راقصا باليه يرسمان البسمة على وجوه الأطفال المرضى

نجم ونجمة من فرقة أوبرا باريس يقدمان رقصات باليه للترفيه عن الأطفال الذين يعانون من فشل وظائفهم الحيوية في مستشفى نيكير.
السبت 2021/06/26
بعض الإشراق على يوميات الأطفال

باريس- تتراقص في إحدى غرف الإنعاش بمستشفى “نيكير” الباريسي للأطفال خطوط المؤشرات الصحية على شاشة المراقبة، لكنّ الصورة التي يشاهدها الصبي المنبّب مختلفة، إذ يتراقص أمامه نجم ونجمة من فرقة أوبرا باريس بزييهما المتلألئين على وقع الموسيقى.

ويقول الراقص أوغو مارشان بعدما نفّذ الخطوات الراقصة مع شريكته دوروتيه جيلبير مخاطبا الصبيّ المستلقي “لقد ألقينا عليك تحية، ونقبّلك”، فيجيبهما بحركة صغيرة من يده. وفي غرفة أخرى من المستشفى تتسع عينا طفل صغير وهو ينظر مذهولا إلى زي جيلبير يرفرف عندما تنفذ حركة دوران.

وتعمل جمعية، تتخذ من سويسرا وفرنسا مقرا لها، من خلال تقديم رقصات باليه على الترفيه عن الأطفال الذين يعانون الفقر والمرض والتهجير القسري، وذلك منذ تأسيسها عام 2018.

وأخذ نطاق عمل الجمعية يتوسع جغرافيا منذ أن أطلقت مبادرة “ذي وات دانس كان دو” (ما يمكن إنجازه بفضل الرقص)، فمن دار للأيتام في المغرب إلى مدرسة للرقص في ويلينغتون النيوزيلندية، مرورا بمستشفيات في زيوريخ وباريس.

ويضفي راقصون من فرقة الأوبرا أصبحوا “سفراء” للجمعية بعض الإشراق على يوميات الأطفال الذين يعانون من فشل وظائفهم الحيوية في مستشفى نيكير.

ويلاحظ مارشان أن ما يفعله هو وزملاؤه “يخرج الأطفال المرضى فجأة من حياتهم اليومية المعقدة”. ويضيف “أكثر ما يجعلني أتأثر عاطفيا هو أن أضفي القليل من الخفة، أملي دائما هو أن يحلم هؤلاء الأطفال بالرقص وهم نائمون ليلا”.

أما جيلبير فتقول “يخيّل إلينا أننا نرى الشرارات والفضول والإعجاب في نظراتهم، أو ربما هم يسألون أنفسهم: ولكن ماذا يفعل هذان الشخصان؟”، موضحة أن ما تريده هو “جعل هؤلاء الأطفال يسافرون وينسون ولو للحظة أنهم في المستشفى”.

وتبتسم مايلي (15 عاما) من سريرها وهي تشاهد مارشان يقفز في الرواق، ويقول مازحا “نحن أشبه بضفادع كبيرة”. وتسأل مايلي “ألا توجد لغة في الباليه؟”، فيعرض لها الراقصان أمثلة من فن التمثيل الإيمائي. وتشرح جيلبير أنها “ملكة البجع” وأن يدها اليمنى تمثّل تاجا فوق رأسها.

ويتنقل النجمان والتأثر باد عليهما، من غرفة إلى أخرى مرتديين زيين أخضرين وذهبيين خاصين برقصة الباليه الأكاديمية الشهيرة “لا بايادير” وعلى وجهيهما كمامتان، وهما يمزحان مع مقدمي الرعاية ويشرحان مهنتهما. ويقول أوغو لصبيّ صغير مفسّرا “نحن مثل ياسمين وعلاء الدين. أتدري أنني في الفصل الثاني أتزوج وأصل ممتطيا فيلا ضخما؟”.

ويفاجئ الأطفال الراقصين في بعض الأحيان. وتسأل باتريسيا (16 عاما) الراقصين وهما يعددان لها عناوين رقصات الباليه الكلاسيكية “وهل ترقصين رقصة ملكة الثلج؟”.

ويرى رئيس وحدة العناية المركزة فابريس لوساج في رقصات الباليه “فائدة لبعض المرضى، إذ ترتسم الابتسامة على وجوههم رغم أنهم لا يبتسمون عادة”، مشيرا إلى أن الأمر “يوفر لهم طاقة تتيح لهم التحسن”.

أما الراقصون فتجعلهم التجربة يشعرون بأنهم “مفيدون” للمجتمع، وفق ما يوضح مارشان الذي استضاف ذات مرة في قصر غارنييه، مقر أوبرا باريس، أولادا مهجرين من بلادهم للمشاركة في فصل لتعليم الرقص مع نجمة أخرى “سفيرة” هي ليونور بولاك.

وانطلاقا من اقتناع صاحبة المبادرة أوريليا سيلييه بأن الرقص يوفر مناخا ملائما للتحرر استلهمت خلال رحلة إلى ضاحية يقيم فيها السود في جنوب أفريقيا تجربة الراقص ومصمم الرقصات ثيو نديندوا الذي ينشط لجعل الرقص أداة للتغيير الاجتماعي.

وتتعاون الجمعية (تضم نحو 30 متطوعا وتعتمد على تمويل جماعي) مع مدرسي رقص محليين، كما هو الحال في تونس أو كيبيرا (كينيا)، حيث “يدرك الأطفال تماما أنهم مستبعدون من قبل بقية المجتمع، ويثبتون وجودهم من خلال الرقص” وخصوصا الرقص الكلاسيكي، وفقا لسيلييه.

ولا تقتصر الأنشطة على الباليه، بل تشمل أيضا موسيقى الهيب هوب المعاصرة، وحتى الكوريغرافيا، كما في مشروع أُطلق في باريس قبل جائحة فايروس كورونا وشارك فيه صغار مهجرون من بلدانهم. وتقول سيلييه “هدفنا هو أن نكوّن في غضون خمس أو عشر سنوات اتحادا دوليا مع جمعيات محلية، يشكّل نوعا من الأمم المتحدة للرقص”.

24