رئاسيات الجزائر.. رموز جديدة للمعارضة تقلب الطاولة على التقليديين

سحبت شخصيات معارضة جديدة في الجزائر بساط النجومية من تحت أقدام شخصيات المعارضة القديمة التقليدية حيث استخدمت خطابا سهلا واعتمدت على وسائل التواصل الاجتماعي لجذب الجماهير إليها خاصة من الشباب الذين التفوا حولها ووجدوا في أسلوب التواصل الجديد متنفسا لهم للتعبير عن تذمرهم مما يحصل في البلاد، أمام إعلان تلفزيون النهار الجزائري تقدم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بأوراقه رسميا لخوض السباق الرئاسي.
الجزائر - كشف سباق الترشح لانتخابات الرئاسة في الجزائر عن قادة جدد للمعارضة قلبوا الطاولة على رموزها القديمة التقليدية. هؤلاء القادة الجدد يتميزون بمواقفهم الجريئة، ويستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، ويلتقون بالمواطنين خارج القاعات المغلقة، ويخاطبونهم بلغة بسيطة.
وستُجرى الانتخابات في 18 أبريل المقبل، وكان أمس الأحد هو آخر موعد لتقديم ملفات الراغبين في الترشح للمجلس الدستوري، بغية المصادقة عليها.
وأعلن الرئيس المنتهية ولايته، عبد العزيز بوتفليقة (81 عاما)، في 10 فبراير الجاري، اعتزامه الترشح. وقال تلفزيون النهار الأحد، إن الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة تقدم بأوراق ترشحه رسميا لخوض انتخابات الرئاسة، مؤكدا سعيه لإعادة انتخابه رغم الاحتجاجات الحاشدة على ذلك. فيما أشارت هيئة مراقبة الانتخابات الأحد أنه على مرشحي الرئاسة تقديم أوراق الترشح شخصيا.
ويحتج الجزائريون منذ 22 فبراير، في ولايات عديدة ضد “ولاية رئاسية خامسة” لبوتفليقة، الذي يحكم منذ عام 1999، ويعاني من متاعب صحية منذ سنوات. وحظيت المسيرات بزخم وتجاوب غير مسبوقين في الجزائر، عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي غصت بصور وفيديوهات وبث مباشر، خاصة على فيسبوك، رغم التذبذب الكبير وبطء سرعة تدفق الإنترنت.
واللافت هذه المرة في الترشح للانتخابات الرئاسية هو دخول شخصيات جزائرية من المهجر وأخرى محلية على الخط، وتحولها إلى رموز جديدة للمعارضة سحبت بساط النجومية من تحت أقدام شخصيات المعارضة القديمة التقليدية.
والجنرال المتقاعد علي غديري من أبرز وجوه المعارضة التي أعلنت نيتها الترشح، وهو شخصية مستقلة بخلفية عسكرية.
علي الغديري.. متحدي السلطة
رغم تقدم العشرات من الشخصيات والأسماء الحزبية والمستقلة لخوض سباق الانتخابات الرئاسية في الجزائر، بمن فيهم الذين يوصفون بـ”الوزن الثقيل”، إلا أن الجدل ينحصر إلى حد الآن في الثنائي: مرشح السلطة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة والمرشح علي غديري.
والغديري هو أول من قدم أوراق ترشحه في انتخابات الرئاسة وهو لواء متقاعد يتحدى الصفوة الحاكمة التي تتكون من أفراد الجيش والحزب الحاكم ورجال الأعمال. ودخل فجأة عالم السياسة في نهاية 2018 دون أن يكون لديه حزب أو سابق عسكري معروف. ورغم أنه يتكتم على ترشحه منذ إعلانه ذلك. إلا انه يقول للصحافيين إنه يبشر الشعب بفجر جديد.
ويصف الجنرال المتقاعد نفسه بـ”رجل القطيعة” وبـ”الرئيس القادم للبلاد”، وبأنه “يراهن على طوفان شعبي، وعلى آليات فعالة لتقليص هيمنة وتزوير السلطة للانتخابات”، إلا أنه لم يكشف إلى حد الآن عن حلوله السحرية، ويكتفي ببعض بيانات المساندة الصادرة عن بعض الجمعيات والأحزاب الصغيرة والشخصيات التاريخية، في صورة لويزة إيغيل أحريز، زعيمة حزب العدالة والرقي، والمناضل الحقوقي ومدير حملته الانتخابية مقران آيت العربي.
ويؤرق الغديري السلطة وحتى أوساط الجيش الجزائري. وسبق أن وجه الجنرال قايد صالح انتقادات شديدة اللهجة له على خلفية ما أسماه بـ”تحين الفرص والطموح الأعمى من ضيقي الأفق وخادمي الدوائر الضيقة”، وغير ذلك من الأوصاف التي عبرت عن غضب شديد لدى قيادة الجيش على الجنرال المتقاعد.
ومع ذلك فإن الغديري الذي يعد الجزائريين بـ”جمهورية ثانية” غير مسنود بحزب ويصعب تحديد شعبيته.
الشباب الجزائريون وجدوا متنفسا للتعبير عن مشاعرهم تجاه ما يحصل في البلد، من خلال المعارضة الجديدة في حين ظلت المعارضة التقليدية حبيسة خطاباتها القديمة
وتراجعت شخصيات معارضة مساء الأحد عن خوض السباق الرئاسي وأعلن علي بنفليس رئيس حزب طلائع الحريات أبرز منافسي بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية عامي 2004 و2014، عدم الترشح للانتخابات، حسبما أفاد مسؤول في حزبه لوكالة فرانس برس. كما أعلن المرشح المستقل غاني مهدي انسحابه رسميا من السباق، “لأسباب بيروقراطية ورفض رئيس المجلس الدستوري استقباله لعدم اكتمال ملفه”.
وإلى حدود مساء الأحد كان ستة مرشحين قد قدموا ملفات ترشحهم إلى المجلس الدستوري، من بين هؤلاء الجنرال المتقاعد علي غديري وأيضا عبدالعزيز بلعيد (55 عاما) الذي غادر حزب جبهة التحرير في 2011.
أما حركة مجتمع السلم أبرز حزب إسلامي في الجزائر الذي كان غادر الائتلاف الرئاسي في 2012، فقررت مقاطعة الاقتراع احتجاجا على ترشح بوتفليقة، وفي الوقت الذي تشهد فيه المعارضة التقليدية انقساما وتراجعا، تستقطب شخصيات معارضة جديدة الشارع الجزائري وتركب موجة حراك الشارع وتتجاهل خيار المرشح التوافقي.
وجوه معارضة جديدة

من الشخصيات المعارضة المثيرة للجدل رشيد نكاز وهو سياسي، ترشح لانتخابات الرئاسة الفرنسية، عام 2012، ثم تخلى عن الجنسية الفرنسية، في 2013 للترشح لانتخابات الرئاسة الجزائرية، في العام التالي.
قبيل تقديم ملف ترشحه، في مارس 2014، اختفى نكاز هو وملفه، واتهم السلطات حينها بتدبير مكيدة لمنعه من إيداع ملفه حتى تنتهي مدة التقديم. يُعرف عن نكاز دفاعه عن المنتقبات في أوروبا، حيث يلتزم منذ سنوات بدفع غرامات مالية تفرضها محاكم أوروبية على منتقبات في فرنسا، بلجيكا، سويسرا والدنمارك وغيرها.
يحظي على صفحته في فيسبوك بـ1.46 مليون متابع، ويبث يوميا فيديوهات عديدة تحظى بمتابعة وتفاعل كبيرين للغاية. التف آلاف الشباب حول نكاز خلال جولاته في ولايات خنشلة وقالمة وباتنة وعنابة وقسنطينة وميلة (شرق)، أثناء جمع استمارات التوكيلات للترشح. وأظهرت فيديوهات نكاز وهو محاط بشباب يرددون أغاني وشعارات، منها “رشيد رئيس”، وتم حمله على الأكتاف مرات عديدة. ويشترط قانون الانتخابات أن يجمع الراغب في الترشح للرئاسة 60 ألف توقيع من مواطنين، أو 600 توقيع من منتخبين بالمجالس البلدية أو الولائية أو الوطنية (البرلمان بغرفيته).
أما طاهر ميسوم النائب البرلماني السابق فقد بزغت شعبيته خلال الولاية النيابية السابقة (2017/2012). وقد عُرف بهجماته غير المسبوقة والقوية على الوزراء، ما دفع وزير الصناعة السابق، عبدالسلام بوشوارب، إلى وصفه منتقدا بــ“ابن الحركي”.
و“الحركيين” هم فئة الجزائريين الذين خانوا ثورة التحرير الجزائرية (1962/1954)، وانضموا إلى الجيش الفرنسي، وانتقل معظمهم إلى العيش في فرنسا، بعد استقلال الجزائر. وبالعامية الجزائرية، يخاطب ميسوم الجزائريين بعيدا عن القاعات المغلقة، في المقاهي والساحات العامة.
وقبل أيام اجتمع المرشحون نكاز ومهدي وميسوم في وهران (غرب)، في لقاء تخلف عنه غديري، رغم موافقته عليه سابقا، بغية الاتفاق على مرشح واحد لخوض السباق الرئاسي. ولم يتوصل اللقاء إلى اتفاق لأسباب قيل إنها تتعلق بحضور شخصيات لا علاقة لها بالاجتماع وانسحاب غديري وإحجامه عن المشاركة.
خطاب ولغة ووسيلة

يشرح خبراء السبب في تحول مرشحين لانتخابات الرئاسة الجزائرية إلى رموز جديدة للمعارضة هو خطابهم السياسي وطريقة تواصلهم المباشرة مع المواطنين، حيث جلب هؤلاء المرشحين للرئاسية معهم طريقة تواصل جديدة مباشرة، وبلغة بسيطة مفهومة غزت عقول أعداد لافتة من الجزائريين، وخاصة الشباب. أعادوا الشباب إلى الحقل السياسي بعد أن استقال منه سابقا.
وكان العديد من الجزائريين يتجنبون النشاط السياسي على مدى سنوات خوفا من إثارة المشاكل مع أجهزة الأمن كثيفة الحضور أو بسبب اليأس من إمكانية تغيير القيادة في البلاد. وبعد تمرد إسلامي استمر عشر سنوات وتمكن بوتفليقة من القضاء عليه في فترة حكمه الأولى أصبح الجزائريون يتحملون نظاما سياسيا لا يترك مساحة تذكر للاختلاف كثمن يدفعونه مقابل الأمن والاستقرار النسبيين.
ويرى العيد إزري المختص في التسويق السياسي أن “شرائح واسعة من الشباب الجزائري وجدت فسحة ومتنفسا لتفريغ همومها والتعبير عن مشاعرها تجاه ما يحصل في البلد، من خلال هؤلاء المرشحين”. وشدد على أن “هذه الفسحة لم يجدها أغلب الجزائريين، وخاصة الشباب، في الأحزاب التقليدية”. وأردف أن “وجوه المعارضة الجديدة استعملت لغة بسيطة وخطابا مباشرا، واعتمدت على شبكات التواصل الاجتماعي للوصول إلى المواطنين، ما حقق لها التفافا حولها”. واستدرك “مقابل ذلك ظلت المعارضة التقليدية حبيسة خطابات قديمة لم تُجدد، ونشاط داخل القاعات المغلقة”.
واعتبر أن “من العوامل التي ساعدت هؤلاء المرشحين على كسب قلوب الآلاف هي تصريحاتهم ومواقفهم الجريئة في وقت مضى، والتي صنعت الرأي العام الوطني، وصارت محل تداول على الشبكات الاجتماعية”.
وختم إزري بأن “اللافت هو أنه رغم أن تلك الشخصيات لا تملك أحزابا إلا أن لها قدرة كبيرة على التجنيد (الحشد)، وهو تجنيد تلقائي عفوي، لاسيما أوساط الشباب، عكس الأحزاب التقليدية، التي يكون التجنيد فيها غالبا بمقابل مادي أو امتيازات”.
ورغم قدرتها على استقطاب الشارع، يستبعد مراقبون أن تقبل ملفات الرموز الجديدة للمعارضة لعدم استيفائها لشروط الترشح كالجنسية الجزائرية الأصلية والوحيدة والإقامة لمدة عشر سنوات في البلاد.