راقص أسمر يندد بمأساة الهجرة من بوابة أعرق فرق الباليه في العالم

الراقص الكولومبي فرناندو مونتانيو يؤدي دور البطولة في عرض "الرحلة الباروكية" الأوبرالي الذي يندد بمأساة الهجرة العصرية.
الأحد 2019/02/17
تجسيد محاولات العبور غير الشرعية الفاشلة

يسعى مهاجر كولومبي من خلال انتمائه إلى إحدى أعرق فرق الباليه في العالم أن يكون رسولا للأعداد الهائلة من المهاجرين الذين يغادرون أفريقيا والشرق الأوسط باتجاه أوروبا أو يفرون من الأزمات في أميركا اللاتينية للوصول إلى الولايات المتحدة.

لندن – فرّ فرناندو مونتانيو من الفقر ليصبح راقصا نجما وهو الكولومبي الوحيد الذي يرقص منفردا في فرقة رويال باليه في لندن، ويجسد الآن حافي القدمين دور لاجئ أفريقي يقضي غرقا.

ويؤدي الراقص الأسود دور البطولة في عرض “الرحلة الباروكية” الأوبرالي الذي يندد بمأساة الهجرة العصرية. وقد صمم العمل في إيطاليا العام 2018 وقد حط رحاله في بوغوتا في يناير الماضي.

ويقوم الفنان البالغ من العمر 33 عاما قبل البدء في العرض الرسمي على مسرح “كولون” الأرجنتيني، بتمارين وتدريبات وهو يحمي رجليه من البرد القارس بواسطة جوارب صوفية سميكة.

وقد اضطر في يوم ما إلى الهجرة، وكان في الرابعة عشرة من عمره وتظهر عليه بوادر موهبة ستوصله إلى الذروة.

وبات الآن راقصا نجما في إحدى أعرق فرق الباليه في العالم ويريد من خلال فنه أن يكون رسولا للأعداد الهائلة من المهاجرين الذين يغادرون أفريقيا والشرق الأوسط باتجاه أوروبا أو يفرون من الأزمات في أميركا اللاتينية للوصول إلى الولايات المتحدة.

وقال مونتانيو إن حركة الهجرة هذه “موجودة أينما كان”، مضيفا “لقد كنت مهاجرا لمدة تفوق نصف عمري. اضطررت إلى تعلم لغات أجنبية والتكيف مع مجتمعات هذه البلدان والاطلاع على إرثها الغنائي ونقاط ضعفها”.

ويستحيل الراقص على مدى ساعة ونصف الساعة سمفونية حركات فيما يصمت الجمهور مذهولا أمام قدرته الكبيرة على التحكم في جسمه.

ويؤدي في هذا العرض دور مهاجر ينقذ أربعة إيطاليين خلال عاصفة تسببت بانقلاب مركبهم.

وفيما يجنب الأوروبيين الغرق، يغرق هو مهجورا على خلفية موسيقى “الصيف” لأنطونيو فيفالدي. ويبلغ تأثر الجمهور في هذه اللحظة ذروته.

وأبلغ مونتانيو في مساء العرض وقبل دخوله المسرح، بمأساة حقيقية وقعت في البحر في الكاريبي، فقد غرق مركب وعلى متنه 32 كونغوليا. وكان هؤلاء المهاجرون يحاولون الوصول إلى بنما في طريقهم إلى الولايات المتحدة. وقد انتشلت 19 جثة الواحدة تلو الأخرى.

ولا يزال يذكر من مسقط رأسه بوينافانتورا الساحلية التي ينهشها العنف والاتجار بالمخدرات، أجواء البحر وأزيز الرصاص.

والده الرجل الصارم الذي كان يحمّل أكياس الإسمنت كان يحلم بأن يصبح نجله لاعب كرة قدم. إلا أن الرقص استهوى مونتانيو عندما اكتشفه عبر شاشة التلفزيون.

وانضم في سن الثانية عشرة للمرة الأولى إلى مدرسة باليه في كالي. وبعد سنتين انتقل إلى كوبا بفضل منحة. وأتى بعد ذلك دور أوروبا والشهرة. وترعرع مونتانيو في بيئة ذكورية تكثر فيها الأحكام المسبقة لكن الراقص الكولومبي يظن أن موهبته أنقذته من الاضطهاد.

وكان خلال سنواته الأولى في فرقة رويال باليه في لندن يتبرج ليصبح لون بشرته فاتحا وحتى “لا يشبه ذبابة في كوب حليب”.

أما اليوم فقد تخلص من هذه العقدة وبات واحدا من أربعة راقصين سود من بين أكثر من مئة فنان في الفرقة. لكنه يقول بأسف “أظن أنه حتى الآن لا يزالون يفكرون كثيرا قبل منح فرصة إلى راقص أسود. ربما لأن الناس لا يمكنهم تخيل وجود أمير أسود”.

ولا ينسى مونتانيو أصوله. وهو يتذكر بتأثر والده وطفلا من أقاربه حضرا العرض قائلا “لم يسبق لهما أن شاهدا عرض أوبرا وقد أحب الطفل ذلك. وهنا يتبين لي أن هذا الفن غير منتشر كثيرا في أميركا اللاتينية”.

24