رئة العالم تختنق جراء الحرائق وإزالة الغابات

تعاني غابات الأمازون التي تعتبر رئة العالم من الجفاف والرياح العاتية وقطع الأشجار، التي تسببت بحرائق غير مسبوقة في وقت مبكر من العام، ويخشى العلماء من أزمة أكثر استفحالا في المستقبل قد تدفع الغابة إلى نقطة اللاعودة.
كويرينسيا (البرازيل)- تكافح منطقة الأمازون حرائق قياسية هذه السنة. ويغذي هذا المخاوف من أزمة مناخية أسوأ قادمة حيث تقضي الحرائق على الغطاء النباتي الذي يعد مفتاحا لامتصاص ثاني أكسيد الكربون المتسبب في ارتفاع درجة حرارة الكوكب.
وقال أندريه كابيت فابيو في تقرير لمؤسسة تومسون رويترز إن صور الأقمار الصناعية تظهر أن الغابة التي شهدت الجفاف والرياح العاتية وقطع الأشجار تعاني من حرائق غير مسبوقة في وقت مبكر من العام. وهذا يقع بينما لم يصل موسم الجفاف إلى أجزاء مهمة من الأمازون.
وقالت سينيا دو فالي من مجلس السكان الأصليين في ولاية رورايما البرازيلية الأكثر تضررا من الحرائق غير المسبوقة في فبراير، “تشير المعرفة التقليدية والعلمية إلى أننا سنواجه مرحلة صعبة. وستستمر المعاناة ما لم تنخفض الانبعاثات بشكل كبير”.
وتوضّح الأقمار الصناعية أن الحرائق تتركز اليوم في شمال الأمازون. وسجلت البرازيل وغيانا وسورينام وفنزويلا عددا قياسيا من الحرائق في فبراير، وفقا للبيانات التي جمعها المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء.
وأكدت شبكة ماب بيوماس البرازيلية أن يناير شهد احتراق أكثر من 941 هكتارا من منطقة الأمازون البرازيلية، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الأضرار المسجلة خلال نفس الفترة من سنة 2023. وتضم الشبكة العلماء والمنظمات غير الربحية والجامعات وشركات التكنولوجيا.
وسجل المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء في فبراير 3158 حريقا في منطقة الأمازون البرازيلية. وحطم هذا الرقم القياسي السابق المسجل في 2007 والبالغ 1761 حريقا.
وبلغت انبعاثات الكربون في الأمازون مستوى قياسيا خلال ذلك الشهر، وفقا لبيانات سجّلتها خدمة كوبرنيكوس لمراقبة الغلاف الجوي التابعة للاتحاد الأوروبي على مدى 22 سنة.
وقالت آن ألينكار، وهي باحثة في معهد إيبام أمازون البيئي، إن “ما نراه الآن هو نتيجة للجفاف الذي عانيناه خلال 2023… لقد أصبحت المنطقة قابلة للاشتعال، حيث قد تتحول أيّ شرارة إلى حريق هائل”.
وعادة ما تشكّل حرائق يناير وفبراير نسبة صغيرة من حرائق الأمازون السنوية. ويخشى العلماء من أن تشير الحرائق المبكرة هذا العام إلى أزمة أكثر استفحالا في المستقبل، حيث حوّلت عقود من التدخل البشري والجفاف الشديد المستمر (المدفوع بنمط مناخ النينيو) الغابات إلى وقود.
وقال ليوناردو ماراكايبيس سانتوس من إيبام إن الحرائق توفر مساحة لنمو الأعشاب شديدة الاشتعال التي تُولّد بدورها “المزيد من الحرائق الكارثية خلال السنوات المقبلة، خاصة إذا اقترنت بالجفاف الشديد”.
وقابلناه على برج يبلغ ارتفاعه 36 مترا أنشأه إيبام في كويرينسيا، جنوب الأمازون، لمراقبة الغابة المتغيرة. ونظرنا إلى غابات الأمازون الممتدة نحو الأفق، والتي تقطعها حقول الصويا. وأشار ماراكايبيس سانتوس إلى ندبة حريق على شجرة قريبة، وقال إن “ألسنة اللهب تحتضن الشجرة وتتحد على الجانب الآخر، وتشكل مثلثا. وتجعل هذه الفتحة الشجرة أكثر عرضة للخطر حتى عندما لا تموت على الفور”.
وذكرت ليانا أندرسون من المركز الوطني البرازيلي للرصد والإنذار المبكر بالكوارث الطبيعية أن المزيد من الأشجار الميتة تنتشر، وتصبح الأرض بهذا أكثر جفافا وقابلية للاشتعال.
كما أصبحت الحرائق “بشكل متزايد سلاحا ضد السكان التقليديين” في مناطق النزاع حيث يتواجه المزارعون وقاطعو الأشجار والصيادون لافتكاك الأرض.
وعادة ما تُسجّل أسوأ الحرائق بين شهري يوليو ونوفمبر، عندما تشهد الأطراف الجنوبية والشرقية للغابات أشد حالاتها جفافا، بينما تغرق الأمطار شمال الأمازون.
ولا تشتعل كل حرائق الغابات المطيرة طبيعيا حتى خلال مواسم الجفاف غير العادية، بل يؤجج البعض النيران عمدا. ويحرق المستحوذون على الأراضي والمزارعون الغابات على مر السنين حتى يمكن إعادة تخصيص المناطق لأنشطة مثل تربية الماشية.
وذكرت مانويلا ماتشادو، الباحثة في مركز وودويل لأبحاث المناخ ومقره الولايات المتحدة، أن منطقة الأمازون البرازيلية شهدت مستويات عالية بشكل استثنائي من إزالة الغابات منذ 2019. وقالت إن إزالة الغابات لا تزال مرتفعة، خاصة في الأطراف الجنوبية والشرقية على الرغم من انخفاض هذه الممارسات. وأكدت أن إزالة الغابات تسبب الحرائق.
وتشمل العوامل الرئيسية غير المعروفة كمية الأمطار التي سيشهدها جنوب الأمازون وشرقه خلال الأشهر المقبلة، وما إذا كانت ستكون كافية لإعادة تغذية تربة الغابة وأنهارها.
وقالت الوكالة الوطنية للمياه في البرازيل خلال الأيام الماضية إن أنهار الأمازون الرئيسية لم تصل متوسط مستوياتها لهذا الشهر. وتتوقع أن ينخفض هطول الأمطار إلى ما دون المتوسط في شرق الأمازون وأجزاء من أطرافه الجنوبية من مارس إلى مايو. وقالت ألينكار “إنها لا تمطر بما فيه الكفاية”.
وأكد العلماء أن تغير المناخ يزيد من احتمال وقوع أحداث قاسية، من الجفاف إلى الفيضانات. وتتلاشى في نفس الوقت مساحات شاسعة من الغابات بسبب إزالة الغابات والحرائق، مما يقوض قدرتها على الصمود.
ويخشى بعض العلماء من أن المزيج الذي يشكل هذه العوامل قد يدفع الغابة إلى نقطة اللاعودة. وستموت الغابة بدلا من امتصاص الكربون الذي يؤدي إلى تسخين الكوكب، وتصبح مصدرا صافيا للانبعاثات الكربونية وتسريع تغير المناخ. ويعدّ هذا تحولا تشهده بعض أجزائها بالفعل.
وانخفضت معدلات إزالة الأشجار في الغابة منذ 2023، حين تولى الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا السلطة متعهدا باستعادة الحماية البيئية. لكن المخاطر لا تزال عالية.
وقالت مانويلا ماتشادو، من مركز وودويل، إن “المناخ أصبح أكثر جفافا ودفئا، مما يوفر المزيد من الوقود الجاف. ويوجد عامل أكبر يدفع البعض لحرق الأشجار. لن تنتهي هذه الدورة إذا لم تتوقف إزالة الغابات”.
اقرأ أيضا:
• تصاعد عدم الاستقرار المجتمعي والسياسي في العالم تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة