطن الآلهة في الأساطير الهندوسية. وتوجد ثلاثة أروقة مستطيلة الشكل تعلو إحداها الأخرى داخل خندق مائي محاط بجدار خارجي يحيط المعبد.
وأبرز ما يميزه عن غيره من معابد كمبوديا؛ الأبراج الخمسة التي تنتصب في وسطه على شكل زهرة اللوتس، كما أنه موجه إلى الغرب بخلاف أغلب معابد المنطقة، وهو الأمر الذي حير العلماء والمؤرخين خاصة عند محاولتهم معرفة دلالة ذلك، وشيد حكام الخمير في مدينة أنغكور خلال تعاقب فترات حكمهم أكثر من ألف معبد بقي أنغكور وات أعظمها وأشهرها إلى اليوم.
وتشهورم تري البالغ من العمر 50 عاما هو جزء من فريق خاص يحرص على ضمان سلامة هذا الموقع الأثري من النباتات الضخمة التي تنبت من شقوق هذا البناء المصنوع من الحجر الرملي.
وقال تري بعد نزوله إلى الأرض “إذا ارتكبنا خطأ واحدا فلن ننجو”، لكنه يدرك أن الكفاح من أجل اقتلاع جذور صلبة هو معركة مستمرة ضد الطبيعة.
وأوضح “عندما تكبر الأشجار، تتعمق جذورها وتتسبب في تفكك الحجارة”.
ويعتبر الحفاظ على العشرات من المعابد في متنزه أنغكور الأثري مهمة دقيقة يقوم بها الفريق المؤلف من 30 عضوا على مدار العام.
ويضم الموقع المدرج على قائمة التراث العالمي آثارا تعود إلى ما بين القرنين التاسع والخامس عشر، وكان الوجهة السياحية الأكثر شعبية في كمبوديا قبل انتشار جائحة كورونا وتأثيرها على السفر العالمي.
وتقول الأسطورة إن المعبد شُيّد في ليلة واحدة على يد معماري إلهي قام بالعمل في ساعات، لكن، ووفقا للرحالة الصيني داجون زهو، فإن الرواية الأكثر واقعية، هي أنّ المعبد تمّ تشييده من الملك أندرا ليكون قصرا لولده بريشا كيت ميلي، أمَّا الرواية الأكثر رواجا فهي أنَّ تصميم المعبد وتشييده كانا في النصف الأول من القرن الثاني عشر خلال عهد الإمبراطور سوريا فارمان الثاني الذي حكم البلاد من عام 1113 وحتى 1150، وقد خصّصه للمعبود فيشنو.
وقال تري “نحن نحب المعابد ونريد المحافظة عليها. إذا لم نقم بذلك فلن تتاح الفرصة لجيل الشباب لرؤيتها”.
وباستخدام قبعات زرقاء صلبة كإجراء وقائي وحيد للسلامة، فإن الفريق معتاد على أداء واجباته تحت أنظار السياح في المكان.
وأوضح قائد الفريق نغين ثي “عندما يرانا السياح المحليون والدوليون نتسلق المعابد، يبدو الأمر مخيفا لهم ويعتقدون أن هناك نقصا في المعدات”، لكن استخدام الحبال ومعدات التسلق أمر غير وارد لأنه قد يؤدي إلى إتلاف الأحجار الهشة في حين أن عملية وضع السقالات وإزالتها قد تستغرق أسابيع.
وتابع “قد يتسبب ذلك في مشكلات لهم بدلا من مساعدتهم. إنه أكثر أمانا لهم أن يحملوا مقصا ويذهبوا مباشرة إلى النباتات”.
وهناك أيضا أجزاء ضيقة في بعض المعابد تتطلب من العمال الزحف والتنقل حول المنحوتات البارزة وهم يحاولون عدم ملامستها.
وأشار تري إلى أن “المهمة تكون أكثر صعوبة في المعابد المبنية من القرميد”، مستذكرا سقوط لبنة قبل بضع سنوات على رأسه وكسرها خوذته إلى قسمين.
وتشاهد مجموعة من السياح المحليين والرهبان البوذيين في دهشة وإعجاب العمل الجماعي الذي يقوم به هؤلاء الرجال.
وللمعبد آداب للزيارة باعتباره موقعا دينيا مقدسا لشعب الخمير. فيُطلب من الزوار ارتداء ملابس محتشمة، ولا يمكن دخول المعبد من دون تغطية الذراعين والكتفين وارتداء سراويل تغطي الركبتين.
وقال السائح روث فياسنا وهو يحبس أنفاسه فيما كان يشاهد عاملا يصعد سلّما بينما يمسكه زملاؤه بإحكام “إنهم شجعان جدا”.
وقد يؤدي إهمال المعابد إلى عودتها كما كانت عليه في ستينات القرن التاسع عشر عندما رآها عالم الطبيعة والمستكشف الفرنسي هنري موهو، فوقتها كانت مهملة لقرون وكانت الأعمال الحجرية القديمة والمنحوتات مخفية تحت الغلاف النباتي الذي لفها.
وكتب موهو في الكتابات الخاصة بأسفاره “إنه أعظم من أي شيء تركته لنا اليونان أو روما”، وهو أمر ساهم في نشر أنغكور وات في الغرب كموقع أثري مهمّ.
واليوم، يقول المسؤولون في سلطة أبسارا، وهي هيئة حكومية تدير المتنزه، إنهم يبحثون عن مادة سائلة للقضاء على نمو الجذور التي تهدد المعابد.
وأوضح نائب مدير الهيئة كيم سوثين “نحتاج إلى تجربتها أولا لأننا قلقون من أن تتسبب في إتلاف الحجارة عندما نسكبها على الجذور”.
لكن حتى ذلك الحين، يعتمد الأمر على هؤلاء العمال للحفاظ على أنغكور وات.
وقال أورم أماتاك البالغ من العمر 21 عاما والذي انضم إلى الفريق قبل عام “لا يرغب الآخرون في القيام بهذه المهمة لأنها تنطوي على مخاطرة”.