ذروة الإنتاج النفطي: هل صارت وراءنا أم لا تزال أمامنا

لندن - تمسكت شركة بريتيش بتروليوم في توقعاتها للطاقة لسنة 2024 التي نشرتها مؤخرا بوجهة نظرها بأن الطلب على النفط سيبلغ ذروته في 2025، رغم تقديم سيناريوهين محتملين مختلفين للفترة الممتدة إلى2050. لكنهما يختلفان عن توقعات أمانة أوبك الصعودية.
وكتب سبنسر ديل، كبير الاقتصاديين في بريتش بتروليوم، في 10 يوليو 2024 أن “التحدي يتمثل في الانتقال (لأول مرة في التاريخ) من مرحلة إضافة الطاقة الحالية في مساعي التحول إلى مرحلة “استبدال الطاقة”، حيث ترتفع الطاقة منخفضة الكربون بسرعة كافية لتتناسب مع الزيادة في الطلب العالمي عليها.
ويقول الكاتب المالي أليستر نيوتن أن العديد من أوجه الغموض المحيطة بسرعة انتقال الطاقة وطبيعته تعني أن احتمال تحقق أي من السيناريوهين الرئيسيين المذكورين يبقى ضعيفا.
ولم تقدم الشركة هذه المرة سوى احتمالين، على عكس معيار السيناريوهات الثلاثة التي بُنيت عليها التوقعات السابقة. وهما يختلفان بدرجة كبيرة.
ويتماشى “صافي الصفر” مع سيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بناء على اتفاقية باريس لسنة 2015.
ويتوقع انخفاضا حادا في الطلب على النفط بحلول منتصف القرن، وأن يصل ذلك إلى ما بين 25 و30 مليون برميل يوميا.
توقعات بأن يكون الطلب العالمي على الطاقة أقل بنسبة 25 في المئة خلال عام 2050 مما كان عليه في عام 2022
وهذا يرجع أساسا إلى الانخفاض الكبير في استخدامه في النقل البري، الذي لن يعوضه جزئيا سوى ارتفاع الطلب في قطاع البتروكيماويات.
وسيكون الطلب العالمي على الطاقة أقل بنسبة 25 في المائة خلال 2050 مما كان عليه في 2022. كما سيبلغ الطلب على الغاز ذروته في 2025 ثم ينخفض بنحو 50 في المئة بحلول 2050، حتى مع نمو الطلب على الغاز الطبيعي المسال بنسبة 30-40 في المئة مقارنة بسنة 2022.
وسيزيد الطلب على الطاقة الحيوية (المنتجة أساسا من المخلفات والنفايات) بأكثر من الضعف بحلول 2050. وسترتفع طاقة الرياح والطاقة الشمسية حوالي 14 ضعفا بحلول 2050.
ويستند “المسار الحالي” إلى السياسات والالتزامات القائمة. ويتوقع زيادة الطلب على الطاقة الأولية حتى منتصف 2030 قبل أن يستقر. وسيكون إجمالي الطلب على الطاقة أعلى بنسبة خمسة في المائة في 2050 مما كان عليه سنة 2022، فيما يشكّل تناقضا صارخا مع سيناريو “صافي الصفر”، ومع انخفاض الطلب على النفط بما لن يقل عن حوالي 75 مليون برميل في اليوم.
وسيكون الطلب على الغاز أعلى بنحو 20 في المئة سنة 2050 مع اعتبار الغاز الطبيعي المسال مكونا رئيسيا مرة أخرى.
ونظرا إلى هذه الاختلافات، قد يكون من المدهش أن كلا السيناريوهين يتوقع أن حدوث ذروة النفط في 2025 عند حوالي 102 مليون برميل في اليوم.
ويتماشى هذا إلى حد ما مع توقعات وكالة الطاقة الدولية لسنة 2023 القائلة إن الطلب على النفط سيبلغ ذروته عند حوالي 103 ملايين برميل في اليوم قبل نهاية العقد الحالي. لكن هذا لا ينطبق مع توقعات الأمانة العامة لمنظمة أوبك.
وقال الأمين العام للمنظمة هيثم الغيث، نُشر في 17 يناير “اليوم، ما هو واضح هو أن ذروة الطلب على النفط لا تظهر في أي توقعات موثوقة وقوية على المدى القصير والمتوسط”.
ورفض الغيث توقعات الوصول إلى ذروة النفط بحلول 2030 وأكد أن الطلب سيصل إلى 116 مليون برميل في اليوم بحلول 2045.
وتوجد بعض المصداقية في جميع الحجج الرئيسية الثلاث التي يقوم عليها تقييم أوبك.
وتشتدّ المقاومة الشعبية في البلدان المتقدمة خاصة ضد أهداف صافي الصفر حيث تصبح آثارها على الأسر الفردية واضحة.
ويعيد صناع السياسات بهذا النظر في نهجهم في التعامل مع تحول الطاقة.
وسيستمر ارتفاع الطلب على الطاقة في العديد من الاقتصادات النامية بشكل حاد في المستقبل المنظور.
وأما بالنسبة للعالم المتقدم فقد صوّت النواب الأوروبيون لمنح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين ولاية ثانية مدتها خمس سنوات.
الطلب على الطاقة الحيوية (المنتجة أساسا من المخلفات والنفايات) سيزيد بأكثر من الضعف بحلول 2050 وسترتفع طاقة الرياح والطاقة الشمسية حوالي 14 ضعفا بحلول 2050
ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى دعم أعضاء البرلمان الأوروبي الخضر، مقابل دعمها الصادق للصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي وخفض الانبعاثات بنسبة 90 في المائة بحلول 2040.
وحددت الحكومة المنتخبة حديثا في المملكة المتحدة لنفسها هدفا يتمثل في توفير طاقة نظيفة بنسبة 100 في المائة بحلول 2030.
وعلى الرغم من أن المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب يهدد بإلغاء قانون الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن الرائد في مجال الطاقة النظيفة والعمل المناخي إذا فاز في الانتخابات في الولايات المتحدة، (وهو أمر غير مؤكد خاصة بعد أن انسحب بايدن لصالح كامالا هاريس)، فمن غير المرجح أن يرغب في أن يكون مسؤولا عن تدمير الوظائف الذي قد يسببه هذا (وخاصة مع اختياره عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو جيه دي فانس لمنصب نائب الرئيس). وتعد أوهايو نفسها موطنا لصناعة الطاقة الشمسية واسعة النطاق.
وبالنسبة للصين لم يُعلن عن تفاصيل نتائج الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني بعد. ولكن يبدو من البيان الأولي أن الرئيس شي جينبينغ يضاعف إستراتيجيته الاقتصادية الحالية التي تعتمد على ريادة بلاده القوية في تقنيات إزالة الكربون الموجهة نحو التصدير.
ومع تزايد نزعة الحماية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ستنظر بكين بشكل متزايد إلى العالم النامي لتحقيق أرباح من صادراتها.
ويعتقد نيوتن أن توقعات الطلب الصعودية التي تبنتها أمانة أوبك ليست مقنعة. وبينما خفضت وكالة الطاقة الدولية هذا الشهر مرة أخرى توقعاتها لنمو الطلب على النفط خلال 2024 و2025، تبقى توقعات ذروة النفط في 2025 التي تمسكت بها شركة بريتيشبتروليوم جريئة، كما هو حال سيناريو صافي الصفر.