ذوو الاحتياجات من فلسطين يقذفون الكرة في شباك الأمل

تشكيل فرق كرة قدم خاصة للاعبين فلسطينيين تعرضوا لبتر أطرافهم السفلية كي لخوض تجربة رياضية بإشراف مدربين أجنبيين حضرا إلى قطاع غزة.
الاثنين 2019/04/29
حماس  يعيد الثقة

لا فرق بين شخص وآخر إلا بقوة الشخصية والتعلق بالأمل في الحياة إلى آخر رمق فيه، وهذا ما أثبته فلسطينيون من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين فقدوا سيقانهم، ما أثر عليهم نفسيا في بداية الأمر، لكنهم سرعان ما تداركوا وأدركوا أنه يجب أن ينالوا نصيبهم من الحياة، فانخرطوا في فرق كرة قدم، ليثبتوا أنهم قادرون على إثبات وجودهم ويسجلوا أهدافهم وأحلامهم.

غزة (فلسطين)- أتيحت فرصة نادرة للاعبين فلسطينيين تعرضوا لحوادث بترت إثرها أطرافهم السفلية بغاية خوض تجربة رياضية تحت إشراف مدربيْن أجنبيين حضرا إلى قطاع غزة في مهمة تشكيل فرق خاصة للعب المباريات.

وغمرت السعادة الشاب محمد سليم (19 عاما) وهو يتنقل بالكرة داخل ملعب معشب للكرة الخماسية ضمن مشروع ترعاه اللجنة الدولية للصليب الأحمر يستهدف دمج الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين بترت أطرافهم السفلية.

ويقول سليم، إنه أصيب قبل نحو تسعة أشهر برصاص الجيش الإسرائيلي خلال مشاركته في مسيرات العودة الشعبية على أطراف قطاع غزة ما أدى إلى تعرضه لحالة بتر في ساقه اليسرى.

ويوضح سليم، أن إصابته أجبرته منذ ذلك الوقت على التوقف عن ممارسة هوايته المفضلة وهي لعب كرة القدم التي كان يعشقها منذ صغره قبل أن يتيح له مشروع الصليب الأحمر فرصة العودة إليها مجددا.

ويشير إلى أنه يتابع رياضة كرة القدم للفاقدين لأرجلهم عبر الفيديوهات على الإنترنت ما يجعله أكثر حماسة لبذل المزيد من الجهد، وتطوير قدراته، سعيا لتأكيد قدرة ذوي الاحتياجات الخاصة على تحقيق أحلامهم والنجاح في حياتهم.

ويتبادل سليم وأقران له من الذين بترت أطرافهم السفلية الكرة بينهم باستمتاع كبير وكل منهم يستند إلى عكازين حديديين وقدم واحدة بين جنبات الملعب. ويقول زميله عبدالله وادي (17 عاما)، إنه التحق بمشروع الصليب الأحمر قبل شهرين ويشعر من ذلك اليوم بأن حياته قد عادت إليه من جديد نظرا لشغفه وحبه الكبيرين لممارسة كرة القدم.

ويوضح وادي، أنه يشعر بتحسن كبير لنفسيته بعد أشهر من الإحباط والانعزال عن المجتمع الخارجي منذ تعرضه لحالة بتر جراء حادث سير مروع تعرض له قبل نحو عام.

ويضيف، أنه وزملاءه يشعرون وهم يمارسون الرياضة وخاصة كرة القدم بأنهم قادرون أخيرا على تجاوز عثرات الحياة ومصاعبها بدلا من العزلة في عالم الإعاقة والتهميش. وهذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها قطاع غزة دوري كرة قدم خاصة بذوي البتر في الأطراف السفلية بمشاركة ثمانين لاعبا يتوزعون على خمسة فرق رياضية.

تدريبات على ساق واحدة

يركز المدربون على الرفع من معنويات اللاعبين النفسية لتمكينهم من التغلب على إعاقاتهم وظروفهم الخاصة من خلال لعب كرة القدم
يركز المدربون على الرفع من معنويات اللاعبين النفسية لتمكينهم من التغلب على إعاقاتهم وظروفهم الخاصة من خلال لعب كرة القدم

التدريبات شاقة، لكنها ممتعة، هذا ما يؤكده جل اللاعبين الذين يخوضون تمارين بدنية متنوعة، خاصة وأنهم يركضون بساق واحدة، ما يؤدي إلى تعبهم سريعا، لكن التمارين التي يعتمدونها تساعد على تقوية العضلات وتأخير الإرهاق قليلا.

ويتدرب هؤلاء تحت إشراف الأمين العام للاتحاد الأوروبي لكرة القدم لمبتوري الأطراف، الأيرلندي سايمون بيكر، والذي تعاقد معه الصليب الأحمر لهذه المهمة.

وبيكر مدرب دولي محترف ويستخدم طرفا صناعيا لقدمه اليمنى المبتورة جراء حادث عمل تعرض له في العام 2004، وقد بدت عليه حماسة كبيرة وهو يعطي توجيهاته وسط استجابة اللاعبين.

يقول بيكر للصحافيين على هامش التدريبات، إنه سعيد بالوصول إلى غزة لمساعدة هؤلاء الفتية والشبان على التخلص من إحباط تعرضهم للإعاقة وبدء مرحلة جديدة تقوم على الرياضة والحافز الإيجابي. ولا يطلب بيكر من لاعبيه الحديث عن أسباب إصابتهم، كما يقول “نحن هنا للعب كرة القدم”.

ويوضح بيكر، أنه فقد ساقه بسبب حادث بناء عام 2004 وبعدها حاول وضع حد لحياته في مناسبتين قبل أن ينضم إلى كرة القدم للأشخاص من ذوي الأطراف السفلية المبتورة ويشكل أول فريق أيرلندي لهذا النوع من الرياضة.

ويقول، إنه وافق على الحضور إلى غزة من أجل استكشاف مهارات الفتية والشبان الفلسطينيين من ذوي الإعاقة ومساعدتهم على بدء مرحلة جديدة عبر خوض التجربة الرياضية للتغلب على وضعهم الخاص.

ويضيف، أن الأمر مختلف في غزة، وهو أن الكثير من الشبان فقدوا أقدامهم نتيجة الصراع مع إسرائيل ومشكلتهم الكبرى هو عدم مقدرتهم على الحصول على فرصة عمل أو مساندة.

ويركز بيكر في تدريباته للاعبين على الرفع من معنوياتهم النفسية، كما يقول، لتمكينهم من التغلب على إعاقاتهم وظروفهم الخاصة من خلال لعب كرة القدم وهو أمر مهم جدا من أجل وضعهم النفسي.

ويشير إلى أن هذه التجربة يمكن أن تكلل بالنجاح في تشكيل فريق يلعب في كأس العالم والبطولات الدولية لذوي الإعاقة لتمثيل فلسطين وهو أمر مهم جدا لمستقبل المشاركين فيه.

ويرافق بيكر في مهمته جيس مارك وهو مستشار لدى الصليب الأحمر للدمج المجتمعي وتعزيز إرادة الأشخاص من ذوي الإعاقة، وقد سبق أن أشرف على تدريب ثمانية فرق لرياضة كرة السلة بالكراسي المتحركة في غزة.

ويتولى مارك مراقبة أداء اللاعبين خلال التدريبات من فوق كرسيه المتحرك، ولا يتوانى عن تقديم خبرته ونصائحه للرياضيين من ذوي الإعاقة في غزة.

ويقول مارك للصحافيين إن اللاعبين في غزة في مختلف الألعاب الرياضية “لديهم عزيمة وقوة ذاتية وحتى أن من بين هؤلاء اللاعبين من فقدوا أطرافهم فقط قبل أقل من عام”.

وسيتم تدريب اللاعبين بطريقة موسعة، وعلى مستوى أعلى لاختيار اللاعبين الأكثر قدرة على الدخول في بطولة أكبر من هذه البطولة المحلية، لاختيار لاعبي المنتخب.

ويوضح أنهم إضافة إلى اللاعبين الثمانين يتم العمل على تأهيل خمسة عشر مدربا واثني عشر حكما للمساهمة في خلق بيئة شاملة داعمة لتطوير رياضة كرة القدم لذوي الإعاقة في قطاع غزة. ويؤكد أن الرياضة لمبتوري الأطراف السفلية هي طريق رائع لإعادة تأهيلهم مجتمعيا خاصة أن اللاعبين في غزة “رائعون ومرنون للغاية بفعل قوتهم الذاتية وعزيمتهم الكبيرة”.

يتدرب هؤلاء تحت إشراف الأمين العام للاتحاد الأوروبي لكرة القدم لمبتوري الأطراف، الأيرلندي سايمون بيكر، والذي تعاقد معه الصليب الأحمر لهذه المهمة

وكل من المدرب والمستشار ضحية حادث عابر تسبب له في الإعاقة، لكنهما اليوم أمام قصص مختلفة إذ أن البتر في الكثير من الحالات بالمشهد الفلسطيني متسبب فيه الجيش الإسرائيلي. ويفخر المدرب خالد المبحوح (32 عاما) بنجاح هذه اللعبة وذلك بـ“تغيير نظرة المجتمع إلى الأحسن، في البداية عانينا من نظرة الشفقة والإنسانية، لكن الآن النظرة رياضية مع التقدير والتشجيع”.

ويحرص المبحوح على استيعاب تعليمات بيكر ليعززها للاعبيه، ويقول “وجود سايمون هنا إنجاز كبير لفلسطين واعتراف دولي وسنناضل لنكون أعضاء في الاتحاد الدولي لكرة القدم لمبتوري الأطراف السفلية، وإني واثق من أننا سننافس محليا وعالميا”. ويقول المدرب المتطوع “آمل في الحصول على دورات وتأهيل في الخارج لأن مبتوري الأطراف بحاجة إلى تدريبات خاصة وكذلك عكازات مخصصة”.

فرق ودوري

تقول الناطقة الإعلامية باسم الصليب الأحمر في غزة سهير زقوت، “لم أصدق أنني رأيت بعض المشاركين في المستشفى منذ شهور. واليوم يركضون برشاقة وراء الحلم. ما يُميز هؤلاء الأشخاص تمسكهم في الحياة وإرادتهم الصلبة والعزيمة التي يتمتعون بها لتخطي أزماتهم النفسية والجسدية، والأهم إصرارهم على تمثيل بلادهم في بطولات دولية”.

وتضيف، إن 20 لاعبا من إجمالي اللاعبين المشاركين في المشروع تعرضوا لحالات بتر بفعل إصابتهم برصاص الجيش الإسرائيلي في مسيرات العودة.

النجومية ليست مستحيلة
النجومية ليست مستحيلة

وتوضح زقوت، أن انخراط هؤلاء في ممارسة كرة القدم جزء من مبادرة أطلقها الصليب الأحمر لدمج مبتوري الأطراف في المجتمع من خلال الرياضة كجزء من مشروع التأهيل الجسدي الذي ترعاه اللجنة الدولية منذ عام 2015.

وانطلقت في منتصف شهر أبريل، بطولة كرة القدم لمبتوري الأقدام على ملعب فلسطين غرب مدينة غزة. وشاركت في البطولة 6 فرق من مختلف محافظات قطاع غزة، مقسمة على مجموعتين، حيث يلعب كل فريق مباريات مدتها الزمنية 10 دقائق.

ويتأهل أول وثاني المجموعتين، إلى المربع الذهبي للبطولة، بحيث يلعب أول المجموعة الأولى مع ثاني المجموعة الثانية، وأول المجموعة الثانية مع ثاني المجموعة الأولى.

وحضر المباريات التي دارت نحو ثلاثة آلاف شخص بحسب المبحوح الذي شدد على أن حضور المشجعين “ليس من باب الشفقة”، موضحا، “الجمهور يشجع الفرق على أدائها الكروي الممتع وليس شفقة، الفرق المشاركة فعلا توفر المتعة والبهجة والفرح للناس”.

وأضاف، “نحمل رسالة سلام ومحبة ونتطلع” إلى دعم يجعل الفرق قادرة على المنافسة، لاسيما وأن اللاعبين يطمحون إلى أن تتحول محاولتهم الناشئة، إلى تجربة تحملهم إلى منافسات محلية ودولية.

وتشير سهير زقوت إلى أنه تم توسيع النشاطات الرياضية ضمن المشروع المذكور هذا العام لتشمل كرة القدم إلى جانب كرة السلة بالكراسي المتحركة، لافتة إلى أن اللاعبين موزعون على خمسة أندية أقدمها تأسس قبل عام والبقية تم تأسيسها قبل شهرين.

وتؤكد زقوت، أنه ستتم متابعة الفرق الخمسة على مدار الأشهر الستة المقبلة من أجل اختيار فريق يضم أفضل اللاعبين ليكون قادرا على تمثيل قطاع غزة وفلسطين في نشاطات رياضية خارجية.

وجاءت هذه المبادرة من الصليب الأحمر في وقت يزداد فيه أعداد المصابين بحالات بتر في قطاع غزة خاصة بعد عام من احتجاجات مسيرات العودة التي تحدث فيها مواجهات شبه يومية مع الجيش الإسرائيلي شرق قطاع غزة.

وألقى الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة بظلال قاتمة على مستوى الخدمات العامة والبنى التحتية في كافة المجالات فيه. ومن ذلك افتقاد قطاع غزة لملاعب مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة أو حتى أدوات مساعدة للاعبين الممارسين لهذا النوع من الرياضة مثل عكازات أصلية أو أطراف اصطناعية حديثة المواصفات.

20