رئيس الوزراء الإسرائيلي في حملة أوروبية شاقة ضد إيران

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يزور برلين، في مستهل جولة أوروبية تقوده أيضا إلى باريس ولندن، وتركز على ملف الاتفاق النووي الإيراني وتمسك القوى الأوروبية به.
الثلاثاء 2018/06/05
تباين في المواقف

لندن - بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاثنين، من ألمانيا، جولة أوروبية تستمر ثلاثة أيام يأمل خلالها إقناع الأوروبيين بتغيير موقفهم المتمسك بالاتفاق النووي مع إيران. وقال قبيل مغادرته إسرائيل متوجها إلى برلين “سألتقي ثلاثة قادة وسأثير ملفين: إيران وإيران”.

وبعد ألمانيا، يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي فرنسا وبريطانيا، وهي من الدول الموقعة على الاتفاق النووي، إلى جانب روسيا والصين، والولايات المتحدة التي انسحبت في شهر مايو الماضي الاتفاق الذي أبرم في 2015 بين الدول الكبرى الست وإيران بحجة أنه سيمعنها من حيازة السلاح النووي، لكن في المقابل، أطلق الاتفاق النووي يد إيران لتهدد استقرار دول منطقة الشرق الأوسط ومصالح الدول الأوروبية فيها، خصوصا بريطانيا، البلد الأوروبي الأقرب تاريخيا واستراتيجيا لدول المنطقة.

وتتوقع مصادر دبلوماسية بريطانية أن يسعى نتنياهو خلال اجتماعه، الأربعاء، مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى إخراج لندن من المزاج الأوروبي الداعي إلى التمسك بالاتفاق والسعي إلى حماية التبادلات الاقتصادية مع طهران.

وترفع إسرائيل من مستوى ضغوطها على بريطانيا والدول الأوروبية بهدف إقناعها بـ”تمزيق” الاتفاق النووي مع إيران على غرار ما فعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وتعتمد إسرائيل في حججها على ملفات سرية أمنية حول برنامج إيران لإنتاج قنبلة نووية.

وكان نتنياهو أعلن عن هذه الوثائق في مؤتمر صحافي في أواخر أبريل الماضي قال خلاله إن جهاز الموساد تمكّن من الاستيلاء عليها من داخل أحد المواقع في إيران المخصّصة لإخفاء أرشيف البرنامج النووي الإيراني.

وفيما اعتبر البعض من الخبراء أن الوثائق تنتمي إلى زمن سابق على اتفاق عام 2015 ولا تحمل جديدا بالإمكان التعويل عليه، إلا أن آراء أخرى رأت في الكشف الإسرائيلي دلائل حسية على سعي إيران إلى امتلاك القنبلة النووية على عكس ادعاءاتها وبشكل يتناقض مع ما سبق أن أكده المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي من أن اقتناء أسلحة الدمار الشامل مخالف للشريعة الإسلامية.

وتشير صحيفة التايمز البريطانية إلى أن واحدا من مفاتيح الملفات الإيرانية التي كشفتها الأجهزة الإسرائيلية هو المذكّرة التي تعهد بمسؤولية إنتاج أسلحة تعتمد على اليورانيوم المخصب إلى وزارة الدفاع الإيرانية. وتعتبر هذه المذكّرة واحدة من عشرات الآلاف من الوثائق التي استطاعت الأجهزة الإسرائيلية انتزاعها من داخل إيران في عملية أمنية دقيقة.

وتكشف التايمز أن البعض من هذه الوثائق تم إرسالها لأجهزة المخابرات في بريطانيا وفرنسا وألمانيا قبل أسبوع من رحلة نتنياهو إلى أوروبا.

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي في جلسة لحكومته الأحد أن هدف سعيه الدبلوماسي يرمي إلى إقناع الدول الثلاث للانضمام إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لسحب الصفقة مع إيران الموقعة عام 2015. ويعتبر المراقبون أن محاولة نتنياهو تهدف إلى التوسط بين ضفتي الأطلسي لتضييق الهوة في ما يتعلق بهذا الملف.

تشي التطورات بأن باريس وبرلين ولندن ستستمع باهتمام إلى ما يحمله رئيس الوزراء الإسرائيلي في جعبته في وقت لا يبدو أن هذه العواصم قادرة على الخروج بسياسة قوية مستقلة بإمكانها أن تناور خارج الموقف المطلق لواشنطن في هذا الملف.

روجر بويز: نتنياهو سيحاول إقناع تيزيرا ماي بأن الاتفاق لم يعد مستوفيا للشروط
روجر بويز: نتنياهو سيحاول إقناع تيزيرا ماي بأن الاتفاق لم يعد مستوفيا للشروط

ويقول روجر بويز، المحرر الدبلوماسي لصحيفة التايمز، إن نتنياهو يستند على آخر ما خرج من تحليلات للمعلومات المستقاة من الأرشيف الإيراني الذي حصلت عليه إسرائيل لعرض الأمر على تيريزا ماي ومحاولة إقناعها بأن الاتفاق متعدد الأطراف لم يعد مستوفيا للشروط، بعد أن ثبت أنه لم يمنع إيران من مواصلة برنامجها لإنتاج أسلحة نووية. وتنقل التايمز عن مصدر إسرائيلي أمني قوله إن “المعلومات التي توفرها إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية تبدو كوميدية إذا ما قورنت بما كشفناه”. ويضيف المصدر أن “إيران تدعي أن ما تملكه لا يتعدى كونه دراسات جدوى ودراسات علمية، لكن ما اكتشفناه هو وثائق لخدمة برنامج أسلحة نووية مطلوب من أعلى مستويات السلطة في إيران”.

وتحتوي الوثائق المسربة، حسب الصحيفة البريطانية، صورا فوتوغرافية لمفاعل في قاعدة بارشن العسكرية يستخدم أجهزة مخصصة لتفحص محاكاة انفجارات نووية.

ويقول ديفيد البرايت، وهو مفتش نووي سابق في العراق، للتايمز، إن إسرائيل على حق في اتهام إيران بأنها أخفت جهودها السابقة داخل برنامج التسلح النووي، مضيفا أن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد تحققت من ذلك في حالتي جنوب أفريقيا وتايوان بعد أن أوقفتا برنامجهما لإنتاج أسلحة نووية”.

ويقول مارك فيتزباتريك، وهو خبير في شؤون منع انتشار الأسلحة النووية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن ما كشفته الوثائق المسربة “يؤشر إلى أن إيران كانت تملك استراتيجية قوية لتغطية برنامجها النووي”. ويضيف أن “الاستنتاج الأفضل ليس بتدمير الصفقة مع إيران، بل باستخدام الكشف الإسرائيلي من أجل دعم جهود التحقق الدولي”.

وتتضمن المذكّرة معلومات بأنها صادرة عن هيئة الطاقة النووية الإيرانية وموجهة لوزارة الدفاع، وتؤرخها الأجهزة الإسرائيلية في عام 2001، وتجيز للعسكريين تولّي مهام تخصيب اليورانيوم من خلال أجهزة الطرد من 3 بالمئة إلى 90 بالمئة.

وتقول التايمز إن الوثائق تضع الموقف الأوروبي في مأزق، ذلك أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا يسعون إلى الالتفاف على العقوبات الأميركية لحماية تجارتهم مع إيران.

 يرى الأوروبيون أن الانفتاح على الاقتصاد الإيراني سيساعد على تحديث البلد ويجعله أكثر عدولا نحو السلم.

غير أن الولايات المتحدة التي ترى في البرنامج النووي الإيراني خطرا كبيرا، تشدد على أنه إذا كانت أوروبا تريد الحفاظ على الاتفاق النووي فيجب أن تجعل هذا الاتفاق أكثر صرامة ومحصنا بتدابير، مثل تفتيش المواقع الإيرانية وبحث مسألة الصواريخ الباليستية الإيرانية.

ويقول مصدر دبلوماسي بريطاني “سنكون منقسمين بين من يتبنّى النهج الأميركي، علما أن التهديد بالعقوبات الأميركية سيحرم السوق الإيراني من أي ازدهار، وبين من يتبنّى النهج الفرنسي الذي يسعى إلى ضم أوروبا إلى بدائل ممكن التوصل إليها مع طهران، والظاهر أن إسرائيل تسعى إلى وقف النهج الأخير ودعم الخيار المتضامن مع واشنطن”.

لا تبدو مهمة نتنياهو في أوروبا سهلة لأن مسألة التباين في مواقف دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا تنحصر فقط بمسألة الاتفاق النووي بل بسلسلة مواقف واستراتيجيات اتخذتها الإدارة الأميركية منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. والحرب التجارية التي قد تندلع بين الطرفين في أوائل يونيو الجاري قد تزيد الموقف الأوروبي تصلبا في مواجهة موقف واشنطن حيال طهران.

6