لعل واقع ما بعد داعش سيفرز أوضاعا سياسية محلية وإقليمية في غاية التعقيد، لا يتوقع أن يكون الأكراد على رأس الكاسبين، لأن الكبار لم يغيروا من نظرتهم إليهم.

إذا كانت سياسة ترامب جدية في تقليم أظافر إيران حسب وعوده فماذا تعني تصريحاته بشأن الحرب على داعش وهي القضية الأميركية الحالية الأولى والذي التزم بالقضاء عليه في كل من العراق وسوريا.

المصالحة الحقيقية هي عملية تكييف تستهدف مداواة البنية الممزقة للعلاقات الاجتماعية التي كرسها المشروع الطائفي في العراق. المصالحة هي في منح الثقة لكل عراقي غيور على وطنه ولا فرق بين شيعي وسني، لأن الجميع أبناء وطن واحد.

العبادي الطامح إلى البطولة وأوباما الحالم بمكسب لحزبه يبحثان عن إنجاز سريع في الموصل، لكن أرض المعارك تقول إن الميليشيات في لبنان وسوريا والعراق تبحث عن ثمن سياسي أكبر من أحجامها في المستقبل حتى وإن هدأت المدافع.

إفرازات معركة الموصل هي التي ستحدد معالم الصورة السياسية لهذه المدينة، حيث ستنكشف أكثر الوجوه التي راهنت على ما حققه داعش خلال السنتين الماضيتين من تخريب لمعالمها التاريخية الأصيلة.

بدلا من أن تصبح معركة تحرير الموصل وطرد داعش معركة استنهاض لكل قيم العراقيين الأصيلة، تصبح قبيل تحريرها بأيام ميدانا لمساومات اللاعبين الذين يقتربون من المواجهة المباشرة.

الإيرانيون وعبر تصريحات مسؤوليهم لم يخفوا دعواتهم الكثيرة لضم العراق إليهم، فقد سبق لصادق قطب زادة، وزير خارجية إيران أن قال، “العراق جزء من إيران”.

تجربة تحرير المناطق السنية لم تكن مشجعة على الاطمئنان لما سيكون عليه أهل الموصل. ورغم جميع المشاريع والصفقات الإقليمية والمحلية لكنها لن تصل إلى الاستعداد لفصل الموصل عن العراق مثلما يتصور الحكام في بغداد.

الاستجوابات داخل البرلمان العراقي هي انعكاس لما وصلت إليه حالة عدم الثقة بين أطراف العملية السياسية الثلاثة (شيعة وأكراد وسنة) والتشظي الحاصل داخل تلك الأطراف نفسها.

اليوم قد لا تقع حرب مثل الحرب العراقية الإيرانية بين العرب وإيران، لكن مسلسل الفوضى وإدامة الأزمات وتهديد أمن الدول سيظل مستمرا، فهل يعود النظام الإيراني إلى الحكمة والعقل ويلتفت إلى شعوب إيران؟.

الوضع الجديد أفرز قوى وطنية عراقية جدية لم تتورط في الطائفية السنية مقابل الطائفية الشيعية، قادرة على بلورة مشروع وطني عراقي عابر للطائفية، بعيدا عن لعبة الصفقات السياسية.

تحالفات الأمس الاستراتيجية بين الشيعة والأكراد، هي أهم مرتكز بنيت عليه العملية السياسية، وقد يحصل الانهيار على إيقاعات غير مألوفة. الأكراد لديهم أوراق كثيرة ضمن ملفات الفساد عبر وزيرهم في المالية زيباري.

مشروع التقسيم سيصبح مطلباً في ظل الإحباط العام لدى العرب السنة الذي سيكون أكثر حدة خلال وبعد تحرير الموصل وتنظيف العراق من داعش بعد أن تحول سياسيوهم إلى شِلل مصلحية متنازعة.

الحل الصحيح أمام دعاة "الوسطية والاعتدال" هو في إعادة إنتاج المشروع الوطني العابر للطائفية بمعزل عن العملية السياسية القائمة، ووفق مستجدات الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية، وما ستفرزه مرحلة ما بعد داعش.

الانتصار على داعش في العراق إعلاميا يتم حين تزال جميع التحفظات والشكوك... ويتحول الخطاب الإعلامي التعبوي إلى خطاب وطني وليس طائفيا، وهذا لن يتحقق في ظل النظام السياسي القائم.

السلطة السياسية الحاكمة في العراق ليست وفية حتى لأيديولوجيات الأحزاب الدينية المذهبية، بل هي وفية لمقدرات {عش الدبابير}، الذي لا يفرق بين شيعي وسني طالما هناك مشترك واحد هو النهب.

جميع المؤسسات الحزبية الطائفية في العراق تنتظم اليوم تحت خط تعبوي واحد يهدف إلى تأهيل الحشد عسكريا وسياسيا ليصبح القوة العسكرية والأمنية الأولى في البلد، وليصبح الجيش العراقي رديفا شكليا.

تنظيم داعش يؤدي وظيفة كبيرة ونمطا جديدا لتصعيد الحروب الطائفية في المنطقة العربية، لتعزيز هيمنة إيران في العراق وسوريا مقابل بقاء الهيمنة الأميركية في إدارة الصراعات المحلية وسط مناخ الفوضى العالمية.