ذهبت الحرب في سوريا مخلفة عاهات دائمة

عدد كبير من الأطفال يواجهون واقعا قاسيا يتمثل في العيش مع إعاقات بدنية دائمة بسبب الحرب وتزداد أوضاعهم سوءا مع تراجع خدمات الرعاية الصحية.
الثلاثاء 2025/04/29
جروح لا تندمل

إدلب (سوريا)- ألحقت الحرب السورية إصابات بالغة بعدد لا يُحصى من السوريين، شملت بتر الأطراف، والحروق الشديدة، وفقدان الوظائف الحسية. وقد أثرت هذه الإصابات تأثيرًا بالغًا على حياتهم، وتفاقمت حالاتهم بسبب قلة الاهتمام والدعم الذي من المفروض أن توفّره منظمات المجتمع المدني.

وتبلغ سلام الحسن من العمر 43 عامًا، وهي من سراقب الواقعة جنوب مدينة إدلب، فقدت ساقيها في عام 2023 عندما انفجر صاروخ من طائرة حربية بالقرب منها. وتغيرت حياتها بشكل جذري منذ ذلك الحادث المؤلم، حيث خضعت لأشهر من العلاج والتأهيل الشاق حتى تمكنت من المشي مجددًا باستخدام أطراف صناعية. ومع ذلك، لا يزال الوقوف والحركة يمثلان تحديًا كبيرًا في حياتها اليومية.

وذكرت الحسن أنها تعيش على هامش الحياة، في ظل النقص الحاد في مراكز العلاج. وحالفها الحظ بالحصول على أطراف صناعية، وهي تعرف العديد من مبتوري الأطراف الآخرين الذين يحلمون بالحصول عليها دون أن يتمكنوا من تأمينها نظرًا إلى تكاليفها الباهظة. وأكدت أن هذه المشكلة تحتدم بسبب اضطرار العديد من المستشفيات والمراكز الصحية إلى تعليق عملياتها نتيجة انقطاع الدعم والتمويل الأساسيين.

◄ العيش مع الإعاقة يمثل نقطة تحول صعبة للعديد من السوريين المتضررين الذين يحتاجون الآن إلى مساعدة في مهامهم

وعانى عدد كبير من الأطفال من إصابات أدت إلى إعاقات أو بتر أطراف. وهم يواجهون اليوم واقعًا قاسيًا يتمثل في العيش مع إعاقات بدنية دائمة. وتزداد أوضاعهم سوءًا مع تراجع خدمات الرعاية الصحية ونقص الإمدادات الطبية الأساسية لتلبية احتياجاتهم الخاصة.

وأفادت اليونيسف بأن حوالي 900 طفل في سوريا قُتلوا أو أُصيبوا في عام 2020 وحده. ويُضاف هذا العدد المروّع إلى ما يُقدّر بنحو 13 ألف طفل قُتلوا أو جُرحوا منذ اندلاع الحرب، ويمثل هذا حوالي ثلث إجمالي الإصابات المسجّلة، ما يترك الكثير من الأطفال يعانون من إعاقات دائمة.

أما سالم الدياب، وهو فتى نازح يبلغ من العمر 14 عامًا من معرة النعمان جنوب إدلب ويعيش الآن في مخيم ببلدة قاح بالقرب من الحدود السورية – التركية، فيجلس عند مدخل خيمته يراقب أطفال المخيم الآخرين وهم في طريقهم إلى المدرسة. فلقد نخرت الحرب جزءًا من جسده، وأصابته بالإعاقة، وحرمته من فرصة مواصلة تعليمه.

ويستعيد سالم تجربته قائلًا “ساقي المبتورة جعلتني هدفًا للتنمر والسخرية، ولذلك انقطعت عن التعليم. بُترت ساقي اليسرى أواخر عام 2019 بعد أن أصابتني شظايا من طائرة حربية وأنا في طريقي إلى السوق لشراء بعض المستلزمات.”

وبسبب العجز الذي يعانيه قطاع الرعاية الصحية، انتظر سالم عامًا كاملًا بعد التئام جرحه قبل أن يحصل على طرف صناعي رديء الجودة من مؤسسة خيرية. ويعكس هذا التأخير، الناجم عن كثرة المرضى وقلة التمويل، الوضع المزري.

وتشرح والدة سالم علياء الدياب أن ابنها يحتاج إلى استبدال أطرافه الاصطناعية بشكل متكرر لمواكبة نموه وحركته، ما يتطلب منه التكيّف والتدريب باستمرار على طرف جديد. وأضافت “كما أننا نعيش تحت خط الفقر، وليس أمامنا خيار سوى الاعتماد على الجمعيات الخيرية التي توفّر الأطراف الاصطناعية مجانًا، فنحن ببساطة لا نستطيع تحمّل كلفة الطرف الاصطناعي الواحد التي تتراوح بين 500 وألف دولار.”

ويمثل العيش مع الإعاقة نقطة تحول صعبة للعديد من السوريين المتضررين، الذين يحتاجون الآن إلى مساعدة في مهامهم اليومية، وفقدوا الأمل في العودة إلى حياة طبيعية.

وأُصيبت هديل العبدو البالغة من العمر 17 عامًا، من ريف حلب الشمالي، بشظايا قذيفة أُطلقت من حواجز النظام في يناير 2021، وألحقت ضررًا بنخاعها الشوكي، ما جعلها تعتمد على كرسي متحرك. وتحتاج اليوم إلى كرسي متحرك كهربائي لتسهيل حركتها وتقليل الوقت الذي تقضيه في الذهاب إلى المدرسة.

وقالت “كنت مع صديقتي أمام المنزل عندما سقطت قذيفة بالقرب منا. قتلتها شظية، وأصابتني أخرى بالشلل. وأصبحت أعتمد على كرسي متحرك للتنقل.”

وأكدت أنها تذهب إلى المدرسة يوميًا، وذكرت أنها تحلم بأن تصبح طبيبة لمساعدة مرضى الحرب ومصابيها. لكنها أشارت إلى أنها تحتاج دائمًا إلى المساعدة، وأن شقيقها الأكبر يرافقها إلى المدرسة ويُعيدها منها.

◄ الصراع في سوريا خلّف الآلاف من المدنيين من ذوي الإعاقة، ويواجه الكثير منهم عوائق كبيرة في الوصول إلى خدمات الدعم الأساسية

وكانت قد عزلت نفسها عن الآخرين في البداية، لكنها عادت إلى الحياة العامة بدعم من والدتها وشقيقها، وتكيّفت تدريجيًا مع إعاقتها وواقعها الجديد. وأعربت العبدو عن تطلعها إلى المشي والجري وممارسة أنشطتها اليومية كغيرها، إلا أنها تُدرك تمامًا أن تحقيق هذا الحلم أصبح بعيد المنال. وأضافت “أشعر بالحزن عندما أرى صديقاتي يمشين ويركضن، بينما لا يسعني سوى مشاهدتهن.”

وذكر الدكتور مروان الحمود، وهو طبيب جراحة عامة من حمص، أن جرحى الحرب السورية يعيشون معاناة مستمرة نتيجة إعاقتهم وتدهور ظروفهم المعيشية، ويواجهون تحديات مالية واجتماعية وسلوكية تُعيق مشاركتهم في المجتمع.

واعتبر أن الجرحى من أكثر الفئات تضررًا من الحرب، قائلًا “يعيشون مع آلامهم وهم على قيد الحياة. فقد بعضهم أطرافًا، ويعتمدون الآن على الأطراف الاصطناعية أو الكراسي المتحركة.”

وأكد أن المصابين يحتاجون إلى مساعدة كبيرة لتخفيف معاناتهم، وأن حالاتهم تتطلب مراكز طبية مجهّزة كما يجب، حيث يلجأ الأطباء غالبًا إلى بتر الأطراف بسبب نقص الأدوات اللازمة. وأضاف أن المصابين يحتاجون أيضًا إلى دعم نفسي لإعادة بناء ثقتهم بأنفسهم، ويجب توفير فرص عمل تتناسب مع قدراتهم لتمكينهم من المشاركة الطبيعية في المجتمع.

وتوضح المستشارة النفسية رزان البركات، وهي من إدلب، أن الإعاقة تترك أيضًا جروحًا نفسية عميقة.

وأخبرت خدمة إنتر برس أن الإعاقة لا تقتصر على الجانب الجسدي، مضيفة أن مشاعر اليأس والإحباط تسيطر على العديد من المصابين عندما يشعرون بالاختلاف والعجز عن العيش بشكل طبيعي.

وتابعت رزان البركات “غالبًا ما يشعر المصابون الذين بُترت أطرافهم بالعجز، ويستعيدون ذكريات صدمة إصاباتهم، ويعانون من انعدام الأمن وتفاقم القلق، إضافة إلى تراجع الثقة بالنفس بسبب اعتمادهم على الآخرين في تلبية احتياجاتهم الأساسية”.

وشدّدت على أهمية العلاج النفسي بعد التعافي الجسدي لمساعدة المصابين على التكيّف مع حالتهم الجديدة. كما سلّطت الضوء على ضرورة التوعية المجتمعية، ووجوب أن تشمل هذه التوعية المؤسسات المعنية بهذه الفئة المتضررة جسديًا ونفسيًا، وأن تُوجَّه أصواتهم إلى العالم لحثّه على المساعدة وتسريع علاجهم.

وأفادت هيومن رايتس ووتش في 8 أبريل أن مخلفات الحرب كانت سببًا في إصابة 379 شخصًا منذ سقوط النظام في 8 ديسمبر 2024.

ويشير تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية خلال عام 2020 إلى أن 36 في المئة من النازحين السوريين هم من ذوي الإعاقة. وينحدر هؤلاء الأفراد من مناطق تعرضت لقصف مكثّف شنّته قوات النظام والقوات الروسية.

كما أفادت الأمم المتحدة أن 28 في المئة من السوريين داخل البلاد يعانون من إعاقات. ويشمل ذلك الإعاقات الذهنية والنفسية، التي نتج الكثير منها عن إصابات جسدية أو عن مصاعب الحرب.

وخلّف الصراع في سوريا الآلاف من المدنيين من ذوي الإعاقة، ويواجه الكثير منهم عوائق كبيرة في الوصول إلى خدمات الدعم الأساسية، بما في ذلك الأطراف الاصطناعية، والرعاية الطبية، والعلاج النفسي، وبرامج إعادة التأهيل.

 

16